شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل مئة عام تقريبا جاء مندوب بريطانيا العظمى "مكماهون" الى شريف مكة الحسين بن علي ، "وهو ابن السلالة الهاشمية" , عارضا عليه العمل معه ومع الحلف الّذي تتزعمه بريطانيا آنذاك ضد الامبراطورية العثمانية ، واعدًا اياه بدولة عربية كبرى كما هو معلوم خالصة العرق والنسب , بحسب تعابير مكماهون هذا ، ووعده بأن تكون هذه الدولة الكبرى تعتمد الحداثة والتطور ، وبعيدا عن أرث الدولة العثمانية البالي والمتهرّئ والمتخلّف .. وبعد أن نجح المخطّط البريطاني بما أراد بمساعدة الحسين بن علي "الثوّار" ,وبعد تقسيم الوطن العربي إلى "مُحتجزات" وهو الشكل الحقيقي ربّما والّذي باعتقادي إطلاق التسمية على الحدود السياسيّة الّتي تمّ على ضوئها تقسيم العرب ..فماذا حلّ ببريطانيا العظمى الكذوب.. منذ تلك الحقبة ولغاية اليوم .. سوى التشرذم والأفول والتبعيّة في كلّ مرحلة تضطرّ فيها ربط كيانها السياسي خلف القاطرة الأقوى الّتي ظهرت من رحمها .. "أميركا" .. بعد أن قصمت الشعوب الّتي استعمرتها ظهرها فاضمحلّت تلك الامبراطوريّة الاستعماريّة غير مأسوف على"شمسها" "مع عدم إنكار فضلها في تحفيز الشعوب على التطوّر وإن بدون قصدٍ منها" وبعدما آذنت ثورة العشرين في العراق الّتي على يدي ثوّارها العراقيّون بدء العدّ التنازلي لأفول نجم بريطانيا الامبراطوريّ ؛ تمّ الاعلان رسميّاً على يد مصر وشعب مصر بقيادة جمال عبد الناصر بحرب "الأفول المزدوج"الّذي يمكن إطلاق هذه التسمية على ما عُرف "بالعدوان الثلاثي" على مصر1956 م .. أي ؛ أفول امبراطوريّتي بريطانيا وفرنسا مجتمعتين بوقت واحد وبحرب واحدة! .. والنتيجة الّتي آلت إليها بريطانيا .. نراها أينما تولّ وجهها تجد هنالك من يلعن الحقبة الاستعماريّة البريطانيّة "والفرنسيّة كذلك" وتقذع بأنواع السباب والشتائم واللعن ...


إهانة من العيار الثقيل الّتي وجّهها رئيس أساقفة جنوب أفريقيا "دوزمند توتو" إلى "توني بلير" رئيس وزراء بريطانيا الأسبق حين رفض دوزموند لقائه في مؤتمر جمعهما ؛ جرّاء مشاركة بلير غزو وتدمير واحتلال العراق وقتل وجرح وتيتيم وتهجير ثلث الشعب العراقي .. ترى كيف هو شكل التعذيب , الأقسى ما يكون , للمجرمين إن لم يكن بهذه المشيئة الإلهيّة الّتي تسخّر لتوني بلير من يسومه سوء العذاب المعنوي أينما ساقته قدماه ؟! ..


توني بلير مجرم حرب هارب من وجه العدالة الدوليّة بتستّر يقف خلف عدم محاكمته لحدّ الآن , لا هو ولا بوش , ولا كلّ من شاركهم غزو واحتلال العراق وتدميره بالكذب وبالتزييف وبالخداع وبالإجرام, الجهات الّتي تقف كمصدّ دون أن تأخذ العدالة الدوليّة مجراها للوصول لهؤلاء , وجهات الصدّ هذه هي جهات أقرب ما تكون للأستبلشمنت بدون أدنى شكّ .. فإذا ما تركنا المواربة جانباً وتجاوزنا قليلاً اللياقة في التناول بموضوعيّة وأصبحنا حادّي المزاج الكتابي , كما تجاوز بلير الأمم المتّحدة وأصرّ على مشاركته غزو العراق واحتدّ لذلك بأكاذيب عرفها العالم , هي نفسها تلك الجهات من أقفزته إلى سدّة رئاسة وزراء بريطانيا .. وهي "الجهات"نفسها الّتي تقف خلف صعود الأحزاب اليمينيّة في أوروبّا وفي الكثير من بلدان العالم وقت ما اقتضت مصلحة تلك الجهات ..


وصول أحزاب يمينيّة بعينها, إلى سدّة الحكم في الكثير من البلدان الأوروبيّة وفي ظروف دوليّة تتطلّب حشد دولي , ومنهم توني بلير وحزبه "العمّال" , كالذي حصل عندما أرادت أميركا غزو واحتلال العراق مثلاً , وتتطلّب الحفاظ على المصالح الأميركيّة والغربيّة عموماً , باتت معروفة تطال حتّى الدول الّتي اشتهرت عالميّاً كمقياس نموذجي أمثل للديمقراطيّة تقاس بها الدول عند ادّعاء تطبيقها لهذه القيمة السامية , منها دول وصلت شهرتها في التطبيق الديمقراطي المزعوم لأن تكون مضرب للأمثال في ذلك , فما من مناسبة تُذكر فيها الديمقراطيّة إلاّ وواحد من تلك البلدان يقفز إلى بساط المناسبة تلك , كالسويد والنرويج وفنلندا ,وبريطانيا ! , أو حتّى الهند ! , وأزمات دوليّة كثيرة تحدّت المصالح الغربيّة في الشرق الأوسط عموماً خاصّة , أو هدّدتها فلا نجد , إلاّ ونرى أمام أعيننا وبشكل بات معلناً ولا حراجة فيه بعد سقوط الاتّحاد السوفييتي على وجه الخصوص وعلى ترنيمة"غاب القطّ العب يا فأر" ! , شهدت أوروبّا , في حرب العراق مثلاً , عمليّات صعود للأحزاب اليمينيّة متتالية تزيح أحزاب اليسار من أمامها مع الإبقاء على حجم بسيط "معارض" , أشبه ما يكون بفزّاعة ! "خيال المآتة" كمت يُطلق عليها الصعايدة في مصر , بقصد الإيحاء بأجواء الديمقراطيّة في تلك البلدان ! ..


أينما حلّ توني بلير في أيّة دولة من دول العالم , حتّى الّتي شاركت أنظمتها الحرب على العراق , تنهال عليه أقذع العبارات ويُصرخ في وجهه ويُشتم ويُهان ويُقذف بأنواع السباب وبأنواع ما تتناوله الأيادي من أحذية ومأكولات فاسدة وحجارة حتّى تسارع "الشرطة" لتواريه عن أنظار جماهير الرفض في البلد الّذي حلّ فيه ..


منذ تنحية بلير من منصبه الرئاسي البريطاني مكافئاً من قبل "الجهات الراعية له" بما فيها حكومته الّتي كان يرأسها وتم تعيينه "باللجنة الرباعيّة" للشأن الفلسطيني , رغم الكمّ المعارض لسياسته في البرلمان البريطاني والّتي اصطبغ طيلة فترة رئاسته بأخلاقيّاته المراوغة والمخاتلة والمشكوك في ولاءاتها الحقيقيّة لجهات"الرفع" الّتي دفعته للسلطة وساعدته في تحقيق بعض المكاسب للشعب البريطاني منذ مطلع أشهر حكمه الأولى كما جرت عليه العادة للتلميع السياسي.. بلير هذا, مع الأسف قد تمّت مكافئته على جريمة مشاركته غزو العراق دول محيطة بالعراق لا تعرف أين تذهب بريع مدخولها الخرافي اليومي من الأموال , وكيف تنفقه ! .. فتخصّص جزءًاً كبيراً منه لتكريم القادة الأوروبيّين ورؤسائهم وملوكهم علناً رغم الاعتراضات الشديدة من شعوب العالم عند زيارة أي مسئول لهذه الدول ! .. في حين ..يقف الكثير من هم ليسوا من أبناء جلدتنا ولا من ديننا ولا من لغتنا ولا من قارّتنا موقف التصدّي الحازم لهؤلاء المجرمين الّذين دمّروا العراق وعيّنوا السرّاق حكّاماً له ومنحوا الكثير منهم أرفع الأوسمة جرّاء خيانة بلدانهم ! .. وها هو الأسقف "دوزموند توتو" يطرقأبواب المحاكم الدوليّة وأبواب الضمير الإنساني بقوّة شديدة علّها تستفيق الضمائر من صمتها وتحاكم بلير وشلّته ..


لم تنس أسقف جنوب أفريقيا الشهم , والمسلم الحقيقي خلقاً وسلوكاً , الأخوّة الإنسانيّة الّتي هي أصل التعايش البشري عامّةً .. لم تنس "توتو" سنوات ما بعد جريمة تحطيم العراق العمل على الترصّد ببوش وببلير وبرامسفيلد وبدكّ تشيني" ولم تلهه مشاغله عن قول كلمة الحقّ يوماً .. إذ رفض دوزموند مشاركة توم بلير حتّى "المنصّة"أثناء انعقاد مؤتمر حضره إلى جانبه بلير بسبب مشاركة بلير في غزو العراق واحتجاجاً على عدم تقديمه اعتذاراً للشعب العراقي , خاصّةً وقد شارك بلير مشاركةً فعّالة مع عصابته في تجويع الشعب العراقي أربعة عشر عاماً بادّعاء حصار النظام العراقي ! ...


صحيح .. ؟ .. فإن"لم يكن نظيراً لك في الخلق" فهو نظيرٌ لك في الإنسانيّة .. صدقت يا أيّها الإمام التقيّ عليّ ابن أبي طالب ... فالأسقف دوزموند الحائز على جائزة نوبل للسلام 1984 , بفطرته السليمة , والّتي هي فطرت الاسلام كما نفترضها موجودة لدى عامّة المسلمين ! من دون لا مرجعيات ولا كلّيات شريعة دخلها دوزموند ولكنه قرأها بقلبه الواعي تعاليم السيّد المسيح في الإنجيل دون أن يلتفت للتعاليم الّتي قرأتها أعين شلّة المحافظون الجدد الّذين لا أحد ربّما يعلم بالأسطر اللأخلاقيّة "المخفيّة" الّتي قرأها هؤلاء المحافظون من نفس المصدر "الإنجيل" الّتي غابت عن أعين كبير أساقفة جنوب أفريقيا دوزموند توتو ! ... رضي الله عنه وأرضاه !!! ..

 

 

 





الثلاثاء ١٧ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة