شبكة ذي قار
عـاجـل










بدأت الصحوة العربية وفي امتنا العربية وبعد فترة من الاحتلالات المتعاقبة في ثلاثينيات القرن الماضي بالقومية العربية وتياراتها ومن ثم لحقتها الحركات الاشتراكية والشيوعية ومن ثم الحركات العلمانية اليمينية و اننا هنا لانناقش وثائق حصرية لم يسمع بها احد او حقائق تظهر لاول مرة وانما نناقش امورا نعرفها جميعنا ونعيشها منذ عقد السبعينات فقد ظهر جليا للجميع تنامي الاسلام السياسي من خلال ماقام به الرئيس المصري انور السادات باطلاق يد جماعة "الاخوان الملسمين" المصرية وبأوامر امريكية لكبح تقدم الاشتراكيين والشيوعيين في مصر ولعدم ظهور القوميين الناصريين مرة اخرى لما يشكله المد القومي العربي من خطر على الهيمنة الامريكية – الصهوينية ومخططاتهم للمنطقة العربية في تلك الفترة فأطلق لهم العنان وصرح لهم بالعمل حتى انقلب السحر على الساحر تماما واغتالوه في حادثة مشهورة شاهدها العالم اجمع على شاشات التلفاز خلال استعراض عسكري بعدما نفذ ورقته الاخيرة التي امرته بها امريكا ايضا من عقد اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني (اتفاقية السلام ) لينسف كل الجهود العربية بمقاومة ذاك الكيان المسخ .


وبعدها بسنوات قليلة قامت ((الثورة الاسلامية الايرانية)) بقيادة خميني حيث قلبت ايران من دولة الشاهنشاه الرأس مالية شرطي امريكا في الشرق الى دولة اسلامية ترغب بتصدير ثورتها على مد بصرها الواسع بوسع ايران بجبالها وسهولها ،حيث بدأت توسعها من خلال قرارها بتصدير ثورتها للعراق تحت شعار" تحرير فلسطين يبدأ عن طريق كربلاء" هذا ناهيك عن احتلال الجزر العربية الاماراتية طنب الكبرى والصغرى وابو موسى قبلها بسنوات وحرب الثمان سنوات مع العراق واحتضانها للاحزاب الدينية المعارضة للحكومة العراقية في حينها كحزب الدعوة وفيلق بدر والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية. وخلال فترة السبعينات وحتى فجر التسعينات سيطر على العرب هاجس الحرب الاهلية اللبنانية والتي كانت بحقيقتها وطبيعتها المرة حرب دينية بين كل من الشمال المتمثل بالسنة والمدعوم سعوديا وامريكيا وبين الجنوب المدعوم ايرانيا وبين المسيحيين المنقسمين اصلا والمدعومين فرنسيا والتي حصدت ارواح الكثيير وتركت شرخا كبيرا في نسيج ذلك المجتمع الذي يعاني ليومنا هذا من كل اثار تلك الحقبة ولاسيما ان اثار الحرب فعلا موجودة على الارض ليومنا هذا والمسافر الى بيروت يستطيع ان يرى بأم عينه ،وليس من العجيب ولا المستغرب ان يكون اتفاق الطوائف اللبنانية لوقف اطلاق النار ان يكون في الطائف !!


و كان الاحتلال السوفيتي لأفغانستان له الاثر الكبير في تنامي حركة المقاومة (الاسلامية) فيها بقيادة تحالف كل من القاعدة وطالبان وبدعم مالي ولوجستي امريكي كامل كما تم تعزيز المقاتلين بمقاتلين عرب بفتاوى سعودية بحتة وبأيعاز امريكي ايضا وعندما انسحب السوفيت من الاراضي الافغانية بدأت القاعدة ومعها طالبان بأذكاء نار الحرب ضد (الغرب الكافر) الذي خلق تلك الشخوص والحركات قبلا وهأيها لفترة مقبلة ....


ولم تمضي سنوات قليلة حتى قامت حرب الخليج الثانية ضد العراق وبقيادة ثلاثة وثلاثون دولة وبعيد انتهائها بدأت اداور ثانية تظهر في المنطقة العربية من خلال الفوضى التي حدثت في جنوب العراق بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت حيث تم تفعيل التسميات الطائفية من السنة والشيعة والتفرقة الهدامة التي هدفها الوحيد احداث الشرخ في بناء المجتمع العربي بشكل عام وبالمجتمع العراقي بشكل خاص ، حيث ان هذه الفتنة التي تم القضاء عليها سريعا تركت اثرا كبيرا لدى دول الجوار العراقي لايزال اثرها الى يومنا هذا سواء في العربية السعودية او الكويت او الاردن وحتى دول الاقليم كتركيا فكيف الحال في العراق. حيث ان التمرد الذي حصل في العراق بحجة الانتفاضة كان هدفه اشعال الفتيل ، فقد حافظت الحكومة العراقية لعقود على التوازن الوطني ومنعت اي نوع من التمييز القومي او العرقي او المذهبي ، ويجب الاشارة هنا الى اغلب الدول العربية في تلك الحقبة انتهجت نفس المنهج، وهذا ماكان يقلق الغرب فبدأها بالعراق لتعم المنطقة ...


ان مراكز الثقل في الامة العربية تتمثل في العراق ذو المكونات المتعددة عرقيا ومذهبيا ودينيا وسوريا المشابهة للعراق تماما حيث ان كليهما هما العمق الاستراتيجي لبعضهما لكبر درجة التشابه وعمق الصلات من حيث الدم والتصاهر والعادات بين بعضهما والاردن الذي تحكمه العائلة الهاشمية والتي لايستطيعون نسيان ابن عمهم (الملك فيصل الثاني) المدفون في العراق بعد ان اطاحت به ثورة الاشتراكيين في منتصف القرن الماضي ،وحتى العشائر العربية في محافظات الاردن والتي ربما ولائها للعراق اكبر من ولائها للاردن نفسه .ومن السهل القول ان لبنان وفلسطين هما امتداد طبيعي لبلاد الشام ليس بحدودها الحالية وانما بالعادات والتقاليد والمفاهيم وحتى العشائر والقبائل ، والسعودية ذات الاستقطاب الديني الاوحد كونها قبلة للمسلمين والتي تتبعها دول الخليج العربي واليمن بشكل طبيعي .


اضافة الى مصر ذات الثقل القومي والتي تتبعها ليبيا والسودان والقرن الافريقي العربي المتمثل بجيبوتي والصومال واريتيريا من حيث الانتماء العربي والديني مع الاشارة الى وجود مكون ثاني في السودان سنأتي على ذكره لاحقا .


هذا اضافة الى المغرب الذي هو شرفة العرب على المحيط والذي تتبعه الجزائر وتونس وموريتانيا .


ومع مطلع التسعينات بدأ شوط جديد من الاسلام المسيس يعمل على الساحة العربية الاسلامية حيث غزت الفضائيات سماء الاثنان وعشرون دولة وزخرت تلك الفضائيات بكل ماهو موجه من افلام وبرامج حوارية حية ومسجلة هدفها ايصال القكرة الاسلامية المشوهة بنسختها الانكلو – صهيو - امريكية حيث بدأت الفتاوى تنهال على العرب من كل حدب وصوب وبدأت الوجوه تتغير على الشاشات من ربطات العنق والذقن المحلوق الى الذقون الطويلة والعمائم والغتر والاشمغة والجميع يتحدثون بالدين والفتاوى والتحريم والتكفير والتحليل والجنة والنار وما الى ذلك ، على مبدأ الترغيب والترهيب والجنة والنار والكفار والمسلمين ...حتى بدأ الشارع العربي يتغير بعاداته كأزدياد ارتياد الحجاب واطلاق اللحى وارتياد الحلقات والجوامع والزوايا ليس حبا بالدين ولكن هربا من الضغوط بالاتجاه نحوها ، ليس ايمانا ولكن تسليما لواقع حال مفروظ , لقوله تعالى في كتابه العزيز " قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم " ... الاية .


علما ان ذاك الغزو الثقافي الفضائي شمل كل الاقطار ولم يستثني منها الرأس مالي او الاشتراكي الجمهوري او الملكي . والهدف الاساسي منه كان تهيأة العرب بأن الفترة القادمة ستكون فترة السياسة الدينية او الاسلام السياسي او بمصطلح اخر وكما نراه هذه الايام ((الانحدار )).


ولكن كيف انجرف العرب وراء الفكرة ؟
يقول علماء الاجتماع ان اثار مابعد الحروب عديدة ، منها الاتجاه نحو الدين كما يتجه اليائس نحو المخدر والمريض نحو المسكن وليس العلاج لانه اسرع , ويقول "كارل ماركس" ان الدين هو افيون الشعوب ، وربطا للقولين السابقين فأن العرب بعد خروجهم من ازمة حرب الخليج الثانية ومع الشعور العارم بالاحباط والتراجع والخوف من القادم والمجهول ،اتجهوا نحو الدين من غير علم ان ذاك الدين هو دين مسيس الى ابعد حد ودين امريكي بأمتياز فقد بثت الفضائيات مايكفي لبعث الدين من جديد في امة العرب فبدأ اشباه العضاة بنقل كل الافكار الهدامة والدين المشوه للعرب والعرب ينهلون من كل مايبث عبر الاثير بنهم وشهية , وهنا نتسائل الم نكن مسلمين قبل ان تأتي تلك الفضائيات بشيوخها ووعاضها ومنابرها؟ ، الم نعرف من الدين الا اسمه ؟ , ربما كنا كفارا او مشركين فجاء الدين الاسلامي الامريكي الجديد ليعلمنا من هم الكفار ومن هم المشركين وكيف نصل الجنة بتفجير انفسنا وبتجريم وتكفير الاخر دوما والتشكيك بولاء الاخر للدين مع غض النظر عن الوطن والامة العربية لاضعاف الانتماء الوطني والعروبي مقابل الانتماء للدين الزائف الذي جائوا به .


واليوم بعد وبعد انجلاء تلك الحقبة التي دامت قرابة عشرون سنة تأتينا ما ادعت انها ثورات عربية بصحوة (امريكية – خليجية ) فظهر الاخوان المسلمون ثانية ولكن وهم يحركون دمى المعارضة فمثلا في تونس حركوا المعارضة اليسارية والشباب الثائر المنتفض على حكومته ليصلوا الى السلطة وفي ليبيا حركوا ابناء العشائر والقبائل و الناتو ليصلوا الى السلطة وفي مصر استغلوا حركات شبابية وعلمانية ووصلوا الى السلطة وهكذا في باقي البلدان ولكن يجب ان لاننسى انهم بدأوا في العراق حيث سيطرت الاحزاب الدينية التي جائت مع الدبابة الامريكية المحتلة على السلطة وكل مفاصل الدولة وهمشوا كل الاحزاب الثانية رغم شراكتهم لها بالعمالة وتسهيل احتلال العراق ولم يسمحوا لهم بأي نوع من المشاركة او الوصول الى اي نوع من انواع مراكز اتخاذ القرار وهاهم منذ تسع سنوات يحكمون ماتبقى من اطلال العراق على اكوام من الانقاض والجماجم وافواج من المشردين والارامل والايتام .


ان الشارع العربي ومع الاسف جاهل تماما لما يحدث ليس لشئ سوى اننا العرب نمتلك اروع تاريخ ولكننا لانقرأ التاريخ وليس فقط تاريخنا الذي لانقرأه فمثلا لو قرأنا تاريخ اوربا في العصور الوسطى لعلمنا ان الكنيسة وهي اعلى سلطة دينية وسياسية حينها في اوربا عندما سيطرت على الدولة ومراكز واتخاذ القرار عاشت اوربا اسوأ حقبها وسيطر عليها الجهل والفقر والمرض وبدأت الكنيسة تذهب يمينا وتجيئ شمالا ولاتستيطع اتخاذ اي قرار يفيد الدولة لاسياسيا ولااجتماعيا حتى ان العلماء في حينها كانوا يحرقون ويقتلون ويغيبون بحجة الجنون والتعامل مع الجان والغيبيات مع انهم كانوا يعملون لصالح البشرية ، (هل يغيب عن بالنا موضوع صكوك الغفران والتي تتكرر اليوم بشكل اخر من خلال تفجير الشخص لنفسه ). واليوم ينقل لنا الغرب امراضه بنفس الطريقة حيث يجعل من الدين هو المسيطر على السياسة والقرار السياسي في الدول العربية وهي اخر مراحل الانحدار العربي نحو الضياع والهاوية لان العرب في حقبة الخمسينيات كانوا يدا واحدة ضد احتلال فلسطين وفي الستينيات عندما كانوا يعلمون ان ثورة او انتفاضة قامت في بلد عربي ما كانوا كلهم يهبون هبة رجل واحد لانهم كانوا مسلمين حقا لقول الرسول الكريم (ص) "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا "وهكذا في السبيعنيات حتى بدأت بوادر الحركات الاسلامية السياسية المشبوهة ، فقد تحول العرب من قوميين الى قطريين الى مناطقيين وعرقيين ومذهبيين بسبب ذاك الدس والبث الممنهج لهم على مدار اليوم والاسبوع والسنة .


هذا ناهيك عن العولمة التي اطلقت مشروعها الولايات المتحدة الامريكية والغرب ممثلا بالدول الصناعية الكبرى والذي حول العالم الى قرية صغيرة الهدف منها ضياع خصوصية الشعوب وقتل روح الابداع الخاص فاصبح الغربي شرقي والاشتراكي رأس مالي وان لم نكن راضين ، اضافة الى اقحام الشباب العربي في متاهات من اللهو الزائف من اغاني وبرامج ومسابقات بنسخ عربية ومخدرات وامراض اجتماعية ونفسية وجسدية حتى اصبح الشاب العربي ليس برجلا يعتمد عليه وهو عماد هذه الامة فأن هرب من ذاك الواقع المرير حتى تلاقفته ايدي الجماعات المتطرفة من خلال جوامعها وحلقاتها وزواياها فدخل في غياهب جديدة لاتقل سوءا عن سابقتها وبقي شعوره القومي مغيبا وغير مباليا وشعوره الوطني ضعيفا وشعوره الانتمائي غالبا اما دينيا او مذهبيا وفي احسن حالاته مناطقيا وبذلك ضاعت امة العرب في لعبة غربية بحتة وهي تتناحر على ارض العرب التي كانت يوما جسورا لعبور الجيوش العربية لفتح الاندلس في اسبانيا وبلاد مارواء النهر في الهند والصين . فهل ستصحوا امة العرب يوما للتذكر ان دينها اصلا هو الاسلام وهي لاتحتاج الى وعاض امريكيين بشكل عربي ملتحين ومغترين او معممين يبثون الفتنة كل يوم فقط ليتقاتل العرب بينهم وينسوا ان ماوراء الحدود العربية هنالك ذئاب تتربص بالضعيف ؟ وهل سيصحوا فعلا ليتذكرا ان الشعوب العربية وامتهم ليست من المسلمين فقط وانما هنالك بشر مثلنا يتبعون ديانة سيدنا المسيح عليه السلام وعلى سيدنا محمد افضل صلاة وسلام يجب ان نحترمهم ونقدرقم لانهم شركائنا في الارض والتاريخ والانسانية ان لم يكونوا قد وجدوا قبلنا على تلك الارض ام اننا سنبقى مراقبين لهجرتهم الممنهجة او انفصالهم الى دويلات كما حدث لما يسمى دولة جنوب السودان ؟


عجبت لامتنا وهي تغط في نوم عميق والمواكب تمر من حولها غازية لارضها وناشرة للفساد بأسم الحرية والديمقراطية فهل سيكون نومنا كنوم اهل الكهف ام اننا سنستيقض يوما لنجد ان امتنا اصبحت بدون هوية وديننا اصبح كلمة في هوية ؟!

 

 





الاثنين٠٢ جمادي الاخر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٣ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عمر الحمداني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة