شبكة ذي قار
عـاجـل










كثيرة هي الأحداث الغريبة والعجيبة التي تعصف بالعراق وتمر على شعبه العظيم لتقتل بعضه وتشرّد بعضه الآخر ، ثم لتجعل قسم كبير منهم مهاجر أو مهجّر ، والباقي عبارة عن جموع هائلة من بشر معزول تماما عن حكومته لا بل معزول عن نوابه الذين يفترض أنه هو من أنتخبهم ووضعهم في الأماكن التي هم عليها الآن ، معزول ليس بإرادته بل بإرادة من يحكمونه لعدة أسباب وغايات بعضها يتعلق بالخوف منه ومن غضبته بسبب ارتباطاتهم بدول اقليمية وربما غير أقليمية ، والآخر مرتبط بإحساس المسؤولين في العراق عن حجم الفساد الإداري والمالي الذي تربع العراق على عرشه عالميا بفضلهم وبما حققوه من هدر ونهب للمال العراقي العام .


ليس موضوعي اليوم عن الفساد في العراق بشكل عام ، لكنني سأتحدث عن موضوع محدد يرتبط بما أثير حول موضوع السيارات المصفحة لإعضاء مجلس النواب العراقي والتي أقرّت ضمن موازنة عام 2012 بمبلغ ستين مليار دينار عراقي ( 50 مليون دولار أمريكي) ، ولما اقامت وسائل الإعلام العراقية الدنيا ولم تقعدها لإستثارة شعب العراق تجاه هذا الموضوع والتنبيه عن استهانة النواب بالدم العراقي المراق في ذات اليوم والذي سمي ب ( الخميس الدامي) ، ابدت شرائح واسعة من العراقيين امتعاضها من قرار البرلمان بوسائل مختلفة وفي جميع المدن العراقية تقريبا ، حتى المرجعية العليا في النجف الأشرف دخلت على الخط وانتقدت القرار الذي لم يراعي " مصالح المواطنين بل تفكر في امتيازاتها". وقد شاهدنا جميعا كيف حاول النواب أنفسهم النأي عن الموضوع وبطرق أوضحت للعالم وليس للعراقيين فقط ضحالة البرلمان العراقي وضآلة قدرات نوابه. بعد الحملة الإعلامية والتحرك الجماهيري ضد قرار شراء 350 سيارة مصفحة ، قرر مجلس النواب من جديد إلغاء قراره ولكن على مضض واضح أعتبره البعض من النواب مجرد مزايدات سياسية وكان نواب ائتلاف دولة القانون التي يتزعمها رئيس الوزراء نوري المالكي من أكثر النواب مرارة لإلغاء القرار .


حصيلة هذه المفارقة الغريبة والمضحكة بين النواب والإعلام والشعب كانت في حقيقة الأمر موضوعا آخر لابد أيضا أن تضع وسائل الإعلام أيديها عليه ليكون شعب العراق وكل القادة العرب على أطلاع كامل عليه ؛ فقد أرادت رئاسة الحكومة العراقية أن تضمن سلامة الوفود التي ستشارك في قمة بغداد في التاسع والعشرين من مارس الجاري خلال تنقلهم أثناء فترة أنعقاد المؤتمر، خاصة وأن رئاسة الحكومة العراقية تعلم أن احتمالات تعرض الوفود المشاركة لعمليات مسلحة وارد جدا خصوصا بعد التصعيد الأخير للتفجيرات في بغداد وتدهور الوضع الأمني في العراق بشكل عام ، وهو أمر ليس سرا ، فقد أكدت وزارة الداخلية العراقية أنها أعدّت خطة أمنية جديدة لتأمين القمة العربية المرتقبة ببغداد في 29 اذار المقبل، وأن التفجيرات التي طالت عددا من المدن ومحافظات في العراق لن تؤثر على عقد القمة ! لكن نائب ائتلاف دولة القانون جواد البزوني كشف عن نية الحكومة "شراء 400 سيارة مصفحة لغرض استخدامها من قبل القادة العرب وحمايتهم في القمة العربية" !


إن رئاسة الوزراء لا تملك ما يمكنها من صرف مبلغ ستين مليار دينار عراقي دون بند يمكن تمريره في الموازنة المالية العراقية التي يجب أن يقرّها مجلس النواب ، فكانت الضربة المزدوجة ، حيث أدخل موضوع شراء سيارات للنواب في الموازنة المالية خلال مناقشتها في المجلس وتمت مناقشتها يوم الخميس الدامي ، وبعد إقرارها ستستخدم للقمة العربية ووفودها ثم تؤول لاحقا لمجلس النواب ، وهذا مكسب لرئاسة الوزارة ومنعا لإحراجها في هذا الوقت الضيق المتبقي للقمة ، وإن فشلت العملية وحدثت ردود أفعال شعبية على قرار شراء سيارات للنواب فقد كسبت رئاسة الوزراء من جديد بإسقاط النواب من أعين الشعب من خلال تفضيلهم لإمنهم الشخصي على حساب أبناء الشعب الذين يتساقط منهم العشرات يوميا في حوادث الأرهاب ، وبالتالي تصبح رئاسة الحكومة المصدر الأكثر واقعية لإتخاذ القرار والقبول به . لقد لعبت بشكل جيد وعليه تستحق علامة كاملة بالرقص على الحبال .

 

 





الاثنين٢٥ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / أذار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. فارس الخطاب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة