شبكة ذي قار
عـاجـل










لا شك إن من يتابع الشأن العراقي سأم وضجر حد المرض والغثيان من كثرة سماعه لعبارة "مناقشة القضايا العالقة" التي تدور على ألسنة حكام العراق الجدد. فهذه العبارة الأثيرة لديهم والفارغة من أي معنى ومضمون بالنسبة للمواطن العراقي, تكاد تكون فاتحة وخاتمة كلّ لقاء أو إجتماع أو مؤتمر يجمع نخبة الشراذم وأصحاب السوابق التي تحكم عراق اليوم. ويتبادر الى ذهن المرء عندما سماعه لعبارة "القضايا العالقة" أن ثمّة قضايا أخرى غير عالقة تمّ حلّها بهذا الشكل أو ذاك. لكن المتابع الجيد لمجمل مسيرة هؤلاء المخزية والفاشلة يجد دون صعوبة تذكر إن جميع القضايا التي تهمّ العراقيين بالدرجة الأولى إما أنها عالقة أو مُصادرة أو ملغاة كلّيا.


ومن خلال تصريحات أو بيانات أو ثرثرة حكام المنطقة الخضراء عبر الفضائيات, والدالّة في مجملها على جهل وتخلّف وإنغلاق فكري ممزوج بإنحياز طائفي أو عنصري بغيض, يتّضح عجزهم عن التوصّل الى حل معقول أو الاتفاق ولو بالحد الأدنى على أية نقطة أو هدف. لأن كل طرف من المشاركين في جريمة إحتلال العراق, وبناء على مواد دستور ملغوم بكلّ أنواع المتفجّرات وصيغ لكي يفّرق شمل العراقيين لا لكي يجمعه, يسمح لنفسه ويحلّل لأتباعه, طبعا حسب قدرته وخبرته في اللصوصية والتضليل والابتزاز والرقص على الحِبال, ما يحلوا له ولهم.


وضمن سلسلة لقاءات وإجتماعات ثنائية وثلاثية وسُداسية, لمناقشة"القاضايا العالقة" بين الفرقاء العملاء, يأتي السعي المحموم, يصاحبه الكثير من التطبيل والتزمير وهزّ الأر} داف والكروش باعتبارها نشاط سياسي عصري ! لعقد "مؤتمر وطني" يجمع ساسة العراق الجديد ليعيدوا فيه نفس جدول الأعمال الذي سبق وأن ناقشوه وأشبعوه ثرثرة وفوضى وتعقيدا, قبل عدة سنوات وفي أكثر من لقاء ومناسبة. وإذا كان أحدكم يتوقّع أو يتأمّل شيئا جديدا, إيجايبا أو مثمرا و مفيدا للعراقيين, فهو جاهل وفي ضلال مبين.


فيبدو إن حكام العراق الجدد, وبعد أن أثبتوا للصديق قبل العدو أنهم أسوء وأتعس نماذج سياسية عرفها العالم, وفشلوا فشلا ذريعا في أية مهام أو مسؤوليات إدارية أو حكومية أنيطت بهم, لم يبقَ أمامهم سوى مناقشة قضايا وهمية"عالقة" في أذهالنهم, إخترعوها بانفسهم وتعلّقوا بها لكي يستمرّوا في تغطية عوراتهم السياسية والاخلاقية التي جعلتهم مسخرة ونكة شائعة للعالمين, ومثلا صارخا في سوء إدارة دولة وقيادة شعب, تتجنّبه وتخشى عدواه جميع دول العالم. الى درجة إن أسيادهم الآميركان, وبعد أعوام الاحتلال الكارثية ما عادوا يثقون بهم, وينظرون اليهم والى قضاياهم"العالقة" دائما نظرة شك وريبة وإحتقار وإزدراء.


وثمة دلائل كثيرة من واقع العراق اليومي تشير الى أن ساسة عراق اليوم غارقون حتى آذانهم في بركة من "القضايا العالقة" حيث لا يلوح في الأفق أي مخرج "مشرّف" لهم في الوقت الذي تستمر فيه طاحونة الموت بالدوران وبسرعة متزايدة لتحصد المزيد من أرواح العراقيين الأبرياء. فمن سلمَ من السيارات المفخّخة قضى بكواتم الصوت أو بالعبوات الناسفة.


ورغم هول كل هذه الجرائم وغيرها بحق الشعب العراقي لا يبدو على حكّامه السفلاء ذرة من المسؤولية أو الشعور بالواجب, ولا حتى الرغبة في السعي الجاد, لا الجُمل الرنانة الجوفاء والتهديدات االفارغة عبر شاشة التلفاز, لملاحقة القتلة الحقيقيين وكشف الواقفين خلفهم, خصوصا وإن غالبية الأوامر والتوجيهات لارتكاب هذه الأعمال الارهابية الجبانة تصدر من مكاتب"قادة"عراق اليوم. والسؤال الذي لا بدّ منه هو الى متى تبقى القضايا "عالقة" في العراق الجديد؟


mkhalaf@alice.it

 

 





الاربعاء٢٤ صفر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة