شبكة ذي قار
عـاجـل










أكد المفكر والمحلل السياسي‮ ‬العراقي‮ ‬نزار السامرائي‮ ‬أن تركيا كدولة محورية في‮ ‬المنطقة لا ترغب برؤية إيران نووية‮ ‬يمكن أن تبتز دول المنطقة وترسم الكثير من مساراتها السياسية وخاصة إذا كانت هذه الدولة مثل إيران تتصرف تصرف العصابات وتطالب بحقوق الدول ولا كوابح لانفعالاتها وردود فعلها ويمكن أن‮ ‬يقودها جموح القوة ونزعة الغضب الذي‮ ‬يتسم به زعماؤها إلى ارتكاب حماقة تجر المنطقة إلى معارك طاحنة،‮ ‬مشيراً‮ ‬إلى أن من‮ ‬يقلب صفحات الماضي‮ ‬بين الدولة العثمانية وبلاد فارس سيجدها مليئة بالتأزم والقلق والحروب لاسيما داخل الأراضي‮ ‬العراقية،‮ ‬لذلك فإن تركيا ستسعى إلى إقامة تحالف إقليمي‮ ‬يرتب وضعها بوجه نوايا التوسع الإيراني،‮ ‬موضحاً‮ ‬أن الدور التركي‮ ‬واستناداً‮ ‬إلى التباين بالمصالح مع إيران ربما‮ ‬يصب في‮ ‬مصلحة العرب مرحلياً،‮ ‬ويمكن توظيف هذه الخاصية بما‮ ‬يخدم التوازن الاستراتيجي‮ ‬في‮ ‬المنطقة‮.‬ جاء ذلك في‮ ‬قراءة للمحلل السياسي‮ ‬العراقي‮ ‬نزار السامرائي‮ ‬حول؟‮ ''‬الدور التركي‮ ‬في‮ ‬المنطقة لمصلحة من؟‮''‬،‮ ‬حيث قال إن؟ تركيا تراهن على نسيان العرب لحقبة الظلام العثمانية،‮ ‬ونسيانها هي‮ ‬لما تعده خيانة عربية للرابطة الإسلامية عندما اصطف بعضهم مع الانكليز في‮ ‬شن الحرب على الأتراك فيما سمي‮ ‬بالثورة العربية الكبرى عام‮ ‬‭.‬1916

 

وأضاف نزار السامرائي؟ بأن؟ تركيا وجدت في‮ ‬دورها الجديد تعويضاً‮ ‬عن تطلعها نحو أوروبا بعد أن حال إسلامها عن قبول عضويتها في‮ ‬الاتحاد الأوروبي‮ ‬على الرغم من أنها وفرت معظم الشروط السياسية والاقتصادية للعضوية أكثر بكثير مما وفرته الدول المنسلخة عن الاتحاد السوفيتي‮ ‬والتي‮ ‬كانت أعضاء في‮ ‬حلف وارسو وهو الحلف الذي‮ ‬أقامه الاتحاد السوفيتي‮ ‬لمواجهة حلف الناتو مع أن تركيا كانت أصلاً‮ ‬من الدول المؤسسة لحلف الناتو إلا أن ذلك لم‮ ‬يشفع لها لقبولها في‮ ‬أوروبا المسيحية على حين فتحت أبواب القارة القديمة لدول كانت محسوبة على حلف معاد لها لأن الأخيرة لا تصطدم بحاجز الدين المانع عن قبول‮ ‬غير الدول المسيحية في‮ ‬عضوية الاتحاد الأوربي‮ ‬الذي‮ ‬حرص بابا الفاتيكان على تذكير زعماء أوربا بضرورة الحفاظ على مسيحية قارتهم‮.‬ وفيما‮ ‬يلي‮ ‬نص القراءة التي‮ ‬كتبها المحلل السياسي‮ ‬العراقي‮ نزار السامرائي؟:؟

 

يذهب بعض مراقبي‮ ‬تطور الأحداث في‮ ‬هذا الجزء المهم من العالم،‮ ‬وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي‮ ‬للعراق وتدمير قوته السياسية والعسكرية،‮ ‬إلى تقديم فرضية أن الدول الكبيرة في‮ ‬هذه المنطقة مثل تركيا ومصر وإيران والمملكة العربية السعودية،‮ ‬أو كما كان العراق قبل الاحتلال تتحرك على أساس ردود الفعل المتعجلة على مواقف أمريكية إما في‮ ‬جانبها العدائي‮ ‬أو في‮ ‬ما تفرزه من علاقات صداقة بصفة خاصة،‮ ‬فتتصرف بما‮ ‬يؤدي‮ ‬في‮ ‬النهاية إلى جعل المصالح الاستراتيجية الكونية الأمريكية فوق مصالح الدول الأخرى بصرف النظر عن درجة التقاطع والتصادم بين المشاريع المطروحة،‮ ‬غير أن الوقائع تشير إلى أن أكثر الدول الصغيرة تبعية للدول الكبرى،‮ ‬لها مصالحها الخاصة ولها حدودها التي‮ ‬تتوقف عندها عن الانسياق وراء إملاءات الآخرين عليها،‮ ‬وبالتالي‮ ‬تحكم سلوكها السياسي‮ ‬على مدى التطابق في‮ ‬المصالح وحتى في‮ ‬النوايا قبل اتخاذ أية خطوة عملية‮ ‬يمكن أن تنعكس سلباً‮ ‬على علاقاتها الإقليمية،‮ ‬استناداً‮ ‬إلى حقيقة راسخة هي‮ ‬أن دول المنطقة باقية في‮ ‬مواقعها ومحكوم عليها بترصين علاقات حسن الجوار استناداً‮ ‬إلى مجموعة من المبادئ الخاصة بعدم التدخل بالاختيارات والشؤون الداخلية والمنافع المتبادلة والمصالح المشتركة على أساس ثابت من التكافؤ‮.‬

 

ترك احتلال العراق اختلالاً‮ ‬حاداً‮ ‬على موازين القوى في‮ ‬المنطقة،‮ ‬وخاصة بعد أن سعت إيران لاستغلال الظرف الناشئ عن خروجه من معادلة التوازن الإقليمي‮ ‬من أجل إقامة رؤوس جسر لها في‮ ‬منطقة الخليج والجزيرة العربية،‮ ‬تمثل في‮ ‬دعم عسكري‮ ‬مباشر للحوثيين في‮ ‬اليمن ورفع الصوت بشأن ما كانت تسميه بمظلومية الشيعة في‮ ‬شرق المملكة العربية السعودية،‮ ‬وربما كان الأمر مع البحرين أكثر خطورة من الدعاوى كلها التي‮ ‬كانت إيران قد أطلقتها كبالونات اختبار لردود الفعل العربية تجاهها،‮ ‬ويبدو أن المأزق الذي‮ ‬دخلته القوات الأمريكية في‮ ‬العراق نتيجة عمليات المقاومة المسلحة التي‮ ‬واجهتها لجم كثيراً‮ ‬من المرونة الميدانية التي‮ ‬كانت تتمتع بها أو كان مفترضاً‮ ‬أن تتمتع بها لمواصلة قوة الدفع لمشروعها في‮ ‬الشرق الأوسط الكبير،‮ ‬وتمكنت إيران من توظيف نتائج فعل المقاومة المسلحة التي‮ ‬كانت في‮ ‬واقع الحال تناصبها العداء وتطلق عليها صفات البعثية القريبة من إرث الرئيس العراقي‮ ‬الراحل صدام حسين الذي‮ ‬خاض حرباً‮ ‬طاحنة ضدها وأرغمها في‮ ‬نهاية المطاف على الاستسلام،‮ ‬أو السلفية المعادية للتشيع،‮ ‬وبالتالي‮ ‬ناصبتها العداء بكل ما تملك من قوة،‮ ‬ولكن واحدة من مفارقات الحرب والاحتلال أن نتائج فعل المقاومة تم تجيير الجزء الأكبر منها لصالح إيران التي‮ ‬كانت على وفق ما تطرحه الدوائر السياسية الأمريكية على وشك أن تشهد سيناريو مماثلاً‮ ‬لما حصل في‮ ‬العراق،‮ ‬ويمكن على هذا افتراض أن القوات الأمريكية أصبحت مع الوقت ومع دخول فيلق القدس الإيراني‮ ‬بقوة إلى الساحة العراقية،‮ ‬رهينة بيد الزعامة الإيرانية التي‮ ‬أجادت التلاعب بأعصاب الأمريكيين وخاصة بعد أن دخلت مليشيات مرتبطة بها مباشرة على خط تنفيذ العمليات ضد القوات الأمريكية في‮ ‬رسائل متزامنة مع أحداث كانت تقتضي‮ ‬تذكير الأمريكان بأنهم على مرمى البندقية الإيرانية العادية والتي‮ ‬تستهدفهم كلما أمرت طهران بذلك لحسابات سياسية إيرانية ترتبط بمجموعة الملفات المختلف عليها بين إيران والعالم‮.‬

 

وجراء التورط الأمريكي‮ ‬في‮ ‬العراق بات لازما البحث عن قوة لها قدرة التأثير في‮ ‬مسار الأحداث وتقليص فائض المكاسب الإيرانية وموازنة الدور الإيراني‮ ‬المتصاعد،‮ ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه تكون مقبولة من دول المنطقة وشعوبها خصوصاً،‮ ‬ويمكن افتراض حصول توافق في‮ ‬الاستراتيجية التركية في‮ ‬عهدها الجديد مع الرغبة الأمريكية في‮ ‬أن تلعب أنقرة دور عصا التوازن في‮ ‬أكثر مناطق العالم قلقاً،‮ ‬لكن هذا الدور كان محكوماً‮ ‬بجملة من التعقيدات بين تركيا وإسرائيل منذ حصول المواجهة بين السيد رجب طيب أردوغان وشمعون بيرس في‮ ‬مؤتمر دافوس،‮ ‬ومن بعده الإهانة التي‮ ‬تلقاها السفير التركي‮ ‬في‮ ‬وزارة الخارجية الإسرائيلية حينما أجلس في‮ ‬مكان منخفض مما لم‮ ‬يعرف من أساليب العمل الدبلوماسي‮ ‬بين الدول،‮ ‬ثم وصل الأمر ذروة التصعيد في‮ ‬حادث سفينة مرمرة الذي‮ ‬سقط فيها ضحايا أتراك كانوا‮ ‬يسعون للوصول إلى‮ ‬غزة لإعلان التضامن العالمي‮ ‬معها في‮ ‬الحصار الإسرائيلي‮ ‬المفروض عليها،‮ ‬وأدخل هذا الحادث العلاقات التركية الإسرائيلية نفقاً‮ ‬طويلاً،‮ ‬وجدت الولايات المتحدة نفسها في‮ ‬أصعب ظرف‮ ‬يمر على علاقات حليفين قويين لها،‮ ‬كانت تريد لعلاقاتهما أن تبقى بمستوى قوة علاقات كل منهما مع واشنطن،‮ ‬وخاصة بعد التحولات الدراماتيكية التي‮ ‬شهدتها مصر وأزاحت حليفاً‮ ‬آخر للولايات المتحدة وصديقاً‮ ‬أميناً‮ ‬لإسرائيل،‮ ‬وجاءت بحكم لم تتضح معالمه حتى الآن ولم تتبين نواياه بشأن العلاقة مع إسرائيل خاصة،‮ ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬ارتفاعاً‮ ‬بمكانة تركيا في‮ ‬الاستراتيجية الأمريكية وتعليق الكثير من الآمال عليها في‮ ‬أخذ دورها كاملاً‮ ‬في‮ ‬معادلة الشرق الأوسط،‮ ‬وجزءاً‮ ‬كبيراً‮ ‬من دور مصر القديم،‮ ‬ومن هنا‮ ‬يمكن أن نجد تفسيراً‮ ‬مناسباً‮ ‬ومقبولاً‮ ‬لتصريحات الكثير من المسؤولين الأمريكان عن حرصهم الشديد على عودة المياه إلى مجاريها بين أنقرة وتل أبيب،‮ ‬وهو ما‮ ‬يفسر التسريبات الصحفية التي‮ ‬أشارت إلى أن إسرائيل باتت على وشك أن تقبل فكرة تقديم اعتذار رسمي‮ ‬لتركيا عن حادثة سفينة مرمرة وتقديم التعويضات لأسر الضحايا،‮ ‬فالولايات المتحدة لا تريد لإسرائيل أن تشعر بقلق مشروع أو‮ ‬غير مشروع من صعود الدور الإقليمي‮ ‬التركي،‮ ‬وخاصة إذا ما أدى هذا الدور إلى ملاحقة المشروع السياسي‮ ‬الإيراني‮ ‬التوسعي‮ ‬على مستوى الدول العربية والإسلامية تحت لافتة تصدير الثورة ونشر نظرية ولاية الفقيه والذي‮ ‬وجد نفسه طليق اليدين والساقين للمضي‮ ‬بأقصى سرعة بعد خروج العراق من خط الصد الأول بوجه الزحف الإيراني‮ ‬طويل الأمد والعريض الأحلام‮.‬ وجدت تركيا في‮ ‬دورها الجديد تعويضاً‮ ‬عن تطلعها نحو أوربا بعد أن حال إسلامها عن قبول عضويتها في‮ ‬الاتحاد الأوروبي‮ ‬على الرغم من أنها وفرت معظم الشروط السياسية والاقتصادية للعضوية أكثر بكثير مما وفرته الدول المنسلخة عن الاتحاد السوفيتي‮ ‬والتي‮ ‬كانت أعضاء في‮ ‬حلف وارشو وهو الحلف الذي‮ ‬أقامه الاتحاد السوفيتي‮ ‬لمواجهة حلف الناتو مع أن تركيا كانت أصلا من الدول المؤسسة لحلف الناتو إلا أن ذلك لم‮ ‬يشفع لها لقبولها في‮ ‬أوربا المسيحية على حين فتحت أبواب القارة القديمة لدول كانت محسوبة على حلف معاد لها لأن الأخيرة لا تصطدم بحاجز الدين المانع عن قبول‮ ‬غير الدول المسيحية في‮ ‬عضوية الاتحاد الأوربي‮ ‬الذي‮ ‬حرص بابا الفاتيكان على تذكير زعماء أوربا بضرورة الحفاظ على مسيحية قارتهم‮.‬

 

ماذا لو استيقظت الأحلام الإمبراطورية؟ يرى باحثون متخصصون في‮ ‬الشأن التركي،‮ ‬أن تركيا أردوغان سعيدة جداً‮ ‬بما قدمته من تضحيات في‮ ‬حادثة سفينة مرمرة،‮ ‬لأن الدماء التركية التي‮ ‬سالت في‮ ‬تلك الحادثة صارت نذوراً‮ ‬لتقديم تركيا في‮ ‬صورتها الجدية للوطن العربي‮ ‬وارتباطها بالقضية الفلسطينية،‮ ‬بصفتها قوة مضافة إلى رصيدهم في‮ ‬مواجهة الأخطار التي‮ ‬تحدق بهم،‮ ‬وخاصة ما‮ ‬يتصل بحقوق الشعب الفلسطيني‮ ‬حتى بدت تركيا وكأنها تُطّلِقْ‮ ‬قرناً‮ ‬من الزمان كانت تنظر فيه أنقرة بريبة إلى العرب وتحملهم جزءاً‮ ‬من أسباب سقوط الدولة العثمانية،‮ ‬وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية‮ ‬يحرص على التحرك بحذر في‮ ‬حقل صعب العبور لألغام علمانية موروثة من العهد الأتاتوركي‮ ‬ولا‮ ‬يريد إعلان الطلاق مع العلمانية،‮ ‬إلا أن أردوغان كان أكثر صراحة حينما قال في‮ ‬مناظرته الشهيرة مع شمعون بيرس إنه‮ ‬ينتمي‮ ‬بفخر إلى الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف،‮ ‬وعلى هذا فإن دور تركيا الجديد‮ ‬يمكن أن‮ ‬يعطي‮ ‬دعماً‮ ‬قوياً‮ ‬لتوجهات أردوغان في‮ ‬بناء دولته الجديدة بقلب تركي‮ ‬وعقل إسلامي‮ ‬وجيب‮ ‬غربي،‮ ‬ومع كل خطوة نجاح تقطعها تركيا في‮ ‬هذه التوليفة الناجحة،‮ ‬فإنها تستطيع الانتقال من دولة من العالم الثالث إلى دولة صناعية معتمدة على استثماراتها التي‮ ‬ستجد قبولاً‮ ‬وربما إلحاحاً‮ ‬من الدول العربية الغنية بمواردها وبالمقابل سترى أن الكثير من حلقاتها الاقتصادية‮ ‬غير المستغلة ستجد أموالا عربية تتدفق عليها بحثاً‮ ‬عن توظيفات مضمونة وبعيدة عن قرارات التجميد التي‮ ‬تطبع سلوك الاقتصادات الأوربية والأمريكية حالياً،‮ ‬وبعد ذلك فإن المنتجات التركية الزراعية والصناعية ستجد لها أسواقاً‮ ‬عربية مفتوحة ترحب بها من دون قيود مما‮ ‬يعني‮ ‬أن مرحلة نمو سريع وبوتائرعالية سيشهدها الاقتصاد التركي،‮ ‬ويبدو أن تركيا تراهن على نسيان العرب لحقبة الظلام العثمانية،‮ ‬ونسيانها هي‮ ‬لما تعده خيانة عربية للرابطة الإسلامية عندما اصطف بعضهم مع الانكليز في‮ ‬شن الحرب على الأتراك فيما سمي‮ ‬بالثورة العربية الكبرى عام‮ ‬‭,‬1916‮ ‬على الرغم من أن الكثير من الملفات النائمة بين الطرفين مازالت بها حاجة إلى حلول واقعية لإزالة مخلفات الماضي‮ ‬كلها‮.‬

 

تركيا مترجم مشاعر بين عالمين تصورت الولايات المتحدة أنها قادرة على إيجاد بديل في‮ ‬شمال العراق عن الحليف التركي،‮ ‬وخاصة عندما رفضت تركيا السماح للقوات الأمريكية باستخدام أراضيها لغزو العراق مما فرض على القيادة العسكرية الأمريكية تأخير البدء بالعمليات أياماً‮ ‬عدة لحين استكمال نقل القوات عبر قناة السويس وتحويلها إلى الخليج العربي،‮ ‬ويبدو أن شحنة الغضب التي‮ ‬انتابت جورج بوش الابن من التصرف التركي‮ ‬دفعته للتقليل من شأن تركيا في‮ ‬المعادلة الإقليمية بتصريحات متعجلة ومواقف لم تحظ بإجماع بين مراكز صنع القرار هناك،‮ ‬وكان بوش سيصبح محقاً‮ ‬في‮ ‬ذلك لو أن خططه جاءت كما تم رسمها في‮ ‬رئاسة الأركان الأمريكية ولكن الغزو جاء بنتائج عكسية أطاحت بآماله،‮ ‬كما أن الاعتقاد الفوري‮ ‬الذي‮ ‬سيطر على بعض القيادات السياسية والعسكرية الأمريكية باستبدال تركيا بأكراد العراق واتخاذ شمال العراق قواعد عسكرية بديلة عن قواعد تركيا،‮ ‬جعل واشنطن ترتكب الكثير من حماقات التأقلم مع الوضع الجديد ورفعت الزعامات الكردية من سقف طموحاتها مستندة على الإفرازات الأولية لحرب‮ ‬‭,‬2003‮ ‬وكانت تركيا تعرف جيداً‮ ‬أن قواعد أمريكية في‮ ‬شمال العراق لن تستطيع إدامة حياتها من دون موافقة تركية،‮ ‬مما فرض على واشنطن القيام بقراءة بطيئة لمواقفها المتعجلة من تركيا وهذا ما عزز موقف تركيا في‮ ‬منظومة التحالف الغربي‮ ‬أكثر من ذي‮ ‬قبل‮.‬

 

هل‮ ‬يوازن الدور التركي‮ ‬المشروع الإيراني؟ تركيا لا ترغب أن تبدو وكأنها تعمل مقاولاً‮ ‬ثانوياً‮ ‬لمقاول كبير اعتداداً‮ ‬منها بنفسها من جهة ولأنها تريد تأكيد تصالحها مع تاريخها العثماني‮ ‬الذي‮ ‬يحمل وهجاً‮ ‬وألقاً‮ ‬افتقدته لعقود عدة بين انقلابات عسكرية عبثية وأزمات سياسية خانقة،‮ ‬كما أنها،‮ ‬إن بدت سعيدة بتأدية هذا الدور،‮ ‬فإنها لن تجد قبولاً‮ ‬لدى إيران،‮ ‬فتركيا لم تشأ دخول ساحة الشرق الأوسط من منطلق التنافس أو الصراع،‮ ‬بل أرادت أن‮ ‬يكون ذلك من منطلق التواصل والتكامل بين دول المنطقة،‮ ‬ولكنها ستستغل انشغال إيران بسباق تسلح محموم لتقيم هي‮ ‬لنفسها ركائز اقتصادية تنقلها إلى مجموعة الدول ذات الاقتصادات الأكبر في‮ ‬العالم،‮ ‬وكي‮ ‬لا تثير ردود فعل لدى الاحتياطي‮ ‬الإيراني‮ ‬المحلي‮ ‬المنتشر في‮ ‬كثير من دول المنطقة وتقطع على إيران فرصتها برفض الدور التركي‮ ‬بذلت أنقرة جهوداً‮ ‬حثيثة لتلعب دور العراب الإقليمي‮ ‬لحل مشكلة الملف النووي‮ ‬الإيراني‮ ‬بالتعاون مع البرازيل،‮ ‬غير أن مسعاها هذا وإن اصطدم بعقبة الرفض الغربي‮ ‬إلا أنه حقق لتركيا ما كانت تريده من إبراز دورها الجديد كحمامة سلام مجهزة بمخالب دبلوماسية ديناميكية وقوية ومنقار أطلسي‮ ‬وأجنحة كبيرة توفر لها المظلة المطلوبة من دون حاجة إلى إنفاق عسكري‮ ‬على سلاح قد لا‮ ‬يستخدم أبداً‮ ‬منذ أن عرف الإنسان تأثيراته المدمرة في‮ ‬هيروشيما وناكازاكي،‮ ‬وتركيا كدولة محورية في‮ ‬المنطقة لا ترغب برؤية إيران نووية‮ ‬يمكن أن تبتز دول المنطقة وترسم الكثير من مساراتها السياسية وخاصة إذا كانت هذه الدولة مثل إيران تتصرف تصرف العصابات وتطالب بحقوق الدول ولا كوابح لانفعالاتها وردود فعلها ويمكن أن‮ ‬يقودها جموح القوة ونزعة الغضب الذي‮ ‬يتسم به زعماؤها إلى ارتكاب حماقة تجر المنطقة إلى معارك طاحنة،‮ ‬ومن‮ ‬يقلب صفحات الماضي‮ ‬بين الدولة العثمانية وبلاد فارس سيجدها مليئة بالتأزم والقلق والحروب لاسيما داخل الأراضي‮ ‬العراقية،‮ ‬لذلك فإن تركيا ستسعى إلى إقامة تحالف إقليمي‮ ‬يرتب وضعها بوجه نوايا التوسع الإيراني،‮ ‬وترتكز تركيا في‮ ‬هذا التوجه إلى أنها دولة مؤسسات لا تحمل مشروعاً‮ ‬يحمل أطماعاً‮ ‬بأرض أي‮ ‬من دول المنطقة ولا تحمل مشروعا استفزازياً‮ ‬من قبيل شعار تصدير الثورة الذي‮ ‬يرمز في‮ ‬أبسط تفسيراته إلى نية إيران إقامة إمبراطورية فارسية،‮ ‬على خلاف إيران التي‮ ‬احتلت الجزر العربية التابعة لدولة الإمارات العربية،‮ ‬وتجاهر بعائدية الكثير من الأراضي‮ ‬العربية في‮ ‬العراق والبحرين وتريد مد هيمنتها على المنطقة الشرقية في‮ ‬المملكة العربية السعودية‮.‬

 

كيف تنظر إيران إلى دور تركيا؟ تتعامل إيران مع الدور التركي‮ ‬المنافس القوي‮ ‬لها بقبول ظاهر وغضب مكبوت ورفض قاطع وتحاول وضع العصي‮ ‬في‮ ‬عجلته المنطلقة بسرعتها القصوى،‮ ‬ولكنها‮ ‬غير قادرة على تحويل ذلك الرفض إلى نهج سياسي‮ ‬سائد في‮ ‬العلاقات الثنائية والإقليمية،‮ ‬ولأن إيران لا تحتفظ بعلاقات جيدة مع معظم دول المنطقة باستثناء العراق ما بعد الاحتلال الأمريكي،‮ ‬فإنها لا تستطيع إقامة تحالف مضاد للنفوذ التركي‮ ‬المتزايد مما‮ ‬يدفعها إلى تعويض هذا النقص في‮ ‬العلاقات الدولية والإقليمية،‮ ‬بتصعيد عمليات الابتزاز التي‮ ‬تميزت بها خلال العقود الثلاثة الخيرة على نحو مثير،‮ ‬مثل استخدام المنظمات الإرهابية بما فيها التي‮ ‬لا تتطابق معها بشيء وتوظف نتائج عملها لانتزاع التنازلات من الدول الأخرى وخاصة الدول الكبرى التي‮ ‬لا تميل إلى توظيف أعمال المنظمات الإرهابية بصفة علنية كما تفعل إيران،‮ ‬وإن لم تأت النتائج كما تريد الزعامة الإيرانية فإنها لا تتورع عن الدخول على خط التنفيذ المباشر لعمليات من‮ ‬غير المعهود أن تقدم عليها الدول بنفسها،‮ ‬وسجل إيران في‮ ‬هذا النوع من السلوك منذ شباط‮ ‬1979‮ ‬وحتى اليوم لا‮ ‬يعد ولا‮ ‬يحصى،‮ ‬ولعل أكثرها مرارة في‮ ‬حلق الولايات المتحدة احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في‮ ‬سفارة بلادهم في‮ ‬طهران على أيدي‮ ‬التشكيلات الأولى من الحرس الثوري‮ ‬الإيراني‮ ‬والقريبة جداً‮ ‬من أية الله الخميني‮ ‬ولم‮ ‬يطلق سراحهم إلا بعد صفقة مذلة لكبرياء أمريكا وبعد‮ ‬444‮ ‬ يوماً‮ ‬من الاعتقال على الرغم من حملهم الصفة الدبلوماسية،‮ ‬ومع ذلك تكررت العمليات التي‮ ‬قدمت فيها واشنطن تنازلات جدية لطهران مقابل المحافظة على أرواح مواطنين أمريكيين تم اختطافهم من أماكن مختلفة،‮ ‬وتأسيساً‮ ‬على هذه الرؤية فإن إيران لن تجرؤ على التصدي‮ ‬لخطة التوازن التركي‮ ‬الإقليمية،‮ ‬ولذا فإنها ستسخر ما لديها من احتياطي‮ ‬خفي‮ ‬ليتحرك نيابة عنها عند الضرورة ويمنع تركيا من تحقيق خطوات عملية في‮ ‬مسعاها هذا‮.‬ وهنا قد‮ ‬يقع الصدام بين البلدين مرة أخرى،‮ ‬وحينذاك لابد من طرح تساؤل ملح وهو أيهما‮ ‬يمتلك أدوات أكثر تأثيراً‮ ‬لإنجاز خططه؟‮ ‬

 

هل على العرب انتظار الآخرين؟ ربما‮ ‬يحتل الوطن العربي‮ ‬المرتبة الثانية من حيث المساحة بعد الاتحاد السوفيتي‮ ‬السابق،‮ ‬وإن كان موقعه الجغرافي‮ ‬يشغل أهمية استراتيجية نادرة على مستوى الكرة الأرضية لا‮ ‬يضاهيه إقليم آخر في‮ ‬العالم لتوزع أراضيه على قارتين تربطان خطوط المواصلات الدولية وكذلك وقوع أهم الممرات البحرية فيه،‮ ‬وامتلاكه لثروات طبيعية طائلة ومتنوعة،‮ ‬ووجود ثقل سكاني‮ ‬مهم فيه مما‮ ‬يعطيه فرصة الاستفادة من العقول العربية في‮ ‬بناء صرح نهضته الاقتصادية والعلمية،‮ ‬وعلى الرغم من أن جامعة الدول العربية تأسست منذ عام‮ ‬1945‮ ‬ إلا أنها بقيت قاصرة عن الارتقاء بمستوى العمل العربي‮ ‬المشترك إلى مديات متقدمة،‮ ‬وبقي‮ ‬ميثاقها وكذلك معاهدة الدفاع العربي‮ ‬المشترك واتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية والسوق العربية المشتركة حبراً‮ ‬على ورق،‮ ‬لأن العمل المشترك كان‮ ‬يصطدم على الدوام بسلبيات العلاقات الثنائية وما تفرزه من عرقلة منعت العرب من أن‮ ‬يتحولوا إلى كتلة اقتصادية مؤثرة في‮ ‬المجتمع الدولي،‮ ‬ويبدو أن التباين في‮ ‬النظم السياسية والاجتماعية بين الدول العربية هو الذي‮ ‬كان‮ ‬يقف بطريق التنسيق العربي‮ ‬وحال في‮ ‬عدم القدرة على تحقيق تقدم في‮ ‬العمل المشترك،‮ ‬ومن هنا برزت الحاجة إلى البحث عن أوعية أخرى تضم مجموعات عربية تتقارب جغرافياً‮ ‬وبمستوى المعيشة،‮ ‬فبرز مجلس التعاون الخليجي‮ ‬عام‮ ‬1981‮ ‬ومن بعده ظهر مجلسان للتعاون الأول المغاربي‮ ‬والذي‮ ‬ما زال‮ ‬يعاني‮ ‬من أزمات العلاقة الثنائية بين المغرب والجزائر،‮ ‬والثاني‮ ‬وهو مجلس التعاون العربي‮ ‬الذي‮ ‬خرج من الساحة عام‮ ‬‭,‬1990‮ ‬ويمكن النظر إلى هذه المجالس على أنها سد للثغرات التي‮ ‬تعاني‮ ‬منها الجامعة العربية وليس بديلاً‮ ‬عنها،‮ ‬وقد‮ ‬يذهب بعضهم إلى النظر إليها ببعض الريبة مفسراً‮ ‬المشهد بأنه إحياء لسياسة المحاور،‮ ‬ويظهر الاستعجال على وجهة النظر هذه،‮ ‬لأن الدول القادرة على التنسيق لا‮ ‬ينبغي‮ ‬لها الانتظار إلى ما لا نهاية كي‮ ‬تحصل القناعة العربية الجماعية بعمل عربي‮ ‬مشترك‮.‬

 

لماذا لا‮ ‬يقيم العرب منظومة أمنية؟ لعل الخطوات التي‮ ‬أقدم عليها مجلس التعاون الخليجي‮ ‬بتقديم العون المالي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬لعمان أخيرا والعون العسكري‮ ‬للبحرين لمواجهة الخطر الإيراني‮ ‬المستفحل والذي‮ ‬وظف جهداً‮ ‬داخلياً‮ ‬يفتقر إلى الرؤية الواعية،‮ ‬ما‮ ‬يبعث برسالة لا تصعب قراءة سطورها بأن هذا المجلس‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتصدى لمسؤوليات عربية كبيرة شرط تقوية بنيته الدفاعية وجعلها بمستوى التحديات التي‮ ‬تواجه المنطقة،‮ ‬وحينها سيكون ممكناً‮ ‬افتراض تعاون متكافئ مع الدور التركي‮ ‬الجديد من دون أن‮ ‬يحل محل العرب في‮ ‬تبني‮ ‬قضاياهم،‮ ‬فلا‮ ‬يشك أحد بأن أية دولة في‮ ‬العالم لابد أن تضع مصالحها الخاصة فوق مصالح الآخرين بما فيهم أقرب حلفائها،‮ ‬ولا بد أن تحكم سلوكها بحدود ما تعتقده‮ ‬غير ضار بمصالحها الحيوية مع الأطراف الدولية الأخرى،‮ ‬فلا توجد دولة في‮ ‬العالم على استعداد للتفريط بعلاقاتها ومصالحها الإقليمية والدولية من أجل الآخرين‮.‬ ربما‮ ‬يصب الدور التركي‮ ‬واستناداً‮ ‬إلى التباين بالمصالح مع إيران في‮ ‬مصلحة العرب مرحلياً،‮ ‬ويمكن توظيف هذه الخاصية بما‮ ‬يخدم التوازن الاستراتيجي‮ ‬في‮ ‬المنطقة،‮ ‬غير أن الاعتماد على دركي‮ ‬خارجي‮ ‬لحماية الأمن العربي‮ ‬كلاً‮ ‬أو جزءاً‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يتحقق إلا عبر جهد عربي‮ ‬جماعي‮ ‬وطالما كان من العسير في‮ ‬الأفق المنظور تحقيق ذلك على مستوى الوطن العربي،‮ ‬فإن نهوض التكتلات العربية الإقليمية بهذه المهمة‮ ‬يعد خطوة لازمة لصيانة الأمن الوطني‮ ‬القومي‮ ‬العربي،‮ ‬شرط عدم التعارض مع ميثاق جامعة الدول العربي‮ ‬والمعاهدات والاتفاقيات العربية الجماعية التي‮ ‬تمت المصادقة عليها من طرف الدول العربية في‮ ‬نطاق الجامعة العربية‮.‬

 

 





الثلاثاء٢٥ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة