أكد المفكر والمحلل السياسي العراقي نزار السامرائي أن تركيا كدولة محورية في المنطقة لا ترغب برؤية إيران نووية يمكن أن تبتز دول المنطقة وترسم الكثير من مساراتها السياسية وخاصة إذا كانت هذه الدولة مثل إيران تتصرف تصرف العصابات وتطالب بحقوق الدول ولا كوابح لانفعالاتها وردود فعلها ويمكن أن يقودها جموح القوة ونزعة الغضب الذي يتسم به زعماؤها إلى ارتكاب حماقة تجر المنطقة إلى معارك طاحنة، مشيراً إلى أن من يقلب صفحات الماضي بين الدولة العثمانية وبلاد فارس سيجدها مليئة بالتأزم والقلق والحروب لاسيما داخل الأراضي العراقية، لذلك فإن تركيا ستسعى إلى إقامة تحالف إقليمي يرتب وضعها بوجه نوايا التوسع الإيراني، موضحاً أن الدور التركي واستناداً إلى التباين بالمصالح مع إيران ربما يصب في مصلحة العرب مرحلياً، ويمكن توظيف هذه الخاصية بما يخدم التوازن الاستراتيجي في المنطقة. جاء ذلك في قراءة للمحلل السياسي العراقي نزار السامرائي حول؟ ''الدور التركي في المنطقة لمصلحة من؟''، حيث قال إن؟ تركيا تراهن على نسيان العرب لحقبة الظلام العثمانية، ونسيانها هي لما تعده خيانة عربية للرابطة الإسلامية عندما اصطف بعضهم مع الانكليز في شن الحرب على الأتراك فيما سمي بالثورة العربية الكبرى عام .1916
وأضاف نزار السامرائي؟ بأن؟ تركيا وجدت في دورها الجديد تعويضاً عن تطلعها نحو أوروبا بعد أن حال إسلامها عن قبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنها وفرت معظم الشروط السياسية والاقتصادية للعضوية أكثر بكثير مما وفرته الدول المنسلخة عن الاتحاد السوفيتي والتي كانت أعضاء في حلف وارسو وهو الحلف الذي أقامه الاتحاد السوفيتي لمواجهة حلف الناتو مع أن تركيا كانت أصلاً من الدول المؤسسة لحلف الناتو إلا أن ذلك لم يشفع لها لقبولها في أوروبا المسيحية على حين فتحت أبواب القارة القديمة لدول كانت محسوبة على حلف معاد لها لأن الأخيرة لا تصطدم بحاجز الدين المانع عن قبول غير الدول المسيحية في عضوية الاتحاد الأوربي الذي حرص بابا الفاتيكان على تذكير زعماء أوربا بضرورة الحفاظ على مسيحية قارتهم. وفيما يلي نص القراءة التي كتبها المحلل السياسي العراقي نزار السامرائي؟:؟
يذهب بعض مراقبي تطور الأحداث في هذا الجزء المهم من العالم، وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وتدمير قوته السياسية والعسكرية، إلى تقديم فرضية أن الدول الكبيرة في هذه المنطقة مثل تركيا ومصر وإيران والمملكة العربية السعودية، أو كما كان العراق قبل الاحتلال تتحرك على أساس ردود الفعل المتعجلة على مواقف أمريكية إما في جانبها العدائي أو في ما تفرزه من علاقات صداقة بصفة خاصة، فتتصرف بما يؤدي في النهاية إلى جعل المصالح الاستراتيجية الكونية الأمريكية فوق مصالح الدول الأخرى بصرف النظر عن درجة التقاطع والتصادم بين المشاريع المطروحة، غير أن الوقائع تشير إلى أن أكثر الدول الصغيرة تبعية للدول الكبرى، لها مصالحها الخاصة ولها حدودها التي تتوقف عندها عن الانسياق وراء إملاءات الآخرين عليها، وبالتالي تحكم سلوكها السياسي على مدى التطابق في المصالح وحتى في النوايا قبل اتخاذ أية خطوة عملية يمكن أن تنعكس سلباً على علاقاتها الإقليمية، استناداً إلى حقيقة راسخة هي أن دول المنطقة باقية في مواقعها ومحكوم عليها بترصين علاقات حسن الجوار استناداً إلى مجموعة من المبادئ الخاصة بعدم التدخل بالاختيارات والشؤون الداخلية والمنافع المتبادلة والمصالح المشتركة على أساس ثابت من التكافؤ.
ترك احتلال العراق اختلالاً حاداً على موازين القوى في المنطقة، وخاصة بعد أن سعت إيران لاستغلال الظرف الناشئ عن خروجه من معادلة التوازن الإقليمي من أجل إقامة رؤوس جسر لها في منطقة الخليج والجزيرة العربية، تمثل في دعم عسكري مباشر للحوثيين في اليمن ورفع الصوت بشأن ما كانت تسميه بمظلومية الشيعة في شرق المملكة العربية السعودية، وربما كان الأمر مع البحرين أكثر خطورة من الدعاوى كلها التي كانت إيران قد أطلقتها كبالونات اختبار لردود الفعل العربية تجاهها، ويبدو أن المأزق الذي دخلته القوات الأمريكية في العراق نتيجة عمليات المقاومة المسلحة التي واجهتها لجم كثيراً من المرونة الميدانية التي كانت تتمتع بها أو كان مفترضاً أن تتمتع بها لمواصلة قوة الدفع لمشروعها في الشرق الأوسط الكبير، وتمكنت إيران من توظيف نتائج فعل المقاومة المسلحة التي كانت في واقع الحال تناصبها العداء وتطلق عليها صفات البعثية القريبة من إرث الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي خاض حرباً طاحنة ضدها وأرغمها في نهاية المطاف على الاستسلام، أو السلفية المعادية للتشيع، وبالتالي ناصبتها العداء بكل ما تملك من قوة، ولكن واحدة من مفارقات الحرب والاحتلال أن نتائج فعل المقاومة تم تجيير الجزء الأكبر منها لصالح إيران التي كانت على وفق ما تطرحه الدوائر السياسية الأمريكية على وشك أن تشهد سيناريو مماثلاً لما حصل في العراق، ويمكن على هذا افتراض أن القوات الأمريكية أصبحت مع الوقت ومع دخول فيلق القدس الإيراني بقوة إلى الساحة العراقية، رهينة بيد الزعامة الإيرانية التي أجادت التلاعب بأعصاب الأمريكيين وخاصة بعد أن دخلت مليشيات مرتبطة بها مباشرة على خط تنفيذ العمليات ضد القوات الأمريكية في رسائل متزامنة مع أحداث كانت تقتضي تذكير الأمريكان بأنهم على مرمى البندقية الإيرانية العادية والتي تستهدفهم كلما أمرت طهران بذلك لحسابات سياسية إيرانية ترتبط بمجموعة الملفات المختلف عليها بين إيران والعالم.
وجراء التورط الأمريكي في العراق بات لازما البحث عن قوة لها قدرة التأثير في مسار الأحداث وتقليص فائض المكاسب الإيرانية وموازنة الدور الإيراني المتصاعد، وفي الوقت نفسه تكون مقبولة من دول المنطقة وشعوبها خصوصاً، ويمكن افتراض حصول توافق في الاستراتيجية التركية في عهدها الجديد مع الرغبة الأمريكية في أن تلعب أنقرة دور عصا التوازن في أكثر مناطق العالم قلقاً، لكن هذا الدور كان محكوماً بجملة من التعقيدات بين تركيا وإسرائيل منذ حصول المواجهة بين السيد رجب طيب أردوغان وشمعون بيرس في مؤتمر دافوس، ومن بعده الإهانة التي تلقاها السفير التركي في وزارة الخارجية الإسرائيلية حينما أجلس في مكان منخفض مما لم يعرف من أساليب العمل الدبلوماسي بين الدول، ثم وصل الأمر ذروة التصعيد في حادث سفينة مرمرة الذي سقط فيها ضحايا أتراك كانوا يسعون للوصول إلى غزة لإعلان التضامن العالمي معها في الحصار الإسرائيلي المفروض عليها، وأدخل هذا الحادث العلاقات التركية الإسرائيلية نفقاً طويلاً، وجدت الولايات المتحدة نفسها في أصعب ظرف يمر على علاقات حليفين قويين لها، كانت تريد لعلاقاتهما أن تبقى بمستوى قوة علاقات كل منهما مع واشنطن، وخاصة بعد التحولات الدراماتيكية التي شهدتها مصر وأزاحت حليفاً آخر للولايات المتحدة وصديقاً أميناً لإسرائيل، وجاءت بحكم لم تتضح معالمه حتى الآن ولم تتبين نواياه بشأن العلاقة مع إسرائيل خاصة، مما يعني ارتفاعاً بمكانة تركيا في الاستراتيجية الأمريكية وتعليق الكثير من الآمال عليها في أخذ دورها كاملاً في معادلة الشرق الأوسط، وجزءاً كبيراً من دور مصر القديم، ومن هنا يمكن أن نجد تفسيراً مناسباً ومقبولاً لتصريحات الكثير من المسؤولين الأمريكان عن حرصهم الشديد على عودة المياه إلى مجاريها بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما يفسر التسريبات الصحفية التي أشارت إلى أن إسرائيل باتت على وشك أن تقبل فكرة تقديم اعتذار رسمي لتركيا عن حادثة سفينة مرمرة وتقديم التعويضات لأسر الضحايا، فالولايات المتحدة لا تريد لإسرائيل أن تشعر بقلق مشروع أو غير مشروع من صعود الدور الإقليمي التركي، وخاصة إذا ما أدى هذا الدور إلى ملاحقة المشروع السياسي الإيراني التوسعي على مستوى الدول العربية والإسلامية تحت لافتة تصدير الثورة ونشر نظرية ولاية الفقيه والذي وجد نفسه طليق اليدين والساقين للمضي بأقصى سرعة بعد خروج العراق من خط الصد الأول بوجه الزحف الإيراني طويل الأمد والعريض الأحلام. وجدت تركيا في دورها الجديد تعويضاً عن تطلعها نحو أوربا بعد أن حال إسلامها عن قبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنها وفرت معظم الشروط السياسية والاقتصادية للعضوية أكثر بكثير مما وفرته الدول المنسلخة عن الاتحاد السوفيتي والتي كانت أعضاء في حلف وارشو وهو الحلف الذي أقامه الاتحاد السوفيتي لمواجهة حلف الناتو مع أن تركيا كانت أصلا من الدول المؤسسة لحلف الناتو إلا أن ذلك لم يشفع لها لقبولها في أوربا المسيحية على حين فتحت أبواب القارة القديمة لدول كانت محسوبة على حلف معاد لها لأن الأخيرة لا تصطدم بحاجز الدين المانع عن قبول غير الدول المسيحية في عضوية الاتحاد الأوربي الذي حرص بابا الفاتيكان على تذكير زعماء أوربا بضرورة الحفاظ على مسيحية قارتهم.
ماذا لو استيقظت الأحلام الإمبراطورية؟ يرى باحثون متخصصون في الشأن التركي، أن تركيا أردوغان سعيدة جداً بما قدمته من تضحيات في حادثة سفينة مرمرة، لأن الدماء التركية التي سالت في تلك الحادثة صارت نذوراً لتقديم تركيا في صورتها الجدية للوطن العربي وارتباطها بالقضية الفلسطينية، بصفتها قوة مضافة إلى رصيدهم في مواجهة الأخطار التي تحدق بهم، وخاصة ما يتصل بحقوق الشعب الفلسطيني حتى بدت تركيا وكأنها تُطّلِقْ قرناً من الزمان كانت تنظر فيه أنقرة بريبة إلى العرب وتحملهم جزءاً من أسباب سقوط الدولة العثمانية، وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية يحرص على التحرك بحذر في حقل صعب العبور لألغام علمانية موروثة من العهد الأتاتوركي ولا يريد إعلان الطلاق مع العلمانية، إلا أن أردوغان كان أكثر صراحة حينما قال في مناظرته الشهيرة مع شمعون بيرس إنه ينتمي بفخر إلى الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف، وعلى هذا فإن دور تركيا الجديد يمكن أن يعطي دعماً قوياً لتوجهات أردوغان في بناء دولته الجديدة بقلب تركي وعقل إسلامي وجيب غربي، ومع كل خطوة نجاح تقطعها تركيا في هذه التوليفة الناجحة، فإنها تستطيع الانتقال من دولة من العالم الثالث إلى دولة صناعية معتمدة على استثماراتها التي ستجد قبولاً وربما إلحاحاً من الدول العربية الغنية بمواردها وبالمقابل سترى أن الكثير من حلقاتها الاقتصادية غير المستغلة ستجد أموالا عربية تتدفق عليها بحثاً عن توظيفات مضمونة وبعيدة عن قرارات التجميد التي تطبع سلوك الاقتصادات الأوربية والأمريكية حالياً، وبعد ذلك فإن المنتجات التركية الزراعية والصناعية ستجد لها أسواقاً عربية مفتوحة ترحب بها من دون قيود مما يعني أن مرحلة نمو سريع وبوتائرعالية سيشهدها الاقتصاد التركي، ويبدو أن تركيا تراهن على نسيان العرب لحقبة الظلام العثمانية، ونسيانها هي لما تعده خيانة عربية للرابطة الإسلامية عندما اصطف بعضهم مع الانكليز في شن الحرب على الأتراك فيما سمي بالثورة العربية الكبرى عام ,1916 على الرغم من أن الكثير من الملفات النائمة بين الطرفين مازالت بها حاجة إلى حلول واقعية لإزالة مخلفات الماضي كلها.
تركيا مترجم مشاعر بين عالمين تصورت الولايات المتحدة أنها قادرة على إيجاد بديل في شمال العراق عن الحليف التركي، وخاصة عندما رفضت تركيا السماح للقوات الأمريكية باستخدام أراضيها لغزو العراق مما فرض على القيادة العسكرية الأمريكية تأخير البدء بالعمليات أياماً عدة لحين استكمال نقل القوات عبر قناة السويس وتحويلها إلى الخليج العربي، ويبدو أن شحنة الغضب التي انتابت جورج بوش الابن من التصرف التركي دفعته للتقليل من شأن تركيا في المعادلة الإقليمية بتصريحات متعجلة ومواقف لم تحظ بإجماع بين مراكز صنع القرار هناك، وكان بوش سيصبح محقاً في ذلك لو أن خططه جاءت كما تم رسمها في رئاسة الأركان الأمريكية ولكن الغزو جاء بنتائج عكسية أطاحت بآماله، كما أن الاعتقاد الفوري الذي سيطر على بعض القيادات السياسية والعسكرية الأمريكية باستبدال تركيا بأكراد العراق واتخاذ شمال العراق قواعد عسكرية بديلة عن قواعد تركيا، جعل واشنطن ترتكب الكثير من حماقات التأقلم مع الوضع الجديد ورفعت الزعامات الكردية من سقف طموحاتها مستندة على الإفرازات الأولية لحرب ,2003 وكانت تركيا تعرف جيداً أن قواعد أمريكية في شمال العراق لن تستطيع إدامة حياتها من دون موافقة تركية، مما فرض على واشنطن القيام بقراءة بطيئة لمواقفها المتعجلة من تركيا وهذا ما عزز موقف تركيا في منظومة التحالف الغربي أكثر من ذي قبل.
هل يوازن الدور التركي المشروع الإيراني؟ تركيا لا ترغب أن تبدو وكأنها تعمل مقاولاً ثانوياً لمقاول كبير اعتداداً منها بنفسها من جهة ولأنها تريد تأكيد تصالحها مع تاريخها العثماني الذي يحمل وهجاً وألقاً افتقدته لعقود عدة بين انقلابات عسكرية عبثية وأزمات سياسية خانقة، كما أنها، إن بدت سعيدة بتأدية هذا الدور، فإنها لن تجد قبولاً لدى إيران، فتركيا لم تشأ دخول ساحة الشرق الأوسط من منطلق التنافس أو الصراع، بل أرادت أن يكون ذلك من منطلق التواصل والتكامل بين دول المنطقة، ولكنها ستستغل انشغال إيران بسباق تسلح محموم لتقيم هي لنفسها ركائز اقتصادية تنقلها إلى مجموعة الدول ذات الاقتصادات الأكبر في العالم، وكي لا تثير ردود فعل لدى الاحتياطي الإيراني المحلي المنتشر في كثير من دول المنطقة وتقطع على إيران فرصتها برفض الدور التركي بذلت أنقرة جهوداً حثيثة لتلعب دور العراب الإقليمي لحل مشكلة الملف النووي الإيراني بالتعاون مع البرازيل، غير أن مسعاها هذا وإن اصطدم بعقبة الرفض الغربي إلا أنه حقق لتركيا ما كانت تريده من إبراز دورها الجديد كحمامة سلام مجهزة بمخالب دبلوماسية ديناميكية وقوية ومنقار أطلسي وأجنحة كبيرة توفر لها المظلة المطلوبة من دون حاجة إلى إنفاق عسكري على سلاح قد لا يستخدم أبداً منذ أن عرف الإنسان تأثيراته المدمرة في هيروشيما وناكازاكي، وتركيا كدولة محورية في المنطقة لا ترغب برؤية إيران نووية يمكن أن تبتز دول المنطقة وترسم الكثير من مساراتها السياسية وخاصة إذا كانت هذه الدولة مثل إيران تتصرف تصرف العصابات وتطالب بحقوق الدول ولا كوابح لانفعالاتها وردود فعلها ويمكن أن يقودها جموح القوة ونزعة الغضب الذي يتسم به زعماؤها إلى ارتكاب حماقة تجر المنطقة إلى معارك طاحنة، ومن يقلب صفحات الماضي بين الدولة العثمانية وبلاد فارس سيجدها مليئة بالتأزم والقلق والحروب لاسيما داخل الأراضي العراقية، لذلك فإن تركيا ستسعى إلى إقامة تحالف إقليمي يرتب وضعها بوجه نوايا التوسع الإيراني، وترتكز تركيا في هذا التوجه إلى أنها دولة مؤسسات لا تحمل مشروعاً يحمل أطماعاً بأرض أي من دول المنطقة ولا تحمل مشروعا استفزازياً من قبيل شعار تصدير الثورة الذي يرمز في أبسط تفسيراته إلى نية إيران إقامة إمبراطورية فارسية، على خلاف إيران التي احتلت الجزر العربية التابعة لدولة الإمارات العربية، وتجاهر بعائدية الكثير من الأراضي العربية في العراق والبحرين وتريد مد هيمنتها على المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.
كيف تنظر إيران إلى دور تركيا؟ تتعامل إيران مع الدور التركي المنافس القوي لها بقبول ظاهر وغضب مكبوت ورفض قاطع وتحاول وضع العصي في عجلته المنطلقة بسرعتها القصوى، ولكنها غير قادرة على تحويل ذلك الرفض إلى نهج سياسي سائد في العلاقات الثنائية والإقليمية، ولأن إيران لا تحتفظ بعلاقات جيدة مع معظم دول المنطقة باستثناء العراق ما بعد الاحتلال الأمريكي، فإنها لا تستطيع إقامة تحالف مضاد للنفوذ التركي المتزايد مما يدفعها إلى تعويض هذا النقص في العلاقات الدولية والإقليمية، بتصعيد عمليات الابتزاز التي تميزت بها خلال العقود الثلاثة الخيرة على نحو مثير، مثل استخدام المنظمات الإرهابية بما فيها التي لا تتطابق معها بشيء وتوظف نتائج عملها لانتزاع التنازلات من الدول الأخرى وخاصة الدول الكبرى التي لا تميل إلى توظيف أعمال المنظمات الإرهابية بصفة علنية كما تفعل إيران، وإن لم تأت النتائج كما تريد الزعامة الإيرانية فإنها لا تتورع عن الدخول على خط التنفيذ المباشر لعمليات من غير المعهود أن تقدم عليها الدول بنفسها، وسجل إيران في هذا النوع من السلوك منذ شباط 1979 وحتى اليوم لا يعد ولا يحصى، ولعل أكثرها مرارة في حلق الولايات المتحدة احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في سفارة بلادهم في طهران على أيدي التشكيلات الأولى من الحرس الثوري الإيراني والقريبة جداً من أية الله الخميني ولم يطلق سراحهم إلا بعد صفقة مذلة لكبرياء أمريكا وبعد 444 يوماً من الاعتقال على الرغم من حملهم الصفة الدبلوماسية، ومع ذلك تكررت العمليات التي قدمت فيها واشنطن تنازلات جدية لطهران مقابل المحافظة على أرواح مواطنين أمريكيين تم اختطافهم من أماكن مختلفة، وتأسيساً على هذه الرؤية فإن إيران لن تجرؤ على التصدي لخطة التوازن التركي الإقليمية، ولذا فإنها ستسخر ما لديها من احتياطي خفي ليتحرك نيابة عنها عند الضرورة ويمنع تركيا من تحقيق خطوات عملية في مسعاها هذا. وهنا قد يقع الصدام بين البلدين مرة أخرى، وحينذاك لابد من طرح تساؤل ملح وهو أيهما يمتلك أدوات أكثر تأثيراً لإنجاز خططه؟
هل على العرب انتظار الآخرين؟ ربما يحتل الوطن العربي المرتبة الثانية من حيث المساحة بعد الاتحاد السوفيتي السابق، وإن كان موقعه الجغرافي يشغل أهمية استراتيجية نادرة على مستوى الكرة الأرضية لا يضاهيه إقليم آخر في العالم لتوزع أراضيه على قارتين تربطان خطوط المواصلات الدولية وكذلك وقوع أهم الممرات البحرية فيه، وامتلاكه لثروات طبيعية طائلة ومتنوعة، ووجود ثقل سكاني مهم فيه مما يعطيه فرصة الاستفادة من العقول العربية في بناء صرح نهضته الاقتصادية والعلمية، وعلى الرغم من أن جامعة الدول العربية تأسست منذ عام 1945 إلا أنها بقيت قاصرة عن الارتقاء بمستوى العمل العربي المشترك إلى مديات متقدمة، وبقي ميثاقها وكذلك معاهدة الدفاع العربي المشترك واتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية والسوق العربية المشتركة حبراً على ورق، لأن العمل المشترك كان يصطدم على الدوام بسلبيات العلاقات الثنائية وما تفرزه من عرقلة منعت العرب من أن يتحولوا إلى كتلة اقتصادية مؤثرة في المجتمع الدولي، ويبدو أن التباين في النظم السياسية والاجتماعية بين الدول العربية هو الذي كان يقف بطريق التنسيق العربي وحال في عدم القدرة على تحقيق تقدم في العمل المشترك، ومن هنا برزت الحاجة إلى البحث عن أوعية أخرى تضم مجموعات عربية تتقارب جغرافياً وبمستوى المعيشة، فبرز مجلس التعاون الخليجي عام 1981 ومن بعده ظهر مجلسان للتعاون الأول المغاربي والذي ما زال يعاني من أزمات العلاقة الثنائية بين المغرب والجزائر، والثاني وهو مجلس التعاون العربي الذي خرج من الساحة عام ,1990 ويمكن النظر إلى هذه المجالس على أنها سد للثغرات التي تعاني منها الجامعة العربية وليس بديلاً عنها، وقد يذهب بعضهم إلى النظر إليها ببعض الريبة مفسراً المشهد بأنه إحياء لسياسة المحاور، ويظهر الاستعجال على وجهة النظر هذه، لأن الدول القادرة على التنسيق لا ينبغي لها الانتظار إلى ما لا نهاية كي تحصل القناعة العربية الجماعية بعمل عربي مشترك.
لماذا لا يقيم العرب منظومة أمنية؟ لعل الخطوات التي أقدم عليها مجلس التعاون الخليجي بتقديم العون المالي والاقتصادي لعمان أخيرا والعون العسكري للبحرين لمواجهة الخطر الإيراني المستفحل والذي وظف جهداً داخلياً يفتقر إلى الرؤية الواعية، ما يبعث برسالة لا تصعب قراءة سطورها بأن هذا المجلس يمكن أن يتصدى لمسؤوليات عربية كبيرة شرط تقوية بنيته الدفاعية وجعلها بمستوى التحديات التي تواجه المنطقة، وحينها سيكون ممكناً افتراض تعاون متكافئ مع الدور التركي الجديد من دون أن يحل محل العرب في تبني قضاياهم، فلا يشك أحد بأن أية دولة في العالم لابد أن تضع مصالحها الخاصة فوق مصالح الآخرين بما فيهم أقرب حلفائها، ولا بد أن تحكم سلوكها بحدود ما تعتقده غير ضار بمصالحها الحيوية مع الأطراف الدولية الأخرى، فلا توجد دولة في العالم على استعداد للتفريط بعلاقاتها ومصالحها الإقليمية والدولية من أجل الآخرين. ربما يصب الدور التركي واستناداً إلى التباين بالمصالح مع إيران في مصلحة العرب مرحلياً، ويمكن توظيف هذه الخاصية بما يخدم التوازن الاستراتيجي في المنطقة، غير أن الاعتماد على دركي خارجي لحماية الأمن العربي كلاً أو جزءاً لا يمكن أن يتحقق إلا عبر جهد عربي جماعي وطالما كان من العسير في الأفق المنظور تحقيق ذلك على مستوى الوطن العربي، فإن نهوض التكتلات العربية الإقليمية بهذه المهمة يعد خطوة لازمة لصيانة الأمن الوطني القومي العربي، شرط عدم التعارض مع ميثاق جامعة الدول العربي والمعاهدات والاتفاقيات العربية الجماعية التي تمت المصادقة عليها من طرف الدول العربية في نطاق الجامعة العربية.