شبكة ذي قار
عـاجـل










16-إن أيةمحاولة لإعداء الجماهيرمن القوى الخارجية ومن الذيلين لهذه القوى في الداخل للخلط بين ظاهرة الاحتجاجات والانتفاضات و بين الثورات الحقيقية يدخل في سياق القراءات المخطوئة للفعل الجماهيري,سواء كان الدافع من وراء ذلك التشويه أو إلاساءة للفعل الحقيقي للثورات ومن خلال إستغلال السلبيات التي ترافق الانتفاضةو التي قد تعطي إشارات واقعية للجماهير بأن الثورات سوف تؤدي الى خسارتها لكثير من الامتيازات وهي بذلك وبشكل غير مباشر تكون قد خطت نحو حماية انظمة بائدة يستفيد منها أعداء الشعوب ,وفي بعض الاحيان يتعدى الامر كونه إساءة الى جعله عملية خلط متعمدة ومقصودة لحقيقة الثورات بل الهدف منه الحصول على منتجات مخالفة للمواصفات الثورية فتكون خدمة كبيرة تُقدم لاعداء الثورة, وقد يكون جزءاً من محاولات أعداء الثورة لاحتواء الزخم القوي الناتج من الغضب الجماهري والذي يكون بالاساس لاحداث تغيراً شاملاً في البنى السياسية للانظمة المرفوضة جماهيرياً والتي بالنتيجة قد ينتج نظاماً يكون حائلاً امام الاطماع الاجنبية. وقد يكون الامر أيظاً جزءاً من جهل أو نقص بالمعرفة الحقيقية لطبيعة وأهداف الثورات في العالم..والمعنى الاخرللانتفاضة ليس كل محاولة مسلحة أوسلمية لرفض النظام وينتج عنها رحيل النظام يمكن أن تكون ثورة, وكما سبق ان قلنا أن غياب الافق الستراتيجي لما بعد سقوط النظام لايخرج هذا التغير من نطاق الانتفاضة ,أي أن كل القوى المنتفضة قد تلتقي على هدف إسقاط النظام مع غياب لتصور واضح ومحدد للمرحلة التي تلي سقوط النظام,وهذا يعني غياب اي مشروع وطني قادر أن يديم فعل التغير في شموليته لكل نواحي الحياة وايظاً في نفس الوقت له القدرة الثورية الكافية ليطور هذه الانتفاضة الى ثورة مستمرة تنجح في إستقطاب المساحة الاكبر من الوسط الجماهيري وذلك عندما يرتفع ويتسع سقف اهدافها ليظم طموحات وأهداف كل الجماهير,أي أن الثورة الحقيقية لاتنحصر في تغير جذري للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي بل هو الكيفية المقتدرة على أستمرار هذه التغيرات وتطويرها لصالح الجماهير وهذا بالضروة يتطلب وجود نخبة أو طليعة قادرة أن تديم ثورة الجماهير وبنفس الوقت تبرمج خطوات الثورة نحو تحقيق أهداف الجماهير الثائرة وايظا وبشكل متوازٍ توظف الزخم والدفع الجماهيري توظيفاً صحيحاً وعلمياً للاندفاع بها نحو تحقيق كل الغايات الحقيقية للثورة وتأمين طريقها..


إن نماذج الثورات الحقيقة في عالمنا المعاصر كثيرة,فالتغير الجذري السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي حصل في فرنسا بين 1789-1799والذي عُرف هذا الحدث التأريخي الكبير بالثورة الفرنسية,والذي كان له تاثيراً كبيراً في العالم, والذي حدثَ في الوقت الذي كانت أُوروبا تعاني من انواع الاستبداد في أنظمة الحكم وسيطرة بعض المفاهيم المتخلفة والى جانب ما كانت تشهده أنذاك أوروبا من مخاضات فكرية فلسفية أو علمية وحتى دينية, فقد كان هذا الحدث الكبير بثابة إنفراجاً ومرحلة تحول تأريخي في حياة الفرنسين والاوروبين بشكل عام,لم يكن هذا الحدث بمقاسات الثورة الحقيقية فهو اقرب ما يكون لانقلاب سياسي وإنتفاضةجماهيرية عارمة وبدليل انها لم تستمر على مبأدئ إنطلاقتها,فقد مرت وخلال العشر سنوات من عمرها بثلاث مراحل تقلبت فيها أهدافها وبرامجها بشكل كبير وأنتهت بمرحلتها الثالثة والتي أمتدت بين اعوام 1794-1799و فيها تراجع التيار الثوري وسجل عودة للبراجوازية والتي سيطرت على الحكم ووضعت دستوراً جديداً وتحالفت فيه مع الجيش وهذا الامر شجع نابليون بونابرت الضابط في الجيش الفرنسي للقيام بإنقلاب عسكري ووضع حد لاي إتجاهات ثوريةومن ثم اقام نظاماً ديكتاتورياً توسعياً عدوانياً في أُوروبا.فقد يكون الفعل الذي قامت به الجماهير الفرنسية الكادحة في 14 تموز 1789 يحمل طابع الثورة إلا أنه كان ينقصه طليعة ثورية تؤمن إستمرارية الثورة والتغيرات الجذرية التي حصلت في يوم الثورة وكذلك تطور الفعل الجماهيري الثوري اللذي سيمنع قوى الردة من إجهاض الثورة وكما فعل نابليون بونبرت بإنقلابه العسكري,فهي قد تكون ثورة جماهيرية ولكنها ثورة ناقصة لعدم وجود قيادة ثورية لها(الطليعة الثورية) .وهنالك ناحية مهمة في ثورة الجماهير الفرنسية هي إنها جاءت بعد مرحلة تثقيفية وتنويرية سياسية وإجتماعية وإقتصادية قادها مفكرون وفلاسفة من أمثال فولتير وجان جاك روسو وإيمانويل كنت و مونتيسكيو مهدوا لمرحلة التغيرات التي حدثت في وبعد الثورة الفرنسية,اي بمعنى إن الثورة الفرنسية لم تكن نتيجة فراغ فكري أو نظري ولم يكن منطلقها من مستوى لا يعرف منطقات الثورة والتغير كمفاهيم في الديمقراطية وحقوق الانسان والعلمانية وهذه ناحية جداً مهمة في الثورة لان أي تغيراً مهما كان يحمل من راديكالية في التغير ومهما كان شاملاً في أهدافه الجماهيرية ولكنه لا ينبع من مرحلة تثقيفية وتوعية تتحصن بها الجماهيرلينبلج منهاقوة ثوية تقودها(طليعة ثورية) لا يمكن أن تكون أيظأً ثورة حقيقية كاملة.وبعكسه سوف لاتتعدى كونها إنتفاضة تنتهي بتحقيق أهداف منقوصة أو يمكن أن تلتف حوله قوى معادية وتسرق الثورة وتتحول صورة الثورة الجماهيرية الى فورة تنتهي بزمن يتحدد بفقدانها لزخمها ولاهدافها وتبقى في التاريخ ثورة شعارات.


الثورة البلشفية ضد القياصرة في أكتوبر 1917كانت تهدف لتغير أسس نظام الحكم ومن ثم تغير بنيته جذرياً وقد سبق يوم الثورة إتفاق كل القوى المشاركة على أهداف التغير وستراتيجية الثورة وشكل النظام الثوري الذي سيقيمه الثوار بعد تحقق الثورة, وبالرغم من حصول بعض الانشقاقات بين فصائل الثورةولكنها لم تؤثر على منهج الثورة الحقيقية ولا على أهدافها,لسبب بسيط أن كل الثوار لديهم صورة واضحة لطبيعة النظام الذي تهدف الثورة لاقامته ونهجه في إحداث التحولات المطلوبة لاقامة نظام اشتراكي وأيظاً لكل التغيرات المطلوب تحقيقها في المجتمع الروسي وخاصة بعد ان استفاد الثوار من مرحلة مهدت لثورة أكتوبر الاشتراكية في 1917وهي المرحلة, التي أمتدت من عام 1905 الى أذار 1917والتي اطلقوا عليها بالثورة البرجوازية, وأيظاً أستفاد الثوار من معطيات هذه المرحلة الكثير والذي ترجموه في ثورتهم في أكتوبر 1917 وحيث كان هدف الثورة بعد تغير البنية الاساسية للنظام العمل على إقامة مجتمع تقوده البروليتارية وصولاً لمجتمع خالٍ من الفوارق الطبقية أي (حسب نظريتهم) وصولاً لتحقيق المجتمع الشيوعي والعمل بشكل متوازِ لاشعال الثورة العالمية بقيادة الطبقة العاملة في العالم وفي الدول الراسمالية بشكل خاص,أي كان للثوار أيظاًستراتيجية واضحة, ولكن بعد الثورة الاشتراكية كان الوقع المحلي والدولي يقرأ ما يلي أولاً/ لم تكون الطبقة العاملة مهيئة للمارسة هذا الدور القيادي وهذا الامر جعل بالمفكر الثوري فلاديمير إيلتش لينين بالخروج بالنظرية التي تكفل بالتطور من الثورة البرجوازية الى الثورة الاشتراكية,وثانياً/كان النظام الرأسمالي وبما يملك من منظرين ومفكرين منكفئون على معالجة أزمات النظام الرأسمالي ويضعون الحلول المستقبلية لازماته القادمةمن أمثال آدم سمث صاحب القاعدة الذهبية للراسمالية والتي تقوم على(حرية رأس المال) اي بمعنى إعفائه من كل ضابط قانوني (وأما الضابط الاخلاقي فهوخارج أصلاً من حسابات ميادين التشغيل للرأسمال )وصولاً لحالة التنافس بين مالكي رؤوس الأموال وسعي كل منهم لتحقيق كسب مادي لنفسه أكثر من الآخر، وهذا ما يعنيه التعبير الشائع في الغرب: السوق تنظم نفسها بنفسها.أي أن الراسمالية لم تكن تنحدر نحو السقوط والانحدارومن ثم للزوال حسب توقعات النظرية الماركسية لهذا النظام.وأيظاً كان هنالك تفاعل مفكري الثورة في الاضافات الفكرية التي بانت بوضوح بعد الثورة ووضع المعالجات الضرورية لتجاوز العقد النظرية والتي قد تعقد طرائق التطبيق وفي نفس ممارسة حية لنقد موضوعي للخطوة الثورية واللاثورية,وهذا النقد بالطبع قائم على مبادئ العقيدة الثورية وخاصة من جانب المفكر الكبير ليون تروتسكي بالخروج بحل لموضوعة الثورة العالمية في ظل ظروف موضوعية وذاتية صعبة كان يمر بها الاتحاد السوفيتي(نظام الثورة) وحددها بالفترة المحصورة في العقد الثالث من القرن الماضي بأن الشروط من أجل الثورة البروليتارية العالمية لم تكن ناضجة فحسب بل كانت قد بدأت تتفسخ وتتجه للزوال ليس بسبب الطبقة العاملة بل بسبب بعض القيادات التي لم تكن ترى،ولم تفهم هذا الطور السلبي في دولة الاشتراكية،و التي كانت جبانةالى الحد في مجاملة الانظمة الرأسمالية وتحويلها لبعض الاهداف التكتيكية الى أهداف ستراتيجيةوبذلك جعلت نفسها في خدمة الرأسمالية من خلال ولوجها في صراعات النظام الراسمالي نفسه،بل أجلت شعارها المركزي إشعال الثورة العالمية في خدمة الأنظمة البورجوازية الديمقراطية العظيمة ،وقد تبنت هذه القيادات عقيدة ماركسيةلينينيةستالينية والتي كانت عبارة عن عقيدة مركبة والذي افضى بقيام نظام دولة هجينية في تركيبة اشتراكية لدولة بيروقراطية والتي هي عبارة عن مزاوجة نظام رأسمالية الدولة بدون رأسماليين بنظام اشتراكي للدولة,وهذاكان أحد الاسباب الرئيسية للناتج المأساوي في السقوط ً الدراماتيكي للاتحاد السوفيتي بعد خمسة عقود من تشخيص تروتسكي لحالة الثورة العالمية,لان الثورة العالمية لم تتسع ولم تنتشر لتشمل دولاً رأسمالية أُخرى بل بقيت أسيرة لاجتهادات بعض القيادات(الثورية) وفي نفس الوقت بقت حبيسة لظرورات النظام على حساب العقائد,إن هذه المزاوجة الغير متزنة كانت سبباً وبداية لضعف النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي والذي أخذ ينهش بكيان الدولة التي ضاعت مقايسها بين العقيدة الأشتراكية والشيوعية وبين بعض الاحكام والمفاهيم الراسمالية كالحريات وحقوق الانسان ونظام إقتصاد السوق مقابل كومونات الاشتراكية,إن هذا تداخل أربك القادة وخاصة قادة الاتحاد السوفيتي في سنواته الاخيرة واللذين إمتازوا بالكسل بل بالضعف أمام ليبرالية الانظمة الرأسمالية وهو الامر الذي ادى بنهاية الامر الى تسلق قيادات لاتمتلك أيماناً بالعقيدة الثورية,وهوأمر كان سبباً من أسباب تراجع الاتحاد السوفيتي إقتصادياً وسياسياً وبالنتيجة أدى الى إنهياره وتفككه.


والثورة الصينية بقيادة بطلها ماو تسي تونغ الذي وبكل جدارة وعبقرية نجح في تكييف النظرية الماركسية أسيوياً وبحيث أستطاع إحداث مزاوجة ناجحة بين قوانين هذه النظرية ومعطيات الواقع الصيني,فكانت التجربة الإشتراكية الصينية نموذجاً فريدأ يمكن للتجارب الثورية في العالم الثالث أن تستنير بمبادئها وبخطواتها,ولكن بعد رحيل قائد الثوة الصينية ظهرت إجتهادات كانت ترى بضرورة تطعيم الثورة الاشتراكية بليبرالية النظام الرأسمالي والذي لم يحسب مردوده على إستشراف بعيد لتطور المجتمع الصيني ولكن كان لاجتهاد مبني على المردودات الاقتصادية الكبيرة الانية والمرحلية التي يمكن أن تحضى بها الصين اليوم,والتي هي من الخطورة إذا لم تبادر القيادة الصينية لدراسة كل جوانب سياسة البناء في الصين,فقد يمكن المزج بين خصائص ليبرالية في نشاطات الحياة الصينية ولكن ليس في كل الانشطة في المجتمع قد ينتج حركة غير متجانسة في تطور المجتمع الصيني نفسه,فقد يكون من الصعب الجمع بين لامركزية ليبرالية في السياسة الاقتصادية ومركزية تحتمها القوانين إلاشتراكية في نواحي أُخرى لا يمكن لنظامها الاشتراكي أن يتساهل معها,فلايمكن ان تطلق الحريات في الانشطة الاقتصادية وفي نفس الوقت يكون هنالك حريات موجهة في الانشطة الاجتماعيةوالسياسية,إنها مسئلة صعبة ولكها ليس بمعقدة إذا ما تم دراستها ومعالجتها قبل أن تتحول الى معضلة قد تتكئ عليها قوى الردة في نسف خطوات التطوير والحداثة في المجتمع الصيني,وأيظا قد تستغلها بعض مراكز القوى العالمية المحسوبة على الانظمة الرأسمالية والتي بدأ المارد الاقتصادي الصيني يثير الذعر في نفوسها ويعرضها لازمات قتصادية مستقبليةحادة,بإتباعهم سياسة تجر أو تزلق نظام الدولة الصينية الى مواقف قد تحرج فيها القيادة الصينية,اي بين مواقف مبدئية تتطلب إستمرار الدعم للحركات والانظمة السياسية الأشتراكية و المحسوبة على اليسار العالمي, وبين مواقف تلعب فيها وتؤثر فيها المصالح الاقتصادية التي تُحكم العلاقة بين الصين والدول الرأسمالية وبالاخص الغربية منها..وكذلك هنالك التجربة الثورية الكوبية الاشتراكية بقيادة بطليها المناضلين أرنستو جيفارا وفيديل كاسترو إلا أن تكون حاضرة وبقوة مع التجارب الثورية العملاقة في العالم وبالرغم من الهجمة الامبريالية عليها وإستمرارها ليومنا هذا إلا إنها حافظت على ثوريتها لالتزامها بخطها الثوري الاشتراكي في إقامة مجتمع كوبي متوازن .

 

 





الثلاثاء٢٥ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة