شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل بضعة أيام وقف أعضاء مجلس النواب الأمريكي وقفة رجل واحد, صهيوني متظرّف وحاقد ليصدروا قرارا يهدف الى قطع المعونات المالية عن السلطة الفلسطينية إذا أصرّت على الذهاب الى الأمم المتحدة للحصول على إعتراف بدولة فلسطينية مستقلّة. وقد صوّتت الأغلبية الساحقة لصالح القرار, أي 407 صوتا ضد ستة فقط! وقد سبقه قرار مماثل تبنّاه مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي. مع العلم أن الدولة الفلسطينية المزعومة ما زالت مجرد فكرة تتقاذفها أمواج الغموض والضباب وآلاف الأسئة المبهمة.


وإذا قدّر لها أن تولد, طبعا بعملية قيصرية معقّدة ومطوّلة, فان أمريكا وساستها ولوبياتها المختلفة, سوف يبذلون الغالي والنفيس من أجل وأدها في المهد. والمؤسف حقا هو أن بعض الساسة الفلسطينيين, بما فيهم المستشار السياسي للرئيس محمود عباس, نمر حماد, لم يعوا بعد بان مجلس النواب الأمريكي الذي يقع في واشنطن البعيدة جدا عن فلسطين المحتلّة, هو فرع "خارجي" تابع للكنيست الاسرائيلي الصهيوني. وإن غالبية أعضاء هذا المجلس, بغض النظر عن لونهم وجنسهم وإنتمائهم الحزبي, وصلوا الى هذا المقام الرفيع ليمثّلوا "الشعب" الأمريكي, بواسطة أسيادهم الصهاينة العاملين والمنتمين الى أكثر من لوبي صهيوني داخل وخارج أمريكا.


وقد يحصل, وحصل فعلا في مناسبات عديدة, أن تجري منافسات وسباق محموم ومزايدات بين الديمقراطيين والجمهوريين على الفوز بود ورضا الكيان الصهيوني الذي لا مفرّ منه لمن يريد أن يبقى في منصبه أو أن يستمر في مسيرته السياسية. ففي غرام وهوى كيان إسرايل الغاصب يتساوى الجميع. وهي بالنسبة لهم الخط الأكثر إحمرارا وسخونة وخشية. ومن تسوّل له نفسه أن يقترب من هذا الخط المحفور في أذهان وعقول ووجدان غالبية الساسة الأمريكان, وقطاعات كبيرة من النُخب الفاعلة, فهو من الخاسرين ومصيره التهميش والاقصاء ومن ثمّ مزبلة التاريخ, مهما عظُم شأنه وكبُر قدره وطال باعه في أي ميدان أو موضوع.


لكن المثير للسخرية هو أن المستشار السياسي للرئيس محمود عباس, السيد نمر حماد, إكتشف بعد تأخر دام أكثر من ستين عاما, ربما لأنه كان يسرح في أحلامه الأوسلوية )نسبة الى أوسلو( إن قرار مجلس النواب المُّشار اليه "يثبت إنحياز المجلس للسياسة الأسرائيلية". وكأن دفاع أمريكا المستميت عن الكيان الصهيوني من خلال مجلس الأمن وإستخدامها اللامشروط لحق النقض"الفيتو" في عشرات المناسبات كلما تعلّق الأمر بهذا الكيان اللقيط, لم يقنع أبدا السيد نمر حماد ورئيسه أبو مازن, بانحياز المشرّعين الأمريكان في فرعي الكونغرس للسياسة العنصرية الوحشية التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.


ولا ندري كم من القرارت الظالمة والمجحفة واللاإنسانية بحق الشعب الفلسطيني يحتاج أتباع "أوسلو" لكي يدركوا ويقتنعوا بأن إنحياز أمريكا للكيان الصهيوني وسياساته العدوانية الهمجية هو إنحياز راسخ, متجذ}ر, وإستراتيجي لا تزحزحه حتى الزلازل وألعاصير المدمّرة. ومن يضع قدمه على طُرق السياسة في أمريكا ينبغي عليه قبل كلّ شيء أن يرضع الحليب الصهيوني من البقرة اليهودية أو المنظمة المسماة "أيباك" والتي تمسك بيديها الفولاذيتين حبال اللعبة الأمريكية فيما يخص السياسة الخارجية, ولديها المعايير الدقيقية لمقياس صدق نوايا ومشاعر وأهواء كل سياسي أمريكي أزاء الكيان الصهيوني.


لم يحصل في تاريخ أعمال مجلس النواب, ومنذ عشرات السنين, أن صوّت 6 نواب فقط ضد قرار ما كما حصل في جلسة يوم الخميس المصادف تموز. فمن العادة, ليس في أمريكا وحدها, أن تتجاوز نسبة المعارضة البرلمانية لقرار ما أو مشروع معيّن عشرات الأصوات. خصوصا في البرلمانات التي تضم حزب أو أحزاب معارضة تاريخية تتحيّن الفرص بالخصوم. وحتى تلك الأصوات الستة التي عارضت القرار سوف تجد نفسها في عين العاصفة الصهيونية وسوف تنهال عليها التُهم من كل جانب, إبتداءا من معاداة السامية وإنتهاءا بتخريب العلاقات الاستراتيجية بين أمريكا والكيان الصهيوني.


إن ما لا يدركه الحكام العرب, وبالأخص أتباع أوسلو وأنظمة الاعتدال والانبطاح والواقعية, هو أن الكيان الصهيوني له الكلمة الفصل في كلّ صغيرة وكبيرة فيما يخص منطقة الشرق الأوسط.

 

وإن أي خطة أو مشروع أو مبادرة سياسية تصدر عن الاجارة الأمريكية دون حصولها على الضوء الأخضر من قادة الكيان الغاصب لا يُحالفها بالنجاح حتى وإن ركع باراك أوباما وجثى على ركبتيه أمام ما يُسمى بحائط المبكى.

 


mkhalaf@alice.it

 

 





الثلاثاء١١ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد العماري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة