شبكة ذي قار
عـاجـل










إن النشأة الواقعية للفكر والمسيرة النظالية التي تتناغم مع إفرازات الواقع وحركته , هما عاملان أساسيان في ثورية المؤسسة سواء حزبية أو حركات أو حتى في أي بنيان إجتماعي أو إقتصادي. ومن خلال ذلك يتم تقويم ثورية أية مؤسسة حزبية أو إجتماعية أو إقتصادية , و المثال العربي الذي يمكن أن يعطينا نموذجاً للثورية يكمن في البعث¸حيث أن الفكر البعثي العقائدي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنظيمي قد تجاوز القوالب الفكرية الجاهزة لصياغة نظريته القومية الاشتراكية والتي تتمثل اليوم بالايديولوجية العربية الثورية وهوقائم بالاساس على الحالة التطورية في الفكر والممارسة , ولم تتوقف عنده الاضافات الفكرية والستراتيجية للنظرية سواء كان ذلك عبر مؤتمراته القطرية و القومية أوخطابات ومحاضرات منظريه , ولست هنا بصدد أن أُقدح لكمال هذه النظرية وواقعيته , فهي قادرة تماماً أن تفصح عن حقيقتها من القراءة العلمية لمضامينه , ولكننا يجب أن نقر بحقيقة شموليتها في تعرضها تحليلاً وإستنتاجاً لمشاكل الامة العربية بوجه خاص , أما حاجتها الى الصيرورة الجديدة في تفاصيل التناقضات الاساسية والثانوية التي يعيشها الواقع العربي فهي في حالة مستمرة لان من سمات هذه التناقضات الحركة والتغير وتبادلاً بين المراكز والتي تُحدد أي منها تناقضاً مركزياً واي منها ثانوي , فالتجارب الكبيرة والغنية لتنظيمات البعث في الوطن العربي وعلى مدى اكثر من سبعة عقود من الزمن كافية للوصول الى حالة من النضج في الرؤية وفي التحليل والاستنتاج وأيظاً في تبلورعلمي وواقعي في نظريته التنظيمةوالفكرية نحو إيجاد جدلية حقيقيةفي الفكر و الممارسة , للوصول الى صفة حقيقية وجوهرية تتمثل في ثورية حقيقية للبعث فكراً وتنظيم , كناتج لهذه الصيرورة الجديدة والناتجة من تفاعل معطيات نظرية مع معطيات الواقع المتحرك.ولدت هذه مناخات فكرية نضالية متطورة , فكان نتيجة لذلك إنبثاق عقول بعثية وضعت تصورات وإجتهادات عكست علمية البعث وواقعيته وأستحقوا بكل جدارة صفة المفكرين وأن يصفوا مع القادة المؤسسين للبعث الخالد ويمنحوا صفة المنظرين , ولكن قد لم يحظوا بفرصة كاملة للمساهمة في صياغة النظرية البعثية المستقبلية على ضوء المستجدات في حينها لاسباب قد تتعلق بالاساليب البيروقراطية التي فُرضت على الحزب في فترات كان الحزب يقود السلطة..ولسنا بصدد ألاسباب التي غيبت هذه العقول البعثية ولكننا نثبت للتاريخ أن البعث الخالد كان و ما يزال خصبٌ في ولادات العقول الجديدة والتي تَعني بالامساك الدقيق لاطراف النزاع في الوطن العربي ووضع الحلول الناجعة له , وايظاً المساهمة مع الاصدقاء من الحركات والاحزاب الاممية في تحليل واقع الحركة الثورية العالمية وخاصة بعد الخسارة الكبيرة التي أصابتها بسقوط الأتحاد السوفيتي الذي كان صديقاً وفياً لحركة التحرر العالمية وخاصة حركة التحرر العربية , وبهذه المناسبة لابد أن نؤكد حقيقة يعيها كل المثقفين عرباً او اجانب من أصول فكرية إشتراكية ماركسية أوغير إشتراكية أو حتى من اصول فكرية ليبرالية وهي أن فشل التجارب لا يعني أبداً فشل النظريات , وهذا ما يحاول اليوم أن يروج له الفكر الامبريالي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ويجير هذا السقوط لصالح فكره وعقيدته , إنها مغالطة كبيرة , والحقيقية أن التجربة السوفيتية التي كانت تمثل الفكر الاشتراكي سقطت أمام المعسكر الغربي في الحرب الباردة التي قامت بينهما بعد الحرب العالمية الثانية , ولا يُحسب هذا السقوط الا في نطاق جملة التغيرات التي تحصل في تاريخ شكل الانظمة العالمية , سواء كان ذلك لصالح الانظمة الراسمالية أو الاشتراكية وهنالك الكثير من هذه الامثلة , فالنظام اليساري الذي كان يقوده سلفادور الليندي في تشيلي (1970-1973) وسقوطه بمؤامرة إمبريالية في عام 1973وكذلك سقوط أنظمة يسارية أُخرى في بعض دول أمريكا اللاتينية لم يؤدي الى إنتهاء الحركات اليسارية في تلك القارة , بل عادت القوى اليسارية للحكم بإستخدامها للديمقراطية الليبرالية وهي طريقة ذكية وتعبر عن ثقة هذه الحركات بجماهيريته , ولم يقلل ذلك من ثوريتها بل جعلها تؤثربقوة هذه الديمقراطيات في الوقوف بوجه الامبريالية العالمية. وبنفس الفلسفة والتحليل والاستنتاج يكون النظر لثورة العراق في 17تموز 1968 , فعندما قامت الحرب الغير معلنة والمعلنة ضد التجربة البعثية في العراق والتي بدءت بعد 30 إنتفاضة تموز 1968 وأستمرت حتى غزو العراق وإحتلاله في عام 2003ولازالت هذه الحرب الشرسة ضد البعث قائمة وستبقى لانها البعث جزء من الضد للفكر والاساليب الامبريالية الصهيونية العدائية. وسيبقى الصراع بين معسكري الثورة الحقيقي والمعسكر الامبريالي قائماً لانهما يقعان في طرفي الاضداد مع بعضهما.ولكن الثورة قادرة تماماً على التصدي لهذه الحرب ولكن الامر يتطلب تدقيقاً بالستراتيج والتكتيك المستقبلي للخروج من هذه الجولة مع الاعداء بنصر يعيد الثقة للثوار بدقة البصيرة في الاستكشاف لساحات المعارك وحكمة في تحديد التوقيتات لساعات الهجوم وليس بالضرورة أن يكون سلاح المعارك القوة والعنف لان ستراتيجية الاعداء الحالية جر الانظمة الثورية لاستخدام القوة ضد معارضيها وهي ستراتيجية تمكنهم من تحقيق الغلبة لصالحهم لان كل التكتيكات التي يستخدموها في هذه الستراتيجية قد تفحصوها وخبروها والتي تبدأ بمرحلة تأجيج الصراع مع الثورة بإستخدام عملاء لهم ومن ثم جر الثوار لاستخدام القوة ضد أدوات يحركونها الامبرياليون , وهنا يدخل الصراع مرحلة يزج فيها الامبرياليون الماكنةالاعلامية العالمية والمسيطرين عليها وبإستخدام الوسائل الهوليويدية لخداع الراي العالمي بإن حملة إبادة ضد الانسانية تجري وبعد ذلك تكون الثورة في منتصف اللعبة الستراتيجية الامبريالية فيكون الخيار القائم أمامها واحداً وهو أن تستمر بالدفاع عن نظامها الثوري بالقوة , وبكل إقتدار يحول الامبرياليون الصراع من صراع الثورة مع أعدائها الى صراع مع بعض فئات الشعب وبشكل سينمائي يختاره العقل الامبريالي فقد يختار مساحات الصراع طائفياً او قومياً أومناطقي , وكل ذلك يكون بإستخدام الاقلام المشبوهة أووسائل إعلام مرئية أو مسموعة أو مقروئة بالاساس هي محسوبة على المعسكر الامبريالي و هي من ضمن إستثماراتها الخاصة , ولا يمكن للثورة أن تربح هذه الجولة إلا بإستخدام ثوريتها التي تمكنها من إستيعاب الهجوم الاعلامي أولاً والمسلح ثانياً والنفسي ثالثاً وإفراغه من زخمه لتبدأ مرحلة الهجوم المقابل , لان في هذا النوع من المعارك والتي تكون للامبريالية قوة إعلامية كبيرة قادرة على فبركة أي فعل ثوري وتحويله الى عمل إجرامي ضد الانسانية , فإتخاذ موقف الدفاع في هذه المرحلة لحين إستنزاف طاقتها الهجومية يمثل ستراتيجية ثورية صحيحة , ومن ثم تكون الثورة مهيئة للهجوم المقابل الشامل لان الثورة تكون قد صرفت جزءاً من طاقتها في ستراتيجية الدفاع عن نفسه , وقد أستبان لها وهي متخندقة في خندق الدفاع نقاظ القوة والضعف للعدو لتكون الثورة مهيئة بإستخدام الطاقة الباقية لديها لاضعاف هذه المرتكزات التي يملكها العدو.أما أن تقابل الثورة هجوم العدو بهجوم مقابل فإن حجم الخسارة سيكون كثيراً وهي ستراتيجية العدو لجر الثورة الى هذا الموقف لكي تستغل كل إجراء أو خطوة ثورية وتحوله من خطوة شرعية للدفاع عن النفس الى فبركة الامر وجعله جزء من وحشية ضد الانسانية وإستخراج الكثير من الاكاذيب والالاعيب المظللة تستخدمها القوى المعادية للثورة في تشويه الحقائق.وبذلك تضعف الثورة وقد تفشل التجربة وتسقط وهو ما يريده الاعداء.


إن فشل التجارب الثورية لايمكن حصره بالحرب التي يشنه المعسكر الامبريالي على معاقل الثورة في العالم وفي الوطن العربي بشكل خاص والمتمثلة بالانظمة الثورية وبعبقرية الفخاخ الامبريالية وقوتها العسكرية والاقتصادية ولكن الاسباب الاكثر تأثيراً هي التي تتعلق بالتجربة الثورية نفسها والتي تفتقد الرؤية الواضحة للفخاخ الامبريالي وقصورها هذه الثورات في تقدير وتشخيص عوامل الانتصار والفشل في هذه المواجهات , إن ذلك يدخل قوة و رصانة وعلمية الستراتيج و دقة التكتيكات في حسابات الصراع , ولنكن صادقين في قول الحقيقية إن قيادة الثورات تتحمل جزءاً كبيراً من هذا الفشل وخاصة عندما تخفق في تحديد نوع وشكل الصراعات وأيظاً قوة التحدي وشكله وفي نفس الوقت يتم تحديد قدرات الثورة الذاتية والاحتياطي المضمون والموضوعية والتي تتمثل في بعضها عدد ونوع الدول الحليفة التي تُقف مع الثورة والمديات التي يمكن للدول الصديقة من أن تذهب مع الثورة.وايظاً قدرة النظرية و مرونتها أيظاً يلعبان دوراً أساسياً في الصراع مع الاعداء وخاصة في تكيفها في إستيعابها للواقع وتجاوز نقاط الضعف فيها .وهذا يتجلى بشكل أساسي في بروز ظاهرة العقول المتنيرة في الفكرالثوري وقدرة المؤسسة الثورية على إستيعاب هذه الطروحات من قبل هذه العقول فمثلاًمساهمة ماوتسي تونغ قائد الثورة الصينية في تحويل الماركسية من شكلها الاوربي الى الشكل الاسيوي الذي كان قد صاغها كارل ماركس وأنجلز الاوربيين , وجاء من بعدهما فلاديمير لينين و تروتسكي وهما أيظاً أوروبيين ’وهولاء كتبوا وأضافوا للنظرية بلغة وعقلية أُوربية , وهي كنظرية يمكن إعتبارها منتج أوروبي , ولكن ليس من المنطق و الواقعية أن تُطبق هذه النظرية وكممارسة ثورية في الصين , و بالفعل نجح ماو في ذلك وذلك بخلقه شكلاً صينياً من النظرية الماركسية وحاول أن يجعل من الصين نموذجاً اسيوياً لتطبيق الماركسية.أن محاولة ماو في تحميل الماركسية لجميع علامة وخصائص الصين وإستخدامها بالانسجام مع خصائص الصين جوبهت أيظاً بردة فعل في بعض جوانبها كانت ظالمة لانها تحمل منطلقات التقديس للنظرية الماركسيةالاوروبية بل تعدى الامر لتنعت محاولة ماو بالانحرافية.مع العلم كانت محاولة ماو تطمح لجعل الماركسية أكثر قابلية للتطبيق وخاصة في اسي , وهذا الامر أحدث شرخاً في المعسكر الاشتراكي وخاصة بعد الموقف الذي اتخذه خروتشوف رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي بسحب الخبراء الروس من الصين في عام 1961وبذلك وقع المعسكر الاشتراكي في فخ كبير و مؤلم وهوفخ البيروقراطية التي لم تسمح للاخرين بالاجتهاد والتنظير خارج المركز السوفيتي.

 

هذه الامر أدى بداية الضعف في المعسكر الاشتراكي بعد الانقسام الحاد , بسب ضيق الافق الذي كان يتمتع به القادة ألاشتراكيون إذ حولوا الخلاف العقائدي الى مواقف دولية وعمقوا البيروقراطية بدلا من تدعيم المركزية الديمقراطية وكان هذا الامر بمثابة أسفين قوي في المعسكر الاشتراكي.

 

وهذا يعطينا اليقين أن فشل التجارب الاشتراكية والثورية لم يكن بسبب تأثير القوى المعادية للنموذج الاشتراكي بل يعود أيظاً الى فشل القيادات في التعامل المبدئي مع الاجتهادات والاضافات الفكرية , وتعمد بعضها الى إعتماد أسلوب التصفيات الجسدية بدلاً من الحوار والنقاش على أُسس عقائدية وهذا أسوأ بل أخطر ما تتعرض له التجارب الثورية , و إنإستخدام العنف والتصفيات أسلوب الضعفاء ولا يمكن أن يُغطى باي مبرر وخاصة في تجارب ثورية التي تعتمد مبدأ النقد والنقد الذاتي.

 

وأعود لاقول ليس كل السبب في فشل تجاربنا الثورية خصومنا في الفكر وفي التطبيق ولكن السبب الرئيسي هو في تماهل والتساهل مع تعليق أي مبدأ من مبأدئ الثورة سواء في التفكير أو السلوك وإن هذا اللاحزم وليس القسوة تجاه أي تمييع أو تعطيل لمبدأ ثوري قد يؤدي الى ضياع الثورة و فشل نظامها وسحقه من قبل أعداء الثورة.

 

 





الثلاثاء٢٩ جمادي الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٣ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة