شبكة ذي قار
عـاجـل










 

محاولات غزو العراق والمعاهدات


بالنظر لكون جنوب العراق والفاو بالاخص قد تحملت معظم حملات الغزو للاراضي العراقية ، فيتوجب معرفة الاسباب والدوافع التي جعلت العراق هدفاً للعديد من تلك الغزوات عبر التاريخ واغلبها واشرسها جاءت من الشرق من بلاد فارس ( ايران ) حالياً


ان ايران وبسبب انظمة الحكم المتعاقبة تعد العراق والوطن العربي ، ولاسيما منطقة الخليج العربي مجالاً حيوياً للسيطرة والنفوذ . وقد عبرت عن هذه السياسة في مختلف الاوقات ، بصيغ متعددة تلائم ظروفها المرحلية الخاصة.


ففيما يتعلق بالعراق ، فان المشكلة ليست مشكلة حدود ، او صراع ثانوي حول حقوق الملاحة ، بل هي اوسع بكثير ، فالمشكلة تتجسد في اطماع ايران التوسعية في المناطق العربية المجاورة و المتاخمة لها.


لقد اتبعت الحكومات الفارسية المتعاقبة في توسعها الدائب على حساب ارض العراق سياسات رئيسة ممثله، بسياسة التدخل في الشؤون الداخلية، وسياسة التضليل الدبلوماسي المتمثلة بعدم تثبيت ايران حدودها البرية مع العراق والاعلان عنها بصفة رسمية فقد كانت تعمد عقب توقيعها اية معاهده حدود الى خرق بنود تلك المعاهده، بفرض واقع جديد يستدعي عقد معاهده اخرى فاذا عقدت ، شرعت باستغلالها لتثبيت ما كانت قد حصلت عليه في الحقبة السابقة، والتهيئة في الوقت نفسه الى عمل توسعي آخر ، واخيراً سياسة القوة المسلحة حيث دأبت ايران على استخدام هذا الاسلوب لانتزاع اجزاء من العراق وضمها اليها عنوه. وسار هذا الاسلوب بتوافق مع الاساليب الاخرى، لتحقيق اكبر المكاسب التوسعية، عن طريق فرض الامر الواقع بالقوة. ثم تكريسه بالوسائل السياسية والاجتماعية المختلفة([1]). معتمدة في ذلك ذات الاساليب المخادعة والمراوغة التي يعتمدها الكيان الصهيوني التي تتمثل بالتنصل من الاتفاقيات التي يوقعها مع أي طرف عربي .


المحاولات الفارسية لاحتلال العراق :-
-   انتهى الحكم في العراق بسقوط بابل عام 539 ق م على ايدي الغزاة الفرس الاخمينيين ودخل العراق بانعطاف سياسي خطير اخذت البلاد ترزح تحت وطأة الاحتلال الاجنبي الذي دام زهاء الف عام ، واصبحت مسرحاً لحروب طاحنة بين الدول الغازية وحسب تسلسلها :-


1-    الغزو الفارسي الاخميني ( 539 – 331 ق م )
2-    الغزو المقدوني والسلجوقي ( 331 – 126 ق م )
3-    الغزو الفرثي ( 126 ق م – 226 م )
4-    الغزو الفارسي الساساني ( 226 – 637 م )([2])


وقد تم طرد الساسانيين على ايدي العرب المسلمين اثناء فتح العراق وطرد الفرس عام 640م بمعركة القادسية الاولى وقائدها سعد بن وقاص ، في زمن الخليفة عمر بن الخطاب (رض)، وبعد ان ضعفت الدولة العربية الاسلامية ، جرت محاولات فارسية لاحتلال العراق وكالآتي :-


1- تمكن الشاه اسماعيل الصفوي عام 1508م ان يخضع بغداد للاحتلال الفارسي. وتمكن السلطان سليمان القانوني من انهاء الاحتلال الفارسي عام 1534م واخضاع العراق للسيطرة العثمانية.


2- زحف الشاه عباس الاول بقواته واحتل بغداد عام 1623م ، وتم طردهم منها عام 1638م .
3- قام نادر شاه بغزو العراق عام 1732 بمائة الف جندي وبعدة محاور ، محور كركوك – اربيل ، محور الموصل ، وقوة رئيسية باتجاه بغداد. وحاصروا بغداد وعانى سكانها من المجاعة بشكل مريع، وقد جرت معركة حاسمه قرب الدجيل وتم هزيمة القوات الفارسية .


4- عاودت ايران هجماتها على محور كركوك – اربيل بعد ثلاثة اشهر من هزيمتها السابقة وتم هزيمتها.
5- هاجمت مدينة البصرة عام 1735 ولم تحقق ما كانت تصبو اليه فانسحبت قواتها.


6- شن نادر شاه هجوماً واسعاً على العراق عام 1743 بقوات تقدر بـ(170) الف جندي من جهة مندلي وشهرزور وتقدمت باتجاه محور كركوك – اربيل نحو الموصل وحاصرها لاكثر من اربعين يوماً ولكن صمود اهل الموصل وتكبيد العدو خسائر جسيمة ونفاذ الموؤنه للفرس ادى الى طلبهم الصلح واشترط والي بغداد على الفرس الانسحاب من الاراضي العراقية.


7- في عهد كريم خان الزند ، قام بغزو البصره عام 1775م وكذلك على طول جبهة العراق . وقد صمدت البصره عاماً كاملاً من 7 نيسان 1775 حتى 15 نيسان 1776 واستطاع الفرس دخول البصره بعدها وقد ذكر احد المؤرخين ما قام به قائد القوات الفارسية بقوله :- ( فدَخل البصره بعسكره ، وهتكها وفضحها ، ولم يبق مأثماً الا ارتكبته هو و قوته ، ولم يفي بشيء مما وعد به من العهود، وما ترك نوعاً من الظلم الا تجشمه افعال ولا افعال التتار )([3]). وقد انسحبت القوات الفارسية من البصره في 19 آذار عام 1779م بعد تكبيدها خسائر كبيرة من قبل القبائل العربية المحيطة بالبصره وخاصة قبيلة المنتفك .


ان ما ورد لا يمثل الا جزءاً من محاولات الفرس المتكرره لاحتلال العراق وذلك لتمتع هذه البلاد بمجموعة مميزات جعلت ارضه هدفاً للطامعين ، فهو يقع على الخليج العربي من جهة وقربه من البحر الابيض المتوسط من جهة اخرى، وهو ذو موقع ستراتيجي هام بين ملتقى الطرق التجارية البرية والبحرية وهو يقع بين القارات الثلاث ، اسيا واوربا وافريقيا ، توفر مصادر المياه العذبة والسهول الواسعة والارض المنبسطة الخصبة التي جعلت خيراته وفيره وقد كانت الاقوام الغازية وابرزها الاقوام الفارسية تستهدف من غزوها للعراق جملة اهداف يمكن ايجازها فيما يأتي :-


1-    استغلال خيراته الزراعية والمعدنية وموارده المائية .
2-    استغلال المنجزات الحضارية التي بناها ابناء العراق القديم .
3-    السيطرة على طرق التجاره الدولية البرية منها والبحرية.
4-    منع قيام دولة قوية تقف بوجه القوى الطامعة في ارضه ومياهه وثرواته .
5-    ايقاف عجلة التقدم والحد من التطور الحضاري المضطرد للبلاد.


المعاهدات والاتفاقيات التي عقدت بين الفرس (الايرانيون) والعراق وكالآتي :-
1- معاهدة عماسية (1555م) مع العثمانيين . وهي المعاهدة الاولى التي تعقد بين الفرس والعثمانيين عندما احتل الفرس اجزاء من منطقة الحدود الغربية لاراضيهم (اراضي العراق) ومكثوا 14 عاماً وتم اجلاءهم عنها([4]) .


2- معاهدة قصر شيرين (1639) . عاود الفرس احتلالهم لاراضي عراقية ولنفس المنطقة السابقة ومكثوا 15 عاماً وتصدى لهم السلطان مراد الرابع وفيها اعترفت الدولة الصفوية (الايرانية) بعائدية شط العرب نهائياً للدولة العثمانية التي كانت تحتل العراق([5]) .


3- معاهدة امير اشرف (1727) ونادر شاه (1747)([6]) .
وتمت بعد ان احتلت الدولة الصفوية (الايرانية) قسماً من اراضي الاحواز وخاصة في الحويزة (دشت ميشان) ونشبت حرب بين الدولتين انتهت بعقد معاهدة (امير اشرف) عام 1727م والتي جاء في المادة السابعة منها (ان منطقة الحويزة لقربها من البصره في الاراضي العراقية، تحتلها الدولة العثمانية نهائياً وتتعهد الدولة الصفوية بعدم التدخل بشؤون الاحواز على الاطلاق).


وحصلت مناوشات فيما بعد عام 1747 وعقدت معاهدة نادر شاه لتؤكد اعادة الاعتراف الصفوي بما سبق وورد من بنود في معاهدة قصر شيرين عام 1639.
4- معاهدة ارض روم الاولى (1823)


بادر الفرس عام 1818 بمحاولات للسيطرة الكاملة على مياه شط العرب وجرت معارك عنيفة بين الدولتين انتهت بهزيمة الفرس وتوقيع معاهده جديده اعطت من جديد الاراضي الحدودية المتنازع عليها ومجرى شط العرب بضفتيه الشرقية والغربية الى السلطة العثمانية([7]) عام 1823 .


5- معاهدة ارض روم الثانية (1847)
كانت قبائل بني كعب التي تقطن في الاحواز تقف ضد الحملات التي يقوم بها الفرس والاتراك والانكليز منفردين او مجتمعين ولادراك العثمانيين للاهمية الستراتيجية للمنطقة فقد جردت حملة عسكرية موسعة على الاحواز وطاردت القوات الفارسية فتدخلت انكلترا الطامعة باملاك الدولة العثمانية، وروسيا التي تقف الى جانب الفرس و ضغطوا على الدولة العثمانية وسلطانها عبد المجيد لتوقيع معاهده مع الشاه الفارسي محمد ، وهي اول معاهده يتنازل فيها العثمانيون عن الاراضي الواقعة شرقي شط العرب لبلاد فارس مع بقاء كامل مياه شط العرب للدولة العثمانية والاحواز تحت تصرف عشائر اعترف بانها تابعة لايران ، ولم تعترف عشائر الاحواز بالمعاهده (المعاهده لم تقر بضم الاحواز ككل الى سلطات فارس وهي لم تؤثر على الوضع السياسي العام للاماره التي بقيت من الناحية الفعلية مستقله عن حكومة طهران ولم يعترف عشائرها ببنود تلك المعاهدة واعترضوا بشده على مقرراتها خاصة تلك المتعلقة بشط العرب)([8]).


الامر الثاني الذي ساهم في صعوبة تنفيذ المعاهده ان البرلمان الفارسي لم يتوصل الى تصديق المعاهده "فاخذت فارس تطعن بها وتعتبرها غير متوافقة مع طموحها الى السيطرة على كل شط العرب ، والعراق وعربستان على السواء"([9]).


6- بروتوكول القسطنطينية 1913
حتى ذلك التاريخ بقيت منطقة شط العرب في ظل السيادة العربية وفي عام 1912 توصلت الاطراف الى توقيع بروتوكول طهران الملحق بمعاهده ارضروم الثانية الذي تم التوقيع عليه في 17 تشرين الثاني في 1913 ولكن الحكومة الفارسية غدرت بالشيخ خزعل شيخ امارة الاحواز وسجن في طهران في 30 نيسان 1925 بعد ان احتلوا امارته ويقال انه توفي بطهران عام 1936 وما قيل عن الشيخ خزعل انه " اكبر الملوك سناً واسبقهم الى الشهرة واعظمهم الى الكرم"([10]).


ان ما ورد لا يمثل الا النزر اليسير مما كتب عن الاطماع الفارسية في الاراضي العراقية عبر فترات الغزو التي امتدت على مدى 2500 سنة والى الالتفاف والتحايل على الاتفاقيات التي تعقد بين الاطراف المتنازعة والتي كان الفرس هم ناقضوا العهد نتيجة اطماعهم وحقدهم على كل ما هو عربي حتى مجيء الخميني الى السلطة عام 1979م لتبدأ صفحة جديده من التآمر المغطى بستار الدين واستغلاله لتحقيق اطماعهم بارض العرب ومنها العراق وليضربوا عرض الحائط بكل الاتفاقيات المعقوده سابقاً واخرها اتفاقية عام 1975م في الجزائر عندما بدأوا بضرب المدن العراقية الحدودية وليعلنوا صراحةً بانهم قادمون لتحرير العراق وهكذا لم يكن لرجال العراق سوى ان يدخلوا هذه الحرب دفاعاً عن ارضهم وقيمهم وحضارتهم ، تلك الحرب التي بدأها الفرس في 4/9/1980 باحتلال المدن الحدودية العراقية (زين القوس ، وسيف سعد) وايقاف وضرب السفن العراقية في شط العرب وغلقه تجاه السفن القادمه الى العراق فكان الرد العراقي القوي في 22/9/1980 .

 

([1]) تاريخ العراق قديمه وحديثه – مصدر سابق ص344 .
 ([2]) تاريخ العراق القديم – حول الغزو الاجنبي للعراق ، راجع مجموعة من الاساتذة والباحثين - الصراع العراقي الفارسي ، بغداد 1983 . انظر ايضاً مجموعة من الاساتذة والباحثين . العراق في التاريخ ، بغداد 1983 ،  ص 235 – 268 .
 ([3]) المصدر السابق ، ص 346 .
 ([4])  Le Conflit Irako – Iranien – Paris , 1981 , P 75.
 ([5]) المصدر السباق ، ص 75 .
 ([6]) الصراع العربي الفارسي – منشورات العالم العربي – باريس ، 1981 ، ص 85 .
 ([7]) الصراع العربي الفارسي – مصدر سابق ص 86 .
 ([8]) سليم طه التكريتي  ، الصراع على الخليج العربي ، بغداد ، 1966 ، ص76 .
 ([9]) عبد الرزاق الحسيني (تاريخ العراق السياسي)، ج3 ، صيدا 1957 ، ص 327 .
 ([10]) امين الريحاني (ملوك العرب) ، ج2 ، بيروت 1951 ، ص186 .





الاثنين٢١ جمادي الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / نيسان / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب قصي المعتصم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة