شبكة ذي قار
عـاجـل










الشاعر الكبير عبدالرزاق عبدالواحد : لا أدري لماذا يصر أصحاب النصوص النثرية على تسميتها شعراً ؟


القصيدة هي التي تكتبني ولا أفكر حين يجيء موجها عمودية ستكون أم قصيدة تفعيلة ؟ ..
عنقي تكاد تنكسر حين أرنو إلى ذرى تجربتي الشعرية .. متى أصل إليها وقد جاوزت الثمانين
شعراء أوروبا كانوا يوكلون إلى الممثلين إلقاء قصائدهم نيابة عنهم في المحافل
دراسة مقارنة بين مسرحيتي (الحر الرياحي) وبين (مكبث) لشكسبير في أربعين صفحة
لم أقرأ من الشعر البحريني ما يساعدني على إبداء رأي فيه لكني مطلع على شعر علوي الهاشمي
الشعر ضاقت مساحته ولكن النصّ الشعري المسرحي يجمع جمهوري الشعر والمسرح


حوار - سلام الشماع :
يشهد الله وتشهد الدنيا بأجمعها بأن عبدالرزاق عبدالواحد، الشاعر العربي العملاق، أوقف حياته لوطنه مدافعاً ذائداً مقاوماً عنه، باثاً الفرح والتفاؤل في بساتينه وشوارعه وعلى ضفاف أنهاره وفي قراه ومدنه، معلماً بلابله التغريد .. ولم ينسَ أمته التي تترنم الآن بأشعاره : مغرباً ومشرقاً، منشداً أحلى الأناشيد لمجد الوطن والأمة، مقاوماً غير آبه للسهام والنصال التي ملأت قلبه، جائراً على شيخوخته التي يركن سواه فيها إلى الدعة والسكون و''التقاعد''.


ماذا لو ركن هذا الشاعر الأصيل إلى ذلك وكفّ عن الإنشاد متعللاً بتعب السنين؟ .. ومن قال إن الشعر العربي انتهى زمانه وصوت عبدالرزاق عبدالواحد يقاوم الزمان المتغير مبقياً على عذوبة الشعر العربي مخاطباً الوجدان العربي والإنساني حاملاً في المنفى صليبه، لافتاً النظر إلى مأساة شعبه مع الاحتلال؟ ..


قالت لي الشاعرة البحرينية سوسن دهنيم إن شعر عبدالواحد من متع الحياة التي خلقها الله لعباده، ونعمة من نعمه تعلمنا منها وتعلمت أجيال، وهو صرخة تحدٍ للظلم، وهو كلمة غزل عذبة يقولها عاشق لمعشوقته، وهو لافتة عريضة تعلن لهذا الزمان أن العراق موطن الشعر فيه يحيا وفيه لن يموت.


العراق وعبدالواحد كأنهما واحد، فإذا ذكرت أحدهما ذكرت الآخر، حتى سموه ''صوت العراق العالي'' وهذا هو الجزاء الأوفى لمن يذوب في المحبوب ..

 

الوطن لا يذهب
* سألت الشاعر الكبير : بعد أكثر من نصف قرن من الانغماس في كتابة الشعر .. أين وصل عبد الرزاق عبدالواحد ؟
- تكاد عنقه تنكسر وهو يرنو إلى الذرى العالية لتجربته الشعرية، متى سيصل إليها وقد جاوز الثمانين؟.


* تعرف أن العديد من الكتابات التي اعتمدت على المناسبات الوطنية انتهت بانتهاء المناسبة، لكن قصائدك ظلت تحمل وهجاً خاصاً، كيف يرى عبدالزراق عبدالواحد إلى تلك التجارب وإلى تجربته ؟
- وطني هو مناسبتي، فأنا أكتب له لا لمناسبة فيه، وقصائدي تستمد وهجها منه .. المناسبة تذهب، والوطن لا يذهب، وقصائدي فيه باقية بقاءه.


النصوص النثرية
* أنت واحد من الشعراء الذين واصلوا كتابة الشعر العمودي، على الرغم من وجود شعر التفعيلة وقصيدة النثر، كيف ينظر عبدالزراق عبدالواحد بعد تجربته الطويلة في كتابة الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة وقصيدة النثر؟


- أولاً أنا واحد من رواد قصيدة التفعيلة .. أول قصيدة تفعيلة نشرت لي كانت عام 1949 في مجلة (البيان) النجفية. ثانياً: أعمالي الشعرية الكبيرة كلها، وعلى رأسها مسرحية ( الحر الرياحي ) ، وملحمة (الصوت) كتبت بشعر التفعيلة، هذا إضافة إلى قصائدي الدرامية المهمة، والتي تستغرق معظم شعري .. أنا لا أفكر أبداً حين يجيء موج القصيدة، عمودية ستكون، أم قصيدة تفعيلة .. هي التي تكتبني. كل ما أفعله أنني، بعد أن تلتبس بي، أضعها على الورق فأتخلص من وجعها!.


أما ما يطلق عليه (قصيدة النثر) فأنا أحجم عن التسمية، لا المسمّى. هناك من النثر ما يتجاوز الكثير من الشعر في جماليته، وفنيته .. وإلا فكيف ننظر إلى (العصفور
الأحدب) مثلاً؟؟ .. وإلى الكثير مما كتبه هذا المبدع الكبير .. الماغوط؟. لست أدري لماذا يصرّ أصحاب هذا النمط من الكتابة على تسميتها شعراً، وبعضها يتفوّق
أحياناً على الكثير من الشعر؟!. أن تقول (قصيدة النثر) تماماً كقولك (ليل النهار .. وصيف الشتاء .. وأسود الأبيض)!. هو دمج لمتضادين لا يمكن دمجهما لأن لكل منهما خصائصه التي تفرزه عن الآخر، وتميزه عنه .. ثم لماذا يصرّ أصحاب هذا النوع من الكتابة على إلحاقها بالشعر وهي قد تتميز عليه أحياناً؟.


كان صديقنا الشاعر حسين مردان -رحمه الله- يكتب منذ الخمسينات زاوية في جريدة (الأهالي) العراقية تحت عنوان (من النثر المركز) .. كانت في بعض فصولها أجمل من أجمل الشعر .. ولم يفكر بتسميتها قصائد، ذاك لأنه شاعر!. ترى هل الغرض من التسمية النصُّ أم صاحبه؟!
عندي أن إطلاق تسمية (نصوص) على هذا النوع من الكتابة يريح الشعر والنثر معاً، ويكفي الأدباء شرّ القتال!.

 

ضاقت مساحة الشعر
* كتبت المسرحية الشعرية، كيف تنظر إلى المسرحية الشعرية في عالم ابتعد عن متابعة الشعر، فما بالك بالمسرح الشعري؟
- المسرح الشعري غير الشعر، وإلا لانتهى شكسبير!. هنا أجد نفسي أتساءل: لو وُجِّهَ هذا السؤال من إنسان غربي لكانت فيه وجهة نظر .. ولكن، أن يوجه من عربي أمته كلها زادها الشعر، فأمر يثير الاستغراب .. نحن حتى في مؤتمراتنا العلمية لا يفتتح مؤتمرنا من دون أن تلقى في افتتاحه قصيدة! .. أما محافلنا الوطنية والاجتماعية والأدبية فحدِّث ولا حرج .. مرة في كتابة عن صديقي الشاعر محمود درويش -رحمه الله- قلت: هذا الزمن العربي بحاجة إلى شعراء قديسين، يلقون قصائدهم في الشوارع ويستشهدون .. وإلقاء الشعر مسرح، بل هو أكثر المسارح تأثير .. خير دليل على هذا أن شعراء أوروبا كانوا يوكلون إلى الممثلين إلقاء قصائدهم نيابة عنهم نعم، الشعر عموماً ضاقت مساحته لتقلص عدد جمهوره، ولكن النصّ الشعري المسرحي الناجح يجمع جمهورين، جمهور الشعر وجمهور المسرح، ويكون أعمق تأثيراً.


أهم مسرحية شعرية
* هل المسرحية الشعرية التي عرضت لك على الخشبة، استطاعت إيصال ما كنت تريد إيصاله إلى المتلقي؟
- أنت تعني مسرحية (الحر الرياحي)، وهي بإجماع النقاد الذين كتبوا عنها، وعلى رأسهم المرحوم جبرا إبراهيم جبرا، والدكتور عبدالواحد لؤلؤة، أهم مسرحية شعرية عربية .. وفي طبعتها الرابعة في دمشق أضفتُ الدراسة النقدية المقارنة التي كتبها الدكتور لؤلؤة إلى هذه الطبعة لأهميتها، وكانت دراسة مقارنة بينها وبين مسرحية (مكبث) لشكسبير وقعت في قرابة أربعين صفحة. هذه المسرحية -لأسباب عديدة، وظروف خاصة- لم يستطع مخرج أن يقدمها على المسرح سوى محاولة واحدة في دمشق .. أما في العراق فقد قدم في الموسم السنوي للمسرح العربي ببغداد فصل واحد منها أخرجه شاب حديث التخرج في معهد الفنون الجميلة، وقام بتمثيله طلبة الكلية التي يعمل هو فيها مدرساً للتمثيل في مدينة الحلة، ومع ذلك فقد أحدث الفصل الواحد الذي أخرجه هزة كبيرة في موسم المسرح العربي بحيث انعقدت صباحية كاملة من صباحياته للإشادة بها والحديث حولها.


أما هل أوصل العمل المخرج ما أريد أنا إيصاله إلى المتلقي فمسألة يصعب الجواب عنها لاسيما والذي قدم على المسرح منها فصل واحد من ثلاثة فصول!.


أذكر هذه الحادثة الطريفة حول هذه المسرحية لطرافتها، ولأهمية الشهادة فيها : كنت في القاهرة في أواسط الثمانينات. في مساء أحد الأيام اتصل بي الصديق الرائع الفنان الكبير كرم مطاوع -رحمه الله- قال: يا أبا خالد معي في بيتي الآن مجموعة من كبار أدباء مصر وفنانيها، وجميعهم يتمنون حضورك، وأنا جاهز للمجيء إليك .. فماذا تقول؟.


قلت حباً وكرامة، بعد قرابة نصف ساعة كنا ندخل منزل الصديق كرم، وكانت زوجه الصديقة الحميمة سهير المرشدي في استقبالنا. حال دخولي غرفة الاستقبال فوجئت بها حاشدة بعدد من كبار أدباء مصر من بينهم المرحومان عبدالرحمن الشرقاوي صاحب (الحسين ثائر .. والحسين شهيداً)، والدكتور عزالدين إسماعيل. ما كاد المقام يستقر بنا حتى التفت كرم إلى الحضور قائلاً: إخواني .. لدى الأستاذ عبدالرزاق مسرحية شعرية عن الإمام الحسين هي من أهم ما كتب عنه عليه السلام .. أتمنى عليه لو يقرأ لنا شيئاً منها. بين ترحيب الجميع تذرعت معتذراً بأنني لا أحمل معي نسخة من المسرحية. نهض كرم إلى مكتبته وأتى بنسخة منها يبدو أنه هيأها مسبقاً لهذا الغرض. الدكتور عزالدين -وكان آنذاك عميداً لأكاديمية الفنون المسرحية- تناول الكتاب من يد كرم وهو يقول: إخوان أنا أشهد بأن هذا أهم عمل في المسرح الشعري العربي، وأهم ما كتب عن الحسين، وبالتماس مني سجله لنا الأستاذ عبدالرزاق كاملاً في الأكاديمية صوتاً وصورة بحضور أساتذة الأكاديمية وجمهور غفير من طلبتها. أتمنى لو يسمعنا شيئاً منه .. أوشكت أن أعتذر مرة أخرى لولا أني سمعت الشرقاوي يقول بامتعاض: آ، ومالو؟؟ .. نسمع حاجه منها!. قلت لكرم: أعطني الكتاب .. وبدأت أقرأ العمل من أول كلمة فيه.


أقسم الآن أنها كانت واحدة من أكثر أماسي حياتي زهواً! .. تلبية لإصرار الجميع أكملت قراءة المسرحية حتى آخر كلمة فيه .. وحين انتهيت كانت دموع الشرقاوي تملأ خديه وهو يقول: الحسين حسينكو يسيدي!.

 

سامحهم الله
* بدأت بكتابة مذكراتك متسلسلة في الصحف ولكننا لم نرها مجموعة في كتاب؟
- سأطبعها في كتاب حين أنتهي من كتابته .. وقد يطبعها أصدقائي من بعدي.


* يطالب بعضهم بتقديمك إلى المحكمة الجنائية العليا أسوة بكبار مسؤولي الحكم الوطني الذي كان قائماً قبل الاحتلال .. بماذا ترد عليهم؟
- سامحهم الله.


* كيف ينظر عبدالرزاق عبدالواحد إلى الشعر العراقي بعد الاحتلال .. ولماذا لم نستطع إنجاب شعراء يناهضون الاحتلال مثل محمد صالح بحر العلوم ومحمد مهدي البصير وآخرين، وأنا هنا أقصد شعر المقاومة، والشعر الذي يؤجج حماسة الشاعر ويحرضه على التغيير؟


- يا أخ سلام .. أنا أخشى أن يلومك القراء جميعاً على سؤالك هذ .. أنت تخاطب عبد الرزاق عبدالواحد الذي لم يكتب شاعر في الدنيا بأسرها ما كتبه لوطنه مدافعاً
ومقاوماً، قبل الاحتلال وبعده. ولن أكمل الجواب على سؤالك!.


* ما آخر قصائدك؟
- قصيدتي (هذي ذرى مصر) التي كان مقرراً أن ألقيها في حفل تكريمي في القاهرة يوم 25 فبراير، وهي من أعز شعري وأفخمه. أطفأ الله نيران مصر برحمته ورضوانه.


الشاعر الرسام
* أردت أن أسألك إلى أين وصلت بتجربتك في الرسم؟
- كانت دعابة جرّني إليها، وشاركني فيها، صديقي الفنان التشكيلي فؤاد حمدي .. وبقدرة قادر تحولت إلى الجد!. وقد توقفت عنها الآن إلى أن أتبين مقدار حنيني إليها، وقيمة إنجازي فيها.


مطلع على شعر الهاشمي
* ما تقييمك للشعر البحريني خصوصاً والشعر في الخليج العربي عموماً ؟
- للأسف لم أقرأ من الشعر البحريني ما يساعدني على إبداء رأي فيه .. ربما لظروفي الخاصة، على أنني مطلع بنحو جيد على شعر صديقي الحميم الدكتور علوي الهاشمي منذ أن كان يصلنا إلى المربد مشاركاً فيه .. وعلوي شاعر عزيز الكلمة، عميقها.


* معروف أنت بدعم التجارب الشعرية الشبابية، مَن مِن الشباب يحوز رضاك ؟
- الدكتور وليد الصراف، محمد البغدادي، مضر الآلوسي، عماد جبار، مهدي الغانمي، بسام صالح، وعارف الساعدي .. هؤلاء أقرب أولادي إلى قلبي.


* كيف يقضي عبد الرزاق عبد الواحد يومه ؟
- سبع ساعات أو ثمان أمام الحاسبة .. أطبع، أو أراسل، أو أجيب عن أسئلة كما أفعل معك. ثلاث ساعات أقرأ أو أكتب أو أراجع شيئاً كتبته. أما ليلي فمنذور كله للشعر.
 

 

 





الخميس١٤ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حوار - سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة