شبكة ذي قار
عـاجـل










كلّنا يعلم أنّ المجتمع العربي قبل الإسلام , في الجزيرة العربيّة , كان مجتمعاً , أمّيّاً , لا دراية له أو معرفة , بتاريخ الأمم والشعوب , ولا يمتلك خلفيّة صحيحة عنها , ولو معرفة مثيولوجيّة ,على الأقل , سوى نتف منها , وليس لديه علم بالكيفيّة أو الأسباب أو الظروف الموضوعيّة التي دفعت لظهور "الرسل" و "الأنبياء" والمصلحون , في الأمم والشعوب , إذ كان جلّ ما يصلهم عن أنباء الأمم الأخرى لا تعدو أن تكون "أساطير الأوّلين" كان يقصّها عليهم البعض من تجّارهم ممّن كانت مهنتهم هذه تضطرّهم لاحتكاكهم بشعوب الدول والبلدان , أشهرهم "النظر بن الحارث" الذي كان يقصّ عليهم وهم متجمّعون , صباحاً , في الباحة أو الساحة الأماميّة من الكعبة , قصص وحكايات مثيرة , جذورها سومريّة وبابليّة فرّسها الفرس وغرّقها الإغريق .. واستمرّ حال عرب الجزيرة وأعرابها ومستعربيها على ذلك الحال , لحين ظهور المصلح الأكبر نبيّ الأمّة الكريم , والتي استمرّت , الفترة , ما بين النبي اسماعيل , وبين ظهوره , صلّى الله عليه وسلّم , ما ناهز الألفي عام تقريباً , أي لحين ظهوره , كرسول , وما أعقب ذلك الظهور , من أحداث , جلّها جسام , سواء أكانت جسامتها ذات مردودات إيجابيّة على النبيّ أو كانت سلبيّة , شملته هو وشملت من آمن برسالته , سواء اوّل من آمن به من الصبيان كعليّ بن أبي طالب , أو الذين أوّل من آمن به من الرجال "أبا بكر وعثمان والزبير بن العوّام وسعد بن وقاص طلحة وعبد الرحمن بن عوف وزيد بن حارثة" , وكانت الأحداث السيّئة التي تعرّضوا لها جميعاً كانت الأغلب , إلاّ أنّها كانت جميعها , بالتزامن مع التثقيف الديني "الجديد" الذي يلقيه الرسول في وعي أصحابه , وخاصّة وعي النساء اللاّئي دخلن الإسلام , ولحين الهجرة الكبرى , تعتبر فترة إعداد مكثّف للجميع , بدنيّاً ونفسيّاً وفكريّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً , ساهمت بإعداد جيل متّقد , أخذ على عاتقه , فيما بعد , بمعيّة الرسول , نشر الرسالة , وجعلته قادراً على تحمّل عبئها الدعوي حتّى بعد وفاته , وكانوا على استعداد تام أيضاً للمواجهات العسكريّة , فيما بعد .. وأولى تلك المواجهات القتاليّة وأهمّها , معركة بدر , وهي كانت الفيصل ما بين استمرار دولة الإسلام الصغيرة "يثرب" وما بين سقوطها , جاءت مبرّرات تلك المعركة المصيريّة التي أتت , من بعد سلسلة معارك "سلميّة" قاد معظمها الرسول بنفسه , ومنها مسيرة "الفرقان" العلنيّة أبان ما كانوا في مكّة , والتي سيّرها الرسول بين أزقّتها باتّجاه باحة الكعبة , بعد دخول الإسلام مباشرةً عتلّ قريش وطاغيهم عمر بن الخطّاب ..


كان "جيش" النبيّ قد خرج لمصادرة أموال وبضاعة قافلة "العتلّ" أبا سفيان , كنوع من , المعاملة بالمثل , بعد مصادرة قريش أموال وممتلكات المهاجرين المسلمين , ولم يهيّئ ذلك الجيش , وهو متكوّن من جميع الرجال ممّن أسلم وهاجر إلى يثرب ومتكوّن مِن مَن ناصرهم من رجالها , ولم تكن قابليّات ذلك الجيش الذي قاده النبيّ , اللوجستيّة , تسمح له بأكثر من غزو قافلة من حجم قافلة لأبو سفيان .. تطوّرات تداعيات محاولة غزو القافلة , واتّخذت مساراً لا تحمد عقباه على المسلمين ! , فقرّر النبيّ تغيير دفّة الاتّجاه , مضطرّاً , تحت تهديد غزوه في عقر داره في المدينة إذا ما هرب أمام عظمة وقوّة جيش قريش المتّجه إليه بعد استنجاد أبا سفيان بهم , لكنّ أبا سفيان لم ينتظر النجدة , بل بذل أقصى ما لديه من حذر ومن دهاء لمخاتلة المسلمين والإفلات من قبضتهم , وقد كاد أن يسقط بالعير جميعاً في أيدي المسلمين وهم يحثون الخطى خلفه لكن الحظ أسعفه , والتقى بمجدي بن عمرو فسأله إن كان قد أحسّ بأحد , فجاوبه , ما رأيت احداً أنكره , فقط راكبين أناخا في هذا التل , أشار له بإصبعه , ثم استقيا في شأن لهما وانطلقا , فأتا أبا سفيان إلى مكانهما , وتناول بعرات من أثر الراحلتين ثمّ فتّها بيده فإذا فيها النوى ! فقال والله هذه علائف يثرب ! ...


المواجهة أصبحت لا بدّ منها بالنسبة للمسلمين , أمّا قريش فقد اعتبروها فرصتهم الذهبيّة لوأد دعوة محمّد ... تقابل الجيشان , من بعيد .. وارتعب المسلمون أوّل الأمر بعدما رأوا ضخامة جيش قريش , فتوجّه النبيّ إلى الخالق بدعوات حارّة وبصوت عالي ارتجف لها المسلمون , واهتزّ لها بدن النبيّ ورجف وسقطت عبائته من على كتفيه فرفعها فوقهما أبا بكر , وسجد النبي توسّلاً , لشعوره الكامل بأنّه يواجه هو والثلثمائة نفر من صحابته , العالم كلّه ويتوقّف على نتائج المواجهة مصير الأمّة , إمّا تكون , أو لا تكون أكثر من أمّة تابعة ومستعبدة لآلاف أخرى من السنين !!! , فهي المرّة الأولى التي يدخل فيها هو وأصحابه المسلمين معركة يواجهون بها جيش جرار , فالمسلمون لا ناصر لهم سوى بعضهم البعض ! , وقريش لهم "الأحزاب" ولهم الفرس ولهم الروم ولهم اليمن , وأسلحة محمّد وصحابه تكاد تكون سلميّة مقارنةّ بأسلحة قريش ! , هي في القياسات الحربيّة العلميّة تعتبر بمثابة حرب "ورطة" على لمسلمين , بنص القرآن الكريم ( كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ . وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهون . يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ! ) الأنفال . 5 ـ 6 , فالرسول لم يحضّر لها إطلاقاً ولم يدر بخلده ساعة خروجه من يثرب أنّ القدر سيقوده "إلى ما لا تحمد عقباه" ! .. صبروا وصمدوا , .. فانتصروا , بعد إيمانهم بالله , تحت وطأة "يا روح ما بعدك روح" , فكان النصر , وكان ذلك النصر , بعد بضعة عقود من السنين , نبراساً لقائد مسلم عبر بسفنه "جبل موسى" من جهة "المغرب العربي" واستقرّ هو وجيشه على أطراف أقصى جنوب غرب أوروبّا , فتحرّكت باتّجاهه جيوش "الجليق" ومن ورائها تسندهم يابسة مساحتها قارّة كاملة , بينما وراء القائد المسلم وجيشه البحر وسفنهم .. !! , فأحرق القائد السفن ! فلم يبق لهم من نصير سوى بعضهم البعض !! فانتصروا تحت وطأة "يا روح ما بعدك روح" !! ..


الزمن عاد بالعرب القهقرى نحو الظلام والجهل , وتحديداً منذ السقوط المزدوج "سقوط بغداد" على يد "هولاكو" وسقوط الأندلس على يد "الجليق" , وتغلّفت عقولهم وتفحّمت , وهبطت معنويّاتهم تحت الصفر وتجمّدت , وتراجع فهمهم للدين الصحيح إلى الحضيض , كما نرى ذلك اليوم في بلاد فارس وفي العراق ! وعاد العرب جاهليّتهم الأولى بعد أن كثر فيهم أمثال النظر بن الحارث وتكاثروا , وبعد أن تعمّموا من منطلق الوجاهة الاجتماعيّة ! فكثر "الطناطل" و "السعلوّات" وأخبار الموتى واحتمال عودتهم ! يعني بات الموت هو المنتظر لإنقاذ الأمّة! وذلك قاع الظلام ! , وتراكمت الأحداث العالميّة فيما بعد , أو تراكمت بالتزامن مع فقدان الوعي , ثمّ ومع نبض عودة الوعي ثانيةً وإن على شكل "أحاديّ الخليّة " وإن على شكل بكتيريا أميبيّة , تعرّض العرب لعوامل الفرز والانتقاء لمن هو الأقوى , وانبلجت آيديولوجيّات مختلفة , عوضاً عن الدين , أو هي أديان ولكن بمصطلحات جديدة , ومنها القوميّات , وتراكمت الأحداث الجسام , سواء على المصلحون من المسلمين أو على جموعهم , وكانت الأحداث السيّئة الجسام على العرب أكثر بكثير من الحسنات , وبدأت بشائر الوعي تدبّ في الجسد العربي مرّةً أخرى , وكثر أعداد مثقّفو الأمّة , ولعلّ أهم شعار رفع برأيي , مع بدايات محاولة رفع عباءة التخلّف عن الوعي , شعار "الأمّ مدرسةً , إن أعددتها , أعددت شعباً طيّب الأعراقِ" ..! .. ونهضت المرأة , وأصبح أعداد المثقفات في المجتمع العربي أكثر أعداداً من الرجال , وبمستوياتهنّ العلميّة أعلى بكثير , "العراق تراجع بعد أن كان الرائد في المستوى العلمي المتقدّم للنساء ومنهن من أصبحن أخطر النساء في العالم .. على الغرب !!" ولنتركه ونلتفت لباقي أنحاء الوطن العربي , والمرأة , هنا , هي القلب في بداهة "حتميّة التاريخ" ! .. وبعد أن كانت أمّهات قادة نهضة الأمّة من الأمّهات "الأمّيّات" , أصبحن نساء العرب كلّهنّ قائدات ذوات درجات علميّة عالية يربّين أجيالاً من الرجال القادة على مستوى عالي , من المثقفين ومن العلماء وبأعداد كبيرة جدّاً , وهنا موطن الخطورة التي تكمن على الغرب ! , ومصر "حسني" مليئة بنسب عالية من النساء العاليات التعليم , بنيت قاعدتها العلميّة الكبيرة في الحقبة الناصريّة , وأمر من هذا النوع يكون نشاز مع حكم كحكم حسني الفرعوني السلطوي المتخلّف والتي لا تتناسب قيادته المنحطّة والوعي العالي للفرد المصري , لولا الغرب ! ولولا "إسرائيل" ولولا ثروات أعراب نفط الصحراء المتخلّفون وثرواتهم التي تملأ بطون خزائن سويسرا والغرب ..


بعد ثورة شعب تونس العظيم , جائت ثورة العرب الكبرى ثورة شباب مصر الواعي المثقف , نساءاً ورجالاً , مثقفات عاليات الفصاحة والمنطق واثقات النفس لا يهابنّ كلمة قد تتعثّر , ومثقفون متربّون أعلى التربية البيتيّة الواعية والعلميّة , خرجوا و "شعللوها" بعدما شباب تونس "ولّعوها" ! كانت وجهتهم معلومة ؟ قافلة عتلّ مصر لمصادرتها لإطعام الروح لقمات من الحرّيّة المصادرة من قبل الفرعون وعائلته وأقرباءه وأعوانه , ولإطعام البطون الجائعة بلقيمات مصادرة من قبل الفرعون وأعوانه وعائلته وأقربائه , مسيرة شباب "التغيير" و "الإصلاح" لملأ وعاء الروح ولملأ البطون , اتّجهت وجهةً اخرى غير مخطّط لها بعد هروب "أبا سفيان" بالقافلة"! , فشعر الشباب المصريّ أنّه قد أصبح وجهاً لوجه أمام وطأة "مجبرٌ أخاك لا بطلُ " ! , ولأوّل مرّة , ومنذ معركة بدر ! , وأصبحت المسيرة المعبّأة لمواجهة بمستوى قافلة , والغير معبّأة لوجستيّاً لمواجهة ستطول ربّما أسابيع طويلة أو حتّى أشهر ! , خاصّة مواجهة نوع من الطغاة يقف ورائهم العالم كلّه ! أعراباً وجليق وغال وأحباش ! , من أقصى أعالي فنلندا والسويد والنرويج شمالاً , إلى أقصى أثيوبيا وجنوب أفريقيا جنوباً , ومن عراق سِيدِي "جَلَوْلَوْ" حارس البوّابة الشرقيّة , شرقاً , إلى سيدي بن "دي في دي" ولد ديدي موريطانيا وسيدي بوسعيد ولد حميد أمير المؤمنين الحسن السادس قدّس الله سرّه ,غرباً .. شباب مصر وجدوا أنفسهم , وهم في ساحة ميدان التحرير والشهداء , لا معين ولا سند ولا مموّل لهم , بعد الله , سوى بعضهم البعض , وأدركوا جيّداً أن مصير الأمّة ومصير العالم بأجمعه ستقرّره نتائج هذه المواجهة , فقد أدركوا تماماً أنّهم أصبحوا وجهاً لوجه أمام طاغية ليس له مثيل في البطش وفي حبّ السلطة والتسلّط , يقف وراءه من خلفه مسانداً جدران اسمنتيّة من الطغاة الذين لا يعرفون معنى للرحمة , يجدون في تابعهم حسني , أمنهم وأمانهم وثرواتهم ! بينما يقف شباب مصر , مرغماً , عاري الصدر بلا سلاح سوى سلاح الإيمان بوطنه وبحقّه بأن تكون دولته ذات شأن عظيم بين الأمم لا تابعة لدويلة صغيرة مصطنعة ! فقد أدرك الثائرون الشباب أن لا تمويل لهم سوى ما يموّلون ذاتهم بذاتهم معتمدين على وعيهم وفراستهم وصبرهم المتراكم من الصبر على الجوع وتمارين الصيام والقنوت والدعاء وحب الوطن وشعور عالي من الإدراك الكامل بعمق جذورهم الممتدّة لسبعة آلاف عام من الحضارة والرقيّ , ويا ليتهم يدركون أيضاً أنّ جيش مصر هو ليس لهم سوى متربّص بهم ساعة اليأس الأميركي ! فهو ليس ذلك الجيش الذي كان يحمي حمى مصر والأمّة , بل جيش متهيكل أميركيّاً منذ أن رهن السادات المقبور مصر وأتبعها للغرب , فهو جيش "النجم الساطع" ألا نتذكّر "مناوراتها" ! ..


شباب مصر لا خيار لهم سوى المواجهة بعد أن أحرقوا جميع السفن ورائهم , هم يدركون كامل الإدراك تلك الحقيقة , فلا تراجع ولو خطوة واحدة , فهم يدركون جيّداً أن أيّة خطوة يخطونها إلى الوراء تعني هزيمتهم الكاملة ستبقى مصر على أثرها ومن ورائها الأمّة العربيّة آلاف من السنين لن تقوم بعدها للعرب قائمة , وسيتعرّض شباب مصر الثائر إلى الاعتقال والتعذيب والتصفية وسيطاردهم حسني من بيت الى بيت ومن زقاق لزقاق , وسيلاحق الناجون منهم وسيحضرهم من بلدان المهاجر عنوةً وسيجد من يتعاون معه على مثل هذه الجرائم ألف سويد وسويد ! وسيتعرّض الجميع إلى عقوبة الخيانة العظمى وتعريض أمن الوطن للخطر ! فعقوبة هذه التهمة الإعدام ! وسيعمّ الظلام مصر ومن حول مصر , فمتسلّط مثل حسني يمثل قاع العتمة والظلام والاستبداد والاستعباد , ألم يقتل "فرعون الأب" كل مولود خوفاً من أن يكون من بينهم من يقوّض أركان عرشه !..

 

 





الاحد٠٣ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة