شبكة ذي قار
عـاجـل










3- في بعض الاحيان يلجأ البعض للبحث عن مبررات للتقصير المتعمد ( التعمد أقصد منه هو الرضى بقبول حالة الكسل والتراخي أمام التجدد والانبعثات ) ففي رأي و الذي لا يتفق مع الرأي الذي يقول إن الاخلال بالتوازن بالعملية التربوية داخل الحزب كان بسبب ترسيخ نموذج النهضة القومية العربية في العراق الذي بناه الحزب,وذلك لان أولى هذه المعطيات في النموذج وهو خلق الانسان البعثي في الفكر والسلوك وقد يكون في المراحل اللاحقة الحزبية أي بالمحصلة النهائية .

 

لكن السبب الحقيقي أيظاً في تراجع دور المثقف هو قفز بعض العقليات الى مراكزقيادية في الحزب بحكم المرحلة والتي لا تستطيع أن تعيش الثقافة وأن تتحسسها وبالتالي تَخَفَتْ وراء متطلبات الضرورات الكفاحية ولم تكتفي بذلك بل شيعت مفاهيم التخصيصية في النشاط الثقافي وهذا ما خلق بون في اللغة الرفاقية,بين عضو يتحدث عن تقدم المهمات القتالية وأخر عن ضرورات الثقافة,وأيظاً ظهر تباين كبير في مجال الثقافة وحتى على مستوى القيادات المختلفة,فكان من الضروري الالتزام بمبدأ أن يكون لكل مستوى قيادي الحد الادنى من ثقافة مستواه والتي كان لابد من تحديدها وبوضوح تام بفقرة تنظيمية مثلاً.

 

إن هذه السلوكيات لبعض الذين اصابهم كسل وترهل الثقافي لحصولهم على مكتسيات ذاتية جعلتهم ينظرون للنشاط الثقافي بأنه أحد أسباب لاستهلاك الجهد الحزبي,ووضع العملية الثقافية في أُطرالترف النضالي بل أعتبارهامن الشكليات النضالية وتعاملوا مع الانشطة الثقافية بلغة ألأرقام وجعلها كإسقاط فرض فقط ,وساعد هذا التوجه على تحريف الثقافة الحزبية بالاتجاه الذي يخدم تبؤ وتصدرلغة البندقية على حساب لغة الفكر والثقافة. وبالتأكيد للكفاح المسلح وحمل البندقية ضرورات تحتمها المراحل ولكن أن تكون بدون وعي لثقافة المعركة والدراية الكاملة بالخطط السوقية والستراتيجية والتي يبصرنا بها الفكرنكون قد ساهمنا في رفع مستوى الامية بالنظام الداخلي للحزب ودستوره من خلال عدم المعرفة بحقوق وواجبات المنتمي,وهو في نفس الوقت لا يرتقي بالمناضلين لمستوى التحديات أسباباً ونتائجاً,وبالنتيجة سوف لا تتوضح لدى المقاتل طبيعة الصراع الذي يخوضه وحقيقة ثورته وأنتفاضته وبكل أشكالها سواء في الدفاع عن مكاسب ثورته أو مقاومةالاحتلال والتي أستوجبتا حمل البندقية,إن المبادئ المأخوذة من سياقات الحياة العسكرية, بإن القيادة العليا تخطط والقواعد تنفذ, قد تصح بعضها في النظرية التنظيمية ولكنها لا تشتغل مع النظرية الثقافية لان الوعي الثقافي يجب ان يكون واحداً لكل المنتمين لخلق تجانس فكري قادر أن يعكس وحدة الحزب الفكرية. وبهذا الصدد يمكن الاستعانة بملاحظة القائد المؤسس (رحمه الله) حول دور الفكر في توجيه البندقية فيقول: ( فالثورة ليست فقط في حمل البندقية وإنما هي يقظة وتفتّح وإنماء في الشخصية، في الحرية وفي امتلاك الإرادة، في السيطرة على ظروف هذا العصر المعقد الذي يتطلب إلماماً بالفكر والعلم وبالفنون وبضروب القتال والنضال على اختلاف أوجهها وأشكالها.)(2) .

 

إن القول بتقدم البندقية على القلم أو الكفاح المسلح على الثقافة بحكم طبيعة الظرف الذي تعيشه الثورة ومتطلبات أمنها,أرى فيه تجني على العملية النظالية برمتها,فشعار للقلم والبندقية فوهة واحدة هو أصدق تعبيرعن تكامل نضالية الاحزاب الثورية والتي لا تقبل أبداً بالفصل بينهما أو تعليق العمل بها,وأن الاكتفاء بترديده فقط في الخطابات السياسية يؤثركثيراً في مسيرة الثورات ومصداقية أحزابها لما له من فعل نضالي كبيرفي تقديم النموذج الحزبي في المجتمع المحلي أو الدولي. وأن وضع أٌسس لتقويم أية تجربة أو محاولة نقدية جريئة بحيث تكون الاحكام أو النتائج لصالح أصحاب الراي بتأجيل البناء الايديولوجي للمناضلين والاكتفاء ببعض الاطارات الثقافية كالندوات والدورات والتي أصابها ما أصاب الكثير من الممارسات النضالية من الرتابة,يكون ظلماً وتجني على الحزب ويعكس صورة غير حقيقية عن الهوية الثقافية للحزب..وقد شُيَعَ عن أن الاحزاب الشيوعية وبالخصوص العربية منها بإنها تعني بالثقافة وبشكل مبالغ فيه و يفوق حقيقة الامر,بالرغم من توجهها الجدي لبناء أعضائها ثقافياً,ولكننا عندما دخلنا في حوارات معهم وتحققنا من قدراتهم الثقافية,شعرنا بإننا بالفعل حزب المثقفين وذلك من خلال إقتحامنا للفكر الماركسي والماركسي اللينيني وبحجج عقائدية قوية وبنفس الوقت نَتَثَبْتْ على الارضية الفكرية للنظرية القومية الاشتراكية,وبالمقابل محدوديتهم بالنظريات القومية في العالم الثالث ويسبقه رفض لمناقشتها وهذا الامر يجعلهم وخاصة في مجتمعات دول العالم الثالث ناقصي المعرفة وثقافتهم عرجاء.

 

وبقوة أكثر كنا مع بعض الاحزاب والتيارات القومية خاصة الكردية عندما كنا نطرح مفهومنا للقومية ونزاوجها بالعدالة الاجتماعية ونخرجها من محيطها المحلي الى محيطها الانساني,وبالمقابل كانوا يصرون على الانغلاق والتكور حول مفاهيمهم القومية بحجة تنضيج هويتهم القومية وكنا نحذرهم من إطالة البقاء في هذه المرحلة الخطرة والتي ستحولهم الى الشوفينيةو اليوم يجنون ثمرات أخطائهم في أيديولوجيتهم العنصرية بمحاولتهم للانفصال عن العراق وسعيهم لاعطاء كل شئ للاجنبي المحتل من اجل تحقيق أهدافهم بتمزيق العراق والهروب الى المستقبل في إقامة كيان غير مقبول إقليمياً ولا دولياً ولاحتى من قبل جماهيرهم, لان هذه الجماهير تعتز بوطنيتهاوبإنتماءاتهالدولها في المنطقة, ولكن لهذه الأحزاب تطلعات تسلطية عشائرية أكثر من كونها جماهيرية,ولذلك حالة الافتراق بين هذه الاحزاب والجماهير مسئلة وقت لا اكثر واقل .وكنا سعداء في حوراتنامع الجميع ,ولو سنحت الفرصة التأريخية لنا سوف نذكرهم بتحذيرنا من البقاء فكرياً في محطة بناء الهوية القومية,والحقيقة لم نكن نشعربأن هنالك من ربح أو من خسارة في هذه الجلسات الحوارية, بل الهدف كان من نجح في أيصال فكره للاخر,وفي كل يوم كنا نزداد فخراً ببعثيتنا وفكر البعث الخالد,كان زمنناً صحيحاً وحلوُ بالنسبة لنا,ساهمت ظروفه الموضوعية الثقافية في تنمية الكثير من ثقافتنا وأعطتنا الكثير من الخبرة في إدارة الحورات و النقاشات. علهم وخاصة في مجتمعات دول العالم الثالث ناقصي الثقافة وثقافتهم عرجاء من خلال صدق وعبقرية الاباء البعثيينخالد شامل ليس بالاحتواء الذي ذكرته فقط كنت أروم منه أن أقول أن فكر البعث الخالد شامل ليس بالاحتواء كما فسره البسطاء السذج بل شموليته في إستيعاب الواقع العربي والانساني من خلال صدق وعبقرية الاباء العقائدين للبعث وفي مقدمتهم المفكر الكبير الاستاذ ميشيل عفلق في نسج الفكر البعثي.هذه هي قوة البعث والمتمثلة في تفاعله مع الكل وبدون إستثناء بالفكر واليوم بالتجربة.


قد تكون العملية الثقافية قد تلكئت وبشجاعة والجرءة البعثية أقول تعثرت للاسباب التي ذُكرَتْ بعض منها ولكن الاخطر تحولت عملية إعداد المناضلين أيديولوجياً  في بعض جوانبها الى تلك الشبيهة بإعداد الكوادر القياديةو الادارية في الدولة سواء في فلسفتها أو في طرقها ونتائجها,وبذلك  أدى ذلك بالعملية الثقافية في الحزب الى ان  تضعف و تتشوه من تاثيراتها الايجابية لبناء أو إعادة بناء الاسس الثقافية في مؤسسة ثورية كالحزب و التي هي من الضرورات النضالية لذا تعدعملية التثقيف الحزبي والتي يجب ان تتضمن التثقيف العقائدي والتثقيف العام أن تكون أولى المهمات النضالية وليست الوحيدة,فالحزب الذي لديه رسالة لابد أن يكون مناضلوه واعين ومدركين لماهية القتال والمجابهة,فإذا كان المنتمي للحزب يعرف ومقتنع بحقيقة الصراع ستكون البندقية التي بين يديه أقوى من فعل البندقية القتالية,فالمزج بين الوعي المتأتي من الفعل الثقافي وبين الحماسة والمشاعر الوطنية والقومية تُكَونْ بالمحصلة خلق مناضل قوي لا يتردد ابداً في خطواته للوقوف ضد كل أنواع التأمر على الوطن والامة..


و بالمناسبة أن مهمة حزبنا الاساسية هي ليست قتاليةفقد يكون في ظرف قتالي ولكنه بعد ذلك يعود لإداء مهمته الاساسية في كونه حامل رسالة ويهدف لتحقيق أهداف أمة عظيمة,بمعنى أدق ليست من مهمات الحزب الاساسية إعداد مقاتلين بل إعداد مناضلين أيديولوجين ومثقفين مقتدرين,ويقول  المفكر العربي الكبيرالاستاذ ميشيل عفلق(رحمه الله): (إن الحزب اعم واشمل من العمل القتالي بلا شك. حزب الثورة العربية له مهام متعددة واسعة تتناول جميع النواحي الحياتية العربية في السياسة والثقافة والاقتصاد والتربية والاجتماع والحرب والقتال وكل شيء.)(3). فالضروف القتالية في المعارك التي تواجه الحزب قد تعتبر طارئة نسبياً للدور الرسالي للحزب كحزب البعث,وأن كل المظاهر المسلحة التي صاحبت وتصاحب العمل الحزبي ,لاتستطيع أن تعبر عن الهوية الحقيقية للحزب السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية,وهذا لا يعني تحريم مجابهة الاعداء بالقوة المسلحة أبداً ولكن الخطر أن يستقر الحزب على الحالة القتالية أكثر من متطلباتها وخاصة بعد تحقيقه الأهداف الستراتيجية, لان ذلك سيؤثر في كيفية نشوء الاعضاء وسينعكس على توجهات الحزب الاساسية.إنه دور القيادة الناجحة في تحديد وقت المغادرة والكيفية التي بها تكون المغادرة.

 

(2) حديث مع أعضاء الوفد الرياضي والفني لجبهة التحرير العربية في2951980.
(3) من حديث للأستاذ ميشيل عفلق ألقي 16كانون الثاني 1970

 

 





الثلاثاء٠٤ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة