شبكة ذي قار
عـاجـل










نحن الكتّاب- وأخُص المعارضين للإحتلال وإفرازاته من العملية السياسية وغيرها- لاهم لنا ولا يشغلنا غير أن نتسقط هفوات أولئك المنخرطين في العملية السياسية في العراق ومن يلف لفهم دون أن نقف يوماً لنرى إن كنّا منصفين لهم أم لا، وإن كنّا قد أعمانا التعصب لمبدأ رفض الإحتلال عن رؤية المنجزات الحضارية التي تقوم بها حكومة الإحتلال إن وجدت- أو أن نجد لهم العذر في حال قد أخفقوا في تقديم شيء يذكر...


فهؤلاء "الرجال" يواجهون تحديات غير مسبوقة ويخوضون حرباً شرسة وعلى أكثر من جبهة،،، فهم يحاربون المقاومة العراقية الباسلة التي أجبرت سادتهم على الركوع، وبكل ما أوتوا من قوة وحيلة ودهاء،،،ويقاتلون "البعثيين" و"الإسلاميين" ويحبطون خططهم "الشريرة" لتحرير الوطن من محتليه الذين تفضلوا على العراق بإعادته إلى الحضيرة الدولية بعد أن عزله عنها "النظام السابق"- ولكنهم وهم يعيدون العراق إلى موقعه الدولي المرموق بدأوا من نقطة الصفر- أي بذيل القائمة فأحتل العراق في عهدهم مراكز متقدمة في الفساد والجهل وتفشي الأمراض وسوء الخدمات- وهم معذورون في هذا فلكي نعرف أهمية العافية ونذوق طعمها علينا أن نتذوق شدة المرض ومرارته ولكي نعرف حلاوة الكرامة والعزة الوطنية علينا أن نجرب تلقي الإهانات ونظرات الإحتقار في كل النقاط الحدودية التي يحلم العراقي أن يمر بها وإن كان العراقي غير معذور في مغادرة بلده. ففي العراق ينعم الناس بالأمن والحرية والديمقراطية ويتقلبون بين نعيم الموبايل وبركات الصحون الفضائية اللاقطة التي حرمهم منها "النظام الديكتاتوري" والناس في عراق اليوم يستطيعون أن يشتموا من يشاؤون من المسؤولين دون أن يحاسبهم أحد- شرط أن لاتكون لهذا المسؤول مليشيا أو حماية حزبية معينة، وأن لا يكون مسؤولاً عن إدارة سجن من السجون السرية التي أنتشرت بكثرة في العراق بعد أن إزداد عدد الإرهابيين والتكفيريين والصداميين والمجتثين والمقاومين والأبرياء الذين يضعهم سوء حظهم في طريق قوة أمنية تبحث عن فريسة. ولقد سعت الحكومة جاهدة وهي تحاول أن تقدم مختلف أنواع الخدمات إلى تجهيز سجونها تلك بآخر مبتكرات التعذيب اليدوية والكهربائية لتضعها بين ايدي أفراد مليشياتها المسؤولين عن تلك السجون،،، وهي تقدمه مجاناً لزبائنها وحتى بدون رسوم خدمة.


وهم يعتقلون كل يوم رؤوس الإرهاب الدولي والإقليمي من زعماء القاعدة والتكفيريين وغيرهم ويصدرون البيانات بإسمهم لتتحمل تلك الجهات مسؤولية الجرائم بدلاً عنهم! فقد بلغ عدد زعماء القاعدة وأمراء دولة العراق الإسلامية ووزرائها الذين أعتقلتهم "الأجهزة الأمنية" عدداً يصعب حصره مما أدى إلى أن تعلن القاعدة أو أن توشك أن تعلن عن إستسلامها للمسؤول عن خطة أمن بغداد،،، ولن يكون اليوم الذي يلقي به هذا المسؤول القبض على أسامة بن لادن بعيداً إذا أستمر بنفس النشاط الإعلامي المحموم تدعمه الفضائيات "العراقية" و"العربية" وغيرها، وربما سيتم ترشيحه لجائزة نوبل للسلام،،، فجائزة مثل نوبل للسلام نالها من قبله السادات وبيغن وشمعون بيريز وإسحاق رابين لن تكون بعيدة عن متناول ضابط مثل هذا "الشريف" الذي طهّر المدينة من الأشرار وعلى الطريقة الأمريكية، أو ربما ستمنح لسيده المالكي!


لم يكن العراقيون من قبل يعرفون مساوئ القاعدة، فعرفوها، ولم يكونوا يعرفون الحرب الطائفية فذاقوها، ولم يكونوا قد جربّوا آثار السيارات المفخخة- إلا ذلك العدد المحدود جداً الذي فجّره عملاء إيران في بغداد في ثمانينات القرن الماضي- فجربوها واكتوت بيوت العراقيين بنارها وبضحاياها. ولم يعرف العراقيون وفي أشد أيام الحصار الجائر الذي فرضه الغرب على العراق ووقف كل العرب متفرجين يحصون ضحاياه من الأطفال والشيوخ والمرضى، نقول لم يعرف العراقيون حتى في أحلك أيام الحصار السوداء الموت جوعاً بفضل من الله الذي هيأ لهم من كان يوصل الحصة التموينية شهرياً وبأنتظام لهم وإلى كل بيوت العراقيين- فعرفوا الآن الموت جوعاً كما بدأوا يعرفون الموت قهراً وظلماً وجوراً وتقتيلا. وكان مستحيلاً على العراقيين أن تنتهك حدودهم ، وكان عادياً أن تقطع يد من يتطاول على العراق بأي وسيلة كانت، ولكن العراقيون الآن يرون حدودهم تنتهك وقراهم تقصف وكل من هب ودب يعيث في أرضهم فساداً دون حساب، عدا بعض التلميحات الخجولة من قبل الحكومة المنشغلة بتصريف الأموال- عفواً الأعمال. واصبحت المخدرات وأشرطة الفسق والتعري سلعة تباع بالعلن.


لم يعرف العالم نفطاً يُصَدَّر دون عدادات ولكن عراق الإحتلال وإكراماً لعيون الأمريكان وعملائهم أبتكر هذه التقنية الرائدة وأصبح النفط العراقي يضخ دون حساب،،، ويباع في الأسواق باسعار تقترب من سعر تراب الصحراء. كان العراق يبيع نفطه بخصومات في السعر لأشقائه واصدقائه دعماً لصمود في وجه عدو أو تشجيعاً لموقف يعز الأمة، والآن تبيع حكومة المالكي العتيدة نفط العراق بخصومات كبيرة لعدو الأمة الأول ومن أحتل العراق ودمّر بنيته التحتية وقتل وشرّد أبناءه، ولمن حاصره طوال عقد ونصف من الزمن ليعرقل نموه وليقتل خيرة رجاله... حكومة المالكي تبيع نفط العراق بالأسعار التفضيلية لمن سرق العراق وتآمر عليه، ولمن يقف خلف مخطط تدمير العراق الواحد وتقسيمه، وياله من إنجاز.


ولكن حكومة المالكي لها عذرها، فهي مازالت في مرحلة بناء المؤسسات الديمقراطية في العراق ودليلنا أن تدوين كتاب إستقالة الحكومة المنتهية ولايتها مازال جارياً رغم إنقضاء اكثر من مئة يوم ونيف على مسرحية الإنتخابات، ومازال "دولة رئيس الحكومة" متردداً في تسليم "الأمانة الديمقراطية" لخلفه خوفاً من ضياعها ومن ضياع منجزاته الكبيرة، ومن عدم كون الخلف وفياً لخطة السلف في البناء والإعمار الذي سيبدأ في ربوع العراق حال إنتهاء الحكومة من هدم كل ماهو قائم من مخلفات النظام السابق،،، فحتى الشوارع والبنايات والمدارس والجامعات والمصانع والوزارات هي صدامية يجب تدميرها وأجتثاثها من الجذورأولاً كي يعاد بناءها حرة وديمقراطية!


ولاندري لماذا يركز منتقدو حكومة المالكي على ملف الفساد! فالفاسدون هم الذين يسرقون دون علم الشعب، ولكن المتنفذين في حكومة المالكي يسرقون علناً ونهاراً جهاراً، بل ويسطون على المصارف بمساعدة الدولة وأجهزتها الأمنية المكلفة بحمايتها، فأين الخطأ في ذلك؟ إنهم كانوا طوال سنين الحكم البعثي في العراق يناضلون خارج العراق في فنادق الدرجة الأولى والممتازة في باريس وواشنطن ولندن وسوريا يتلقون المنح من الدول "المانحة" وهي كثيرة، ويزّورون العملة العراقية ويعقدون المؤتمرات، مما لم يرف له جفن النظام حينها، والآن هم في السلطة فلماذا نستكثر عليهم بضعة ملايين من الدولارات وبعض البنايات في لندن وقليل من الشقق في دبي مارينا؟ ألم يناضلوا هم في سبيل كل هذا؟


وبعد كل هذه المنجزات- وهذا غيض من فيض- لماذا نُصرُّ على توجيه خناجر نقدنا للمالكي وحكومته؟ دعونا ننصفهم قليلاً- فذلك أقسط عند الله وأقوم للشهادة.

 

 





الثلاثاء١٠ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أمير البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة