شبكة ذي قار
عـاجـل










ما مدى شرعية بقاء النظام السياسي إذا امتلك أكثرية برلمانية لكنه مرفوض شعبياً؟

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 حكومة نتنياهو تشكلت سنة 2022، بعد أربع سنوات من أزمة سياسية داخلية أدلى خلالها الإسرائيليون بأصواتهم في خمس جولات انتخابية. وأفضت نتائج الانتخابات الخامسة إلى تشكيل حكومة تعتبر الأكثر تطرفا في التاريخ، بعد حصولها على 64 مقعدا من أصل 120 في الكنيست الإسرائيل، أي بأغلبية مقدارها 4 مقاعد فقط. الحكومة الجديدة جمعت ائتلاف من أحزاب تعرف باليمينية واليمينية المتطرفة، وعلى رأسها حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو الذي حصل على 32 مقعدا في الكنيست.

لم يمض سوى وقت قصير على تشكيلها حتى فقدت حكومة نتنياهو ثقة الشارع الاسرائيلي بسبب فشلها في التعامل مع قضيتين رئيسيتين، الاصلاحات القضائية والحرب على غزة. وبعدما شغل منصب رئيس الوزراء لأطول فترة في تاريخ إسرائيل بلغت 16 سنة ترى وسائل الإعلام الإسرائيلية أن المسيرة السياسية لنتنياهو قد تنتهي الى الفشل إذا خلصت لجنة تحقيق حكومية إلى أنه يتحمل المسؤولية عن سقوط قتلى في عملية طوفان الأقصى. كما يرى معارضون لنتنياهو أن الانقسام الذي أثاره داخل المجتمع بمشروعه لإصلاح القضاء سينقلب ضدّه في أي مسائلة قانونية بالمستقبل، ناهيك عن تورطه في أربعة قضايا فساد سابقة قد تؤدي به الى السجن.

من ناحية ثانية فان الحرب على غزة باتت نتائجها محسومة بعد مرور حوالي ستة شهور عليها دون تحقيق أي هدف عسكري يذكر. وبوادر هذا الفشل اعترف بها مؤخرا رئيس الأركان هليفي بشكل غير مباشر حين ذكران هذه الحرب صعبة ولا زالت تحتاج الى وقت طويل لتحقيق أهدافها. وبذلك فهو يحاول أن يرمي الكرة على القيادة السياسية لاتخاذ قرار انهائها. على العكس من ذلك فان نتنياهو متشبث باستمرار هذه الحرب لأنه يعلم جيدا أن توقفها تعني نهاية حكمه في السلطة.  وهو يحاول تبرير تمسكه بالحكم تحت حجج واهية مثل المحافظة على وحدة الصف الوطني وتجنب اجراء انتخابات مبكرة في الوقت الحاضر قد يصاحبها توقف الحرب وخسارة اسرائيل لها. لكن هذه التبريرات لم تعد تجد صدى كبير لدى الشارع الاسرائيلي بما في ذلك بعض الأطراف اليمينية التي كانت مساندة له في السابق.  فقد ذكر الحاخام اليعازر موشيا وهو من اليمينيين لوكالة فرانس برس " ان نتنياهو خدعنا كنا نثق به لأنه خصص أموالاً للتعليم في المدارس التلمودية لكنه يجب أن يستقيل. لأنه لم يعد صالحاً ليحكم بعد أن ردد علينا مزاعم تبين أنها كاذبة حول جرائم ذبح واغتصاب حصلت للإسرائيليين خلال عملية 7 اكتوبر". كما يقول في هذا الصدد رئيس حزب إسرائيل بيتنا، ليبرمان وهو أيضا من اليمينيين إن الحكومة الإسرائيلية الحالية لم تعُد قادرة على قيادة الشعب، مشيرا إلى ضرورة تشكيل حكومة جديدة. ويشاطرهم في هذه الدعوة الى استقالة الحكومة رؤساء وزراء سابقين أمثال أولمرت ويهودا بارك بالإضافة الى مسؤولين أمنيين قدماء. ولعل أخطر هذه الانتقادات لحكومة نتنياهو ما صدر مؤخرا عن جدعون ساعر وهو وزير يميني في الكابينيت السياسي والعسكري في الحكومة الحالية والذي انتقد نتائج الجيش في معركة غزة بعد أن وصف الجيش الاسرائيلي بالعاجز عن تحقيق أي تقدم يذكر، بل أصبح يراوح في مكانه.  وهذه الانتقادات تعتبر أقوى من تلك التي وجهها قبل أسابيع أيزنكوت وزير مجلس الحرب في الكابينت وتمثل ضربة موجعة لمواقف نتنياهو الذي طالما حاول أن يسوق فيها انتصارات وهمية حققها الجيش الاسرائيلي في غزة. وكدليل على رفض الشارع الاسرائيلي لإدارة نتنياهو الحكم، أظهر استطلاع لصحيفة معاريف الاسرائيلية مؤخرا أن 29% فقط من الإسرائيليين يعتبرون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ملائم لمنصبه فيما تراجع حظوظ حزبه الليكود في الحصول على مقاعد برلمانية من 32 الى 17 مقعدا. وهذه الانتقادات من أطراف سياسية عديدة   تتزامن مع ضغوطات من الشارع تمارسها حشود المظاهرات التي تزداد حدة كل يوم وتطالب صراحة باستقالة نتنياهو باعتباره المسؤول الاول عن خسارة هذه الحرب وتطالب أيضا بانتخابات مبكرة. وقد تركت هذه الضغوطات تأثيرها على تماسك الحكومة الحالية التي أصبحت تعاني من التصدعات أكثر من أي وقت مضى. مما جعل بعض المحللين يعتقدون أن ضغط الرأي العام في الخارج والداخل سوف يصل إلى مستوى لن يترك أمام نتنياهو أي خيار سوى ترك السلطة عاجلا أم أجلا.

وإذا كان نتنياهو محظوظا في تسلم السلطة نتيجة لحصول تجمعه على أغلبية بسيطة في الانتخابات، فان مصيبة السوداني أنه وصل الى الحكم بطريقة فهلوية لا تمت الى العملية الديمقراطية بصلة. فهو لم يحصل سوى على صوت واحد في الانتخابات الأخيرة والكتلة التي تبنت ترشيحه لهذا المنصب وهي الإطار التنسيقي كانت أصلا قد خسرت الانتخابات لكنها ورثت الحكم كتحصيل حاصل نتيجة لانسحاب الكتلة الفائزة في تلك الانتخابات. والانتخابات نفسها وصفت أصلا بأنها غير قانونية لأن أكثر من 80 % من الشعب العراقي قد قاطعها. وإذا كان أزلام السلطة الأوائل قد استلموا الحكم بعد 2003 على ظهر الدبابات الأمريكية، فان قدر السوداني أن يستلم الحكم على ظهر حمار أعرج هو الإطار التنسيقي. وهذا الإطار لا يمتلك قبولا يذكر لدى الشارع العراقي، بدليل النتائج التي أفرزتها الانتخابات التشريعية الأخيرة بغض النظر عن الشكوك التي حامت حولها. ولكي يستغل الإطار التنسيقي هذه الفرصة التي أتيحت له شر استغلال جاءت تركيبة القوى الفاعلة في الحكومة الجديدة خاضعة بشكل كبير لنفوذ قادة الفصائل المسلحة التابعة له. فقد تم على أثرها تعيين وزراء محسوبين على تلك الفصائل أمثال أحمد الأسدي الذي يقود كتائب جند الإمام، ونعيم العبودي القيادي البارز في حركة عصائب أهل الحق وهما فصيلان مسلحان مرتبطان بالإطار التنسيقي ومتحالفان في نفس الوقت مع إيران. وهذا التمثيل للحشد الشعبي المسلح في حكومة السوداني أصبح أكثر تأثيرا على تلك الحكومة من حكومات حيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي. وكالمعتاد مثلها مثل الحكومات السابقة جاءت وعود حكومة السوداني في منهاجها الوزاري عبارة عن ضرب من الخيال. فقد شمل هذا المنهاج على حصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد المالي والإداري، ومعالجة أزمتي الفقر والبطالة، ورفع قيمة الدينار العراقي أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، وإنهاء وجود الجيش والفصائل المسلحة في المدن، وإجراء إصلاحات في القطاعات الاقتصادية والمالية والخدمية. وبعد مرور حوالي سنة ونصف على تشكيل حكومة السوداني، غالبية هذه الفقرات في المنهاج الحكومي تنتظر التنفيذ، الأمر الذي أثار قلق الشارع العراقي في احتمال تكرار سيناريو الحكومات السابقة. علما أن حيدر العبادي سبق وأن حذر السوداني من الوقوع في أخطاء الحكومات السابقة، مقدما بذلك اعترافا صريحا بفشل تلك الحكومات.

 ومن الواضح فان السوداني غير قادر على مغادرة تفكير رؤساء الحكومات السابقين الذي يعتمد أساسا على السعي لإرضاء الكتل السياسية المتنفذة، أو تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية لها. وبذلك فهو يختزل منصب رئيس الوزراء الى مجرد موظفا مطيعا لتلك المافيات الولائية المتسلطة كي تستمر بمنحه صك الغفران بالبقاء في السلطة. وهذا المسار الضيق لرئيس الوزراء يمثل انحرافا كبيرا عن الاهتمام برسم الاستراتيجيات العامة وتحقيق برامج تنموية تصب في مصلحة البلاد.  وعوضا عن ذلك فهو مشغول اليوم بتلميع صورته أمام الناس، فأخذ يصب جل اهتمامه بنشاطات ثانوية مثل متابعة تزفيت بعض الشوارع أو اقامة جسر للمشاة أو انشاء فندق جديد في بغداد، وهي تقع جميعا ضمن اختصاصات أمين العاصمة. وفي هذا السياق عمدت هيئة المستشارين في رئاسة الوزراء الى استغفال الشارع العراقي من خلال نشر نتائج استفتاء أجرته على عينة من الناس لاستقراء آرائهم بخصوص الثقة بأداء السوداني. ورغم أن هذه الهيئة جهة غير محايده ومنحازة لرئيس الوزراء، مع ذلك فان 38% فقط من الأشخاص المشمولين بالاستفتاء صوتوا الى صالح الثقة بالأداء السياسي والخدمي للسوداني.

إن هذه النشاطات الساذجة لا تعفي رئيس الوزراء من الاهتمام بمشاكل اقتصادية واجتماعية أكثر أهمية لبلاد عانت من الاهمال طوال ال 21 سنة الأخيرة. فالاقتصاد العراقي الحالي يوصف بأنه اقتصاد ريعي مريض معتمد بشكل رئيسي على النفط بدلا من تحوله الى اقتصاد استثماري تنموي يستفيد من مصادر اقتصادية بديلة متمثلة بتشجيع الصناعة المحلية والزراعة ومشاريع القطاع الخاص. مما جعل الاعتماد على الاستيراد الخارجي هو المصدر الرئيسي لسد حاجة البلاد. ناهيك عن حاجة البلاد الى معالجة مشكل أخرى مهمة مثل الفساد والفقر وغلاء المعيشة وعودة النازحين عن المدن التي أجبرتهم الفصائل المسلحة على تركها.

 يتضح مما تقدم ان بعض الأنظمة السياسية تسعى الى تعزيز الشرعية الدستورية لبقائها في السلطة بالاعتماد فقط على تفويض يسمح به وجود أغلبية برلمانية يمكن توفيرها عن طريق ممارسة القوة أو الطبخات السياسية القذرة. وان غياب التأييد الشعبي الحقيقي لهذه السلطة اما بسبب انفرادها بالحكم أو لانحرافها عن انجاز برنامجها السياسي، قد يجعلها تلجأ الى وسائل قمعية لإسكات صوت الشعب المعارض عوضا عن تصحيح مسارها الحكومي. وهنا تبرز حالة انعدام لبوصلة الانسجام بين الحاكم والمحكوم وتتلاشى عند اذن شرعية البقاء للسلطة الحاكمة فتتحول الى مجرد عبأ ثقيلا على الشعب لابد من ازاحته.

 






الاحد ١٤ رمضــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أذار / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة