شبكة ذي قار
عـاجـل












في التطبيع مع الكيان الصهيوني،

تناول هادئ في قضية عاصفة

الجزء الثاني

ما العمل

د. محمد مراد

 

 

تمهيد:

في خلاصة استنتاجية لما سجلناه في مقاربتنا التحليلية التي توخينا فيها الموضوعية، للتداعيات السلبية التي أفضت اليها اتفاقات التطبيع مع الكيان الصهيوني بدءا بـ "كامب ديفيد" ١٩٧٩، و"وادي عربة" ١٩٩٤، مرورا باتفاقيات معلنة مع كل من المغرب والسودان والبحرين، وأخرى غير معلنة مع دول عربية اخرى، بعد كل هذه السلبيات الخطيرة التي تركتها المسارات التطبيعية مع الكيان الصهيوني، والتي ستكون لها تداعيات في المستقبل على مستقبل الدول المطبـّعة، والتي في طريقها إلى التطبيع، على كل هذه الدول أن تعتمد كنظم سياسية حاكمة، أو قوى وهيئات سياسية رسمية ومدنية تابعة، مراجعة منطقية لتجاربها التطبيعية مع الكيان الصهيوني الذي يبقى هو المستفيد وحده في توظيف علاقاته التطبيعية مع الأقطار العربية في الاتجاه الذي يستجيب لمشروعه التلمودي في الوطن العربي، والذي يلتقي مع الاستراتيجية الامريكية الساعية إلى قيام شرق أوسط أميركي تقوم بتوظيفه في سعيها للتفرد بأحاديتها القطبية على قمة النظام الدولي للقرن الحالي (الحادي والعشرين).

 

لكل هذه الدول مجتمعة نسابق إلى القول:

1.    إن التطبيع لن يجلب لهذه الدول سوى الهزيمة المعنوية، والانهيار الاقتصادي، والتشظي الاجتماعي، والسياسي. وهنا نضع أمام هذه الدول وثيقة تسربت من دوائر في الكونغرس الأميركي القريبة من الحركة الصهيونية، وثيقة تفيد بأن "اسرائيل" اعتمدت استراتيجية "اسقاط دول الهيكل" وهي إحدى عشرة دولة عربية تشمل معظم الأقطار المجاورة وبعض البعيدة عن فلسطين المحتلة التي تتميز بثقلها، ومع اسقاط هذه الدول تتاح الفرصة المنتظرة للصهيونية لخلق الهيكل المزعوم بعد إلغاء وهدم المسجد الأقصى، وهو مؤذن بدخول الدولة اليهودية التوراتية مرحلة التنفيذ المباشر.

 

2.    إن اقامة الهيكل تدشن لعصر الصهيونية في انجاز دولتها التي حلمت بها منذ المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام ١٨٩٧.  وتهدف هذه المرحلة إلى انهاء التاريخ العربي الإسلامي، أي التاريخ الذي ربط جدليا وعضويا بين العروبة والإسلام في علاقة حياة حضارة ورسالة إلى الإنسانية.

 

3.    على أقطار الأمة العربية أن تدرك أن المحافظة على تراث هذه الأمة وهويتها ورسالتها الهادفة إلى أنسنة العالم على مبادئ السلام والحرية والعدالة والقيم، هو القاعدة الراسخة لقوتها وليس العكس، وان التفريط بهذا التراث هو زلزال يهز ويحطم كل الكيان المجتمعي القائم فوقه ابتداء بالنظام السياسي ومروراً بالدولة، مهما كانت قوتها.

 

4.    على أنظمة الحكم العربي الرسمية أن تدرك أن التطبيع مع الكيان المغتصب لفلسطين هو مسألة مرفوضة نفسياً وثقافياً وفكرياً وإيمانياً ودينياً من جميع أبناء الأمة العربية في كل أقطارها. وأن هذا الرفض سيعبِّر عن نفسه لاحقاً في غير صالحها. 

 

وهنا، نود التذكير بأن التطبيع سيفضي إلى اهتزازات امنية وسياسية وحروب لا تعرف النهاية بين الأنظمة الحاكمة المطبِّعة من جهة، والشعوب المنتفضة على التطبيع من جهة أخرى.

 

5.    إن مستقبل اقطار الوطن العربي من الخليج إلى المحيط لا يكون زاهراً وواعداً إلا بقيام الكتلة التاريخية العربية التي تبقى معقد الرهان على سلامة الأمة العربية وعلى سلامة استمرارها في حمل وتنفيذ رسالتها الخالدة التي خصّت بها كخير أمة أخرجت للناس.

 

6.    إنّ التطبيع العربي الرسمي وغير الرسمي مع العدو الصهيوني لن يكون إلا لصالح الكيان وتثبيته في الوطن العربي وعلى حساب مستقبل الامة وسلامة أراضيها. إن رفض هذا التطبيع المشين بحق الأمة وتاريخها ومستقبلها، والتراجع عنه من قبل انظمة الحكم الرسمية، وصمود الانظمة الأخرى، هو الرفض الذي يبقى السبيل الوحيد لاستعادة الشخصية القومية للأمة العربية ولوجودها كأمة خصت بحمل رسالات السماء، فهي أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.

 

7.    إن صمود الدول العربية بوجه التطبيع لا يتم اعتباطاً أو تلقائياً وإنما يتطلب تقوية وسائل واستراتيجيات تحصينها عبر ما يلي:

•أولاً: تقوية روابطها بشعبها، ذلك أن التفاف القوى الجماهيرية الشعبية حول الدولة وقيادتها يبقى معقد الرهان الأكبر على تحصين الدولة ، نظاماً سياسياً ومجتمعاً مدنياً بكل هيئاته التمثيلية السياسية والنقابية والأهلية.

ثانياً: الاستناد إلى قوة شعبها، ذلك أن التلاحم الشعبي هو ضمانة استراتيجية لتحصين الدولة بتجنيد كفاءات النخب العلمية والفكرية والسياسية. وهناك تجارب عربية ودولية في غير مكان من العالم دلّت على تلاحم الشعب مع قيادته في مواجهة القوى الاستعمارية والاحتلالية.

إن تجربة التحرر الوطني الجزائرية من الاستعمار الفرنسي تقدم برهاناً تاريخياً على تحصين الوطن بقوة شعبه لتحقيق التحرر الناجز من أبشع أنواع الاستعمار الوجودي الذي كان يجثم على الجزائر. وكما جرى مع تجربة الثورة الصينية في التحرر من الاحتلال الياباني، ومع التجربة الفيتنامية في التحرر من الاحتلال الأمريكي. 

ثالثاً: وضع وتفعيل استراتيجيات تضامنها مع بعضها البعض على شكل جبهة متماسكة للتحصين من التطبيع، وهنا تكمن ضرورة قيام الكتلة التاريخية العربية المرتكزة إلى تعزيز وتعميق روابط التكامل الاقتصادي والمعرفي والعلمي والتكنولوجي والاجتماعي.

رابعاً:  وهذا يقتضي وضع الخطط الجادة لتحقيق تكامل العلاقات العربية البينية، لاسيما في مجالات الاقتصاد وتفعيل السوق الاقتصادية العربية المشتركة، وفي مجال التكامل الدفاعي والأمني عن طريق الالتزام بأية صيغة لتحقيق الدفاع العربي المشترك ، حيث تتم الاستفادة من امكانات دفاعية عربية بشرية وتكنولوجية وخبرات عسكرية، والأهم من ذلك الاستفادة من مساحات المجال الجغرافي العربي من حيث الامتداد والتنوع والانفتاح البحري وشبكات الطرق والمواصلات البرية الحيوية.

فما هو دور الجماهير العربية والهيئات المنبثقة منها في مقاومة التطبيع والتحصين من حدوثه، وبالتالي منع تداعياته الخطيرة على مستويي الأمن الوطني للدولة القطرية، والأمن القومي لكل أقطار الأمة العربية مجتمعة؟

 

يتبع لطفاً ...






الاثنين ٨ رمضــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أذار / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. محمد مراد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة