شبكة ذي قار
عـاجـل











 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادخُلِي فِي عِبَادِي وَادخُلِي جَنَّتِي}

صدق الله العظيم

 

ببالغِ الحزنِ وعميقِ الأسَى، وبقلوبٍ مؤمنةٍ بقضاء الله وقدره ينعى مكتب الثقافة والإعلام القومي إلى شعبنا العراقي وأبناء أمتنا العربية المجيدة، العالم العراقي الجليل والمربّي الفاضل والمناضل الجسور، الأستاذ الدكتور عامر شاكر محمود الهاشمي، الذي ارتقى إلى عليين هذا اليوم الثامن عشر من شباط 2024 شهيداً للغربة، صابراً ومحتسباً،  بعد رحلة معاناة طويلة بعيداً عن ثرى العراق الطاهر، رغم رحلة عطاء وطنية فذّة  دامت لأكثر من ستة عقود، جمع فيها الخصال النادرة من الشجاعة والإقدام والتفاني في سبيل العراق والأمة العربية، والعلم الرفيع الممزوج بالتواضع الجمّ والخلق الرفيع، فكان قامة عراقية سامقة،  وراية عربية خفاقة اهتدت بها أجيال تلو الأجيال من طلابه وزملائه العلماء والأطباء،  ونهل من ينبوع عطائها الآلاف من المواطنين العراقيين في مجال الرعاية الصحية.

 

لقد ولد الفقيد في بغداد عام 1940م، ودرس في ثانوية الأعظمية التي كانت، إضافة إلى الناصرية وبابل والموصل وغيرها من المدن العراقية، قلعة من قلاع البعث والعروبة، التي ناضل شبابها بشجاعة منقطعة النظير ضد المدّ الشعوبي الذي عزل العراق عن أمته العربية، وضد الدكتاتورية والطغيان، باذلين في سبيل ذلك الدماء الغزيرة.

 

وللفقيد محطات تاريخية مشرّفة بحق، ويشهد له زملاؤه بأنه عاش طيلة حياته إنساناً وطنياً مبدئياً وشجاعاً.  فقد كان مناضلاً صلباً أثناء فترة الحكم القاسمي الدكتاتوري مساهماً في جميع النشاطات الوطنية التحررية، وواصل عمله بعد ردة تشرين رغم شدة وبشاعة الاستهداف، حينما ساهم في حلقات مهمة من مسيرة إعادة تنظيم الحزب وحشد صفوفه في أنحاء العراق بعد الضربات القوية التي تعرض لها البعث في أواسط الستينات، وكان في طليعة مناضلي "البعث" الذين واجهوا السلطات المستبِدة.

 

 كما كان له نشاطه المتميز في الحركة الطلابية من خلال مشاركته في المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني لطلبة العراق وهو أكبر منظمة جماهيرية فيه. وتقدم الصفوف في كافة التظاهرات خلال المخاضات التي شهدتها الساحة الوطنية والقومية، كما ساهم في نضال الحزب من خلال الإضرابات التي مهدت لتفجير ثورة ١٧ من تموز المباركة.

 

لقد كان الفقيد مثالاً لتجسيد العطاء الوطني والقومي في كافة الصعد والمجالات المتاحة النضالية منها والعلمية والمهنية. فبعد تخرجه من الثانوية، درس في كلية الطب - جامعة بغداد وتخرج منها عام 1965 م.

وتخصص في علم الأمراض وحصل على أعلى شهادة في الاختصاص من بريطانيا، وعاد إلى وطنه فمارس التدريس في كلية الطب والكليات ذات العلاقة في جامعة بغداد، ونال مرتبة الأستاذية فيها، حيث أصبح رئيساً لفرع علم الأمراض، وتخرج على يده آلاف الأطباء والعلماء.

 

 ونتيجة لعلمه الغزير فقد أصبح رئيساً للمجلس العلمي لعلم الأمراض في الهيئة العليا للاختصاصات الطبية في العراق، وله الريادة في الخدمات الصحية للمواطنين، فهو هو أول من أدخل التشخيص المبكر لسرطان الثدي في العراق، كما أنه مؤسس البرنامج الوطني للتحري المبكر عن سرطان الثدي 1995م. وكان عضواً في مجلس السرطان في وزارة الصحة العراقية. وارتقى مهنياً ليتبوأ درجة استشاري علم الأمراض في العراق وأقطار عربية أخرى. وبفضل جهوده الاستثنائية تعالج مئات المرضى المستعصي علاجهم في أرقى المستشفيات خارج القطر.

 

وخلال كل ما تعرض له العراق وشعبه الأبي من عدوان استهدف إيقاف عجلة الحياة والعلم وهدم مؤسساته الأكاديمية، أبلى الأستاذ الدكتور عامر الهاشمي بلاءً حسناً مشمراً عن ساعديه مع زملائه الأساتذة لإبقاء الحياة في مستشفيات العراق، وكليات الطب، كي لا تتوقف يوماً واحداَ عن خدمة المواطنين، وتوفير الرعاية الصحية لهم، وتخريج الأجيال من الأطباء،  تحت أبشع وأقسى هجمات ونيران القصف البربرية التي كانت تتعرض لها بغداد الحبيبة ومدن العراق الأخرى، فكان رمزاً من رموز المواجهة والمطاولة والصمود وإدامة الحياة لشعب العراق الأبي .

 

وفي الوقت الذي نعزي فيه أنفسنا والشعب العراقي العظيم بفقدان قامة شامخة وعلماً من أعلام الطب، وعالماً باسقاً من علماء العراق أسدى لبلده خدمات جليلة وأدى رسالة إنسانية عظيمة، كان خلالها وحتى آخر لحظات عمره وطنياً حتى النخاع، يذوب حنيناً إلى وطنه، وهو تحت وطأة المرض الثقيل الذي أصابه من جراء الغربة. فكان صادق الوعد لربه ولوطنه ولشعبه، تاركاً ارثاً نضالياً ووطنياً وعلمياً كبيراً من العطاء في سبيل خدمة مبادئه وأمته العربية التي نذر نفسه لها لأكثر من ستين عاماً.

 

ومكتب الثقافة والإعلام القومي، إذ ينعى الأستاذ الدكتور عامر الهاشمي فإنه على يقين من أن معاني الشجاعة والعطاء التي أبداها، لا زالت وستبقى حيّة عبر الأجيال في صدور الشباب العروبي الثائر من أجل عروبة العراق.

 

فارقد بسلام أيها الأستاذ الكبير والعالم الجليل والمناضل الجسور..

فقد أديت الأمانة.. ووفيت الرسالة.

ستبقى سيرتك الريادية ومواقفك الشجاعة، جذوة عطاء، ومنارة للأجيال العربية يتقدمها شباب غزة والضفة الصامدة في فلسطين الأبية، وثوار تشرين الأبطال في العراق، تهتدي بها لكل القيم الوطنية والقومية المجيدة، وتستلهم منها الصمود والمطاولة والتحدي لإفشال كل المخططات الشريرة التي تستهدف الأمة العربية في هويتها ووجودها.

 

 

 

 

مكتب الثقافة والإعلام القومي

18/2/2024

 

 

 








الاحد ٨ شعبــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / شبــاط / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة