شبكة ذي قار
عـاجـل










في مشهدية الداخل اللبناني مع دخول العام الجديد

نبيل الزعبي

 

 مع استقبال اللبنانيين لعامٍ جديد وتوديعهم لعامٍ آخر، يحدوهم الامل ببصيص ضوءٍ في نهاية النفق ولا يدري اللبناني فينا او اللبنانية من اين يبدأ بالتمنيات في العام الجديد، بعد ان تقلصت الآمال وتدنّت الطموحات وما عاد السؤال يعني سوى: كيف سنتدبر امور معيشتنا غداً، وكيف سيكون الامن والاستقرار، وعلى حدودنا عدوُّ مجرمُّ قاتلُّ طامعُّ في ارضنا وبحرنا وسمائنا، ومحال ان تغفو أعيننا عليه، البارحة واليوم وغداً. اما في الداخل ، وفي ظل السُعار الطائفي والمذهبي غير المسبوق في يوميات اللبنانيين ، فإن لا شيء سوى الغثيان يصيب من يتابع الحركة السياسية الداخلية وتصريحات الأقطاب من قُزَّم السياسة والطارئين عليها ، إلى سجالات الوزراء العقيمة التي يرمي فيها احدهم مسؤوليات الاهمال في وزارته على زميله الآخر ، الذي بدوره يرد بعباراتٍ أقرب إلى الاستهتار منها الى الكلام المسؤول غير المتفلّت من الاحترام المتبادل ولتسحب تلك المنهجية في التعامل على اتباع هذا وذاك وتفيض مواقع التواصل بالشتيمة والتخوين وكأننا نعيش اجواء صراع وجودي ، لا يحتمل اي طرفٍ فيه ذرةً واحدة من النقد والتصحيح والتصويب ، فننسى اننا نغرق في العتمة بينما طرقاتنا أضحت غرقى امام كل زخة مطر ، وان مرضى السرطان ينازعون ولا من يبالي في وزارة الصحة ، والتعليم العالي غارق في شهادات التزوير التي جاوزت الآلاف ، بينما الطاقة والسياحة تتهاتران حول مسؤولية من ترك ركاب التلفريك عالقين بين السماء والأرض ، ينشدون النجدة بعد تركهم تحت رحمة الخالق لأكثر من خمس ساعات من الزمن . هي الغابة الحقيقية التي نعيش فيها هذه الايام تحت مسمى الوطن والعيش المشترك والتسامح وكلها تحولت الى شعارات جوفاء، باتت تشكل مسّاً بالشعور الوطني بدل تعزيزه والارتقاء به إلى مستوى الوجدان الذي لا ينفصل عن خفقان القلب وعقلانية الضمير ولُحمَة النسيج الواحد الذي يتكون به المجتمع ومنه تتكرس مداميك الانتماء للوطن العزيز، القوي الجانح والمَهَابَة. هل كنا مخطئين يوم اعتقدنا اننا تجاوزنا كل منطق متهم بالطوباوية والمثالية المفرطة بعد مرور ثمانين عاماً على استقلال لبنان ، الذي يحسب البعض انه بدأ في العام ١٩٤٣ وهذا ما يجب ان يعزز فرضية النضوج الوطني المُسبَق الذي كان يجب ان يشكّل السمة الاساسية من سمات تفكيرنا ويومياتنا ، غير اننا وللأسف نتراجع القهقرى كما لو أننا مولودون في غاباتٍ متباعدة لا تدخل اليها الشمس ولا تنعم بنسمة الموقف الوطني الجامع وحرية الكلمة والتعبير ، بعد ان سلّم كل قطيعٍ فيها عقله وقلبه وحواسه إلى راعي الحظيرة - الغابة ، وحاميها الناطق باسمها . هل يختلف ما تقدم عن واقع الوزير السيادي !! ، الذي لا يبتّ في امرٍ مصيري يعود إلى وزارته إلا بعد موافقة مرجعيته الطائفية التي قذفت به الى الوزارة ، لا بفضل مؤهلات يمتلكها ، وانما لتبعية عمياء يصلح لها ، وكيف ستكون بعدها ، العلاقة بين هذا الوزير ورئيسه في الحكومة عندما ينتقد الأخير تقاعسه في امرٍ ما ، فينتفض مرجع نيابي كبير مدافعاً عن الوزير ولنتبين ان في الدفاع عن هذا ، دفاع ُ عن الطائفة ،قبل ان يعني الوزير ، ثم ليعود المرجع الحكومي في اليوم التالي زائراً للمرجع الروحي الأعلى شارحاً ما كان يعنيه في انتقاد ابن رعيته "الغر" مع الحرص على اخذ البركة والرضا ، ثم ينتقل في اليوم التالي إلى مرجعية أخرى وكأنه في صدد الاستحصال على صك براءة بان توقيعه الثاني بالنيابة عن رئيس الجمهورية العتيد المغيّب ، لا يدخل سوى في نطاق حسن النية وحسب . يجري كل ذلك وكأن البلد في منتهى الرفاهية وترف الوقت ، وجنوبه في منتهى الهدوء ، والاستقرار يعشّش في بلدات الخطوط الامامية المواجهة للكيان الصهيوني ، وان اكثر من مائة وثلاثين شهيد لبناني قد سقطوا جراء الاعتداءات التي لم تتوقف حتى اليوم ، والمباني المهدمة قد جاوزت المئات ، والناس في بحبوحة من العيش تفيض على حاجاتهم وتتساءل : من اية طينةٍ عجائبية، عُجِنَت هذه المخلوقات التي تعصب عيونها كي لا ترى ولا تسمع ولا تحرِّك ساكناً بعد أن تصاغرت اهتماماتها بالتزامن مع صِغرِها السياسي الذي حصر أمورها بوزير ، تعنيه مصلحة المرجع قبل مصلحة الوطن ، ومرجعية حكومية تحرص على رضا مرجعية دينية درءً لشبهة الإخلال بالتوازن الوطني والعيش المشترك الذي آن لنا ان نحسم ماهية هذا العيش واي مشترك ايجابي يحمل في مفرداته، ولا شيء يجمع سوى التكاذب المتبادل والعودة السريعة إلى خلع الأقنعة عندما يطال الخطر المصالح الخاصة لهذا وذاك ، فيما الكل قد استمرأوا اللَعِب على مصالح البلد ، وابقوا انفسهم متفاهمين على الحدود الدنيا من "التقاطعات "التي تجمع بينهم ولا تخلّ بمصالحهم، أو تهددها في اختراق الثوابت التي تقوم عليها "حظائرها "، المنددة بالعقل والتفكير وكل ما يمت لهما بصلة، في الوقت الذي تتوحد فيه هذه الحظائر مجتمعةً حول العرّافين في ليلة رأس السنة يبيعون الوهم للُّبنانيين على محطات الأثير بالمجان، لينامو على الوهم ويستفيقوا عليه، ويبقى الوهم بقيام دولة ، هو الكذبة الاكبر في حياتهم البائسة ، ويصدقّونها ، حتى اشعارٍ آخر .






الاثنين ١٩ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة