شبكة ذي قار
عـاجـل










استذكر ناصيف عواد، العضو الاحتياط في القيادة القومية لحزب البعث المنتخب في المؤتمر القومي 12 وأحد الذين كانوا مقربين من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وممن عمل معه لسنوات طوال، الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية والمتحالفون معها على العراق، والتي انتهت باحتلاله في التاسع من أبريل 2003.

وكشف، في حوار بمنزله في العاصمة الأردنية عمان عن أحداث وحكايات رافقت الغزو والاحتلال، مشدداً على أن "بغداد قاتلت، بل أن العراق كله كان في قلب المعركة، وأن مقاومة الغزو والاحتلال بدأت منذ اللحظات الأولى، وفي المواقع كلها، على الرغم مما سجلته معارك أم قصر من بطولات خاضها لواء واحد من جيش العراق البطل".

لا خيانة داخل الجيش
وقال عواد، الذي شغل مناصب عديدة في حزب البعث في العراق، وبخاصة في المجال الإعلامي: "يجب أن نتذكر أن ما حدث في بغداد كان بعد عشرين يوماً من بداية الغزو الأميركي، كان العراق يتعرض فيها جواً وبحراَ وبراً للقصف الجنوني، الذي يستند إلى تفوق تكنولوجي وناري هائلين، لقوة هي الأكبر في التاريخ كله، لم يكن شيء في العراق خارج الهدف"، مشيراً إلى أن القصف الجوي عطّل منظومة الاتصالات متسبباً في إرباك غير عادي للقطعات العسكرية.

وردّ على المشككين بولاء قوات الحرس الجمهوري ودورها، ونفى حدوث خيانات في صفوف الجيش العراقي، مؤكداً أن قوات الحرس الجمهوري كانت في ثلاثة خطوط قتالية للدفاع عن بغداد ولكن القصف طوال عشرين يوماً جعلها في الوضع الصعب والعسكريون، وبخاصة الخبراء، يعرفون حجم الأخطار والتضحيات في مثل حالات كهذه.

وقال عواد : "لقد كانت بطولات وتضحيات وليست خيانات كما روجت أوساط لها غرضها. لم تكن هناك خيانات لا في قيادات الجيش ولا في غيرها.. وما قيل عن خيانة مدير المخابرات طاهر جليل الحبوش دعاية مغرضة، حتى يساء إلى الحكم الوطني وإلى التجربة القومية والنضالية في العراق، وكذلك لتوجيه الإساءة إلى طاهر الحبوش نفسه، وهو الذي ربى ابنته على الوفاء للوطن حد الاستشهاد، وتناسى أصحاب الغرض السيء أن أول عملية استشهادية ضد قوات الغزو الأمريكي نفذتها مناضلتان من مناضلات العراق هما نوشة الشمري وابنة طاهر جليل الحبوش باسم وداد الدليمي".

ورجح أن يكون هذا اللغط أثير حول الحبوش، بسبب حادثة "مطعم الساعة" في شارع 14 رمضان في منطقة المنصور، راوياً أن الرئيس الراحل صدام حسين عندما حضر إلى بيت قريب من هذا المطعم لعقد اجتماع للقيادة ولم يجد طاهر الحبوش غادر المكان من فوره، لأنه أدرك للتحسب أن هناك أمراً ما، وعندما قصفت الطائرات الأميركية الموقع بعد دقائق من مغادرة الرئيس حضرت عند بعضهم فكرة الخيانة، وهي ليست كذلك على الإطلاق، إذ كان سبب عدم وجود الحبوش أو تأخره هو الأوضاع السائدة وانقطاع الاتصالات.

صدام قاد معركة المطار
وتطرق عواد إلى معركة المطار، التي وقعت بجولتين، مشيراً إلى أنها "تميزت بأن الذي قادها كان صدام حسين شخصياً. ولقد قادها على الرغم من اعتراض بعض من في القيادة لأن ذلك يعرض قائد الجيش والحزب والعراق كله للخطر، في وقت يكون القائد محط الحاجة والضرورة، كما تميزت أيضاً بمشاركة المقاتلين العرب الذين هرعوا متطوعين دفاعاً عن قلعة العرب.. وكان منهم من أبناء فلسطين.. كانوا 60 مقاتلاً، واستشهد منهم ثمانية وجرح سبعة عشر، في حين تكبد الأميركيون فيها خسائر جسيمة، وذكر العديد من ضباط الجيش العراقي، ومن قلب المعركة، أن الأميركيين صدموا من حجم خسارتهم.. وواضح هنا أنهم بسبب تلك المعركة وخسارتها قرروا التعجيل باستخدام ما يقلل أو يمنع خسائر كهذه، فاستخدموا الأسلحة المحرمة دولياً، فليس الأميركان من يقاتلون رجلاً برجل، وهم لا يتقبلون، بل لا يحتملون الخسارة في الجنود، ولديهم من أسلحة القتل النووي والهيدروجيني والفراغي واليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض وأخيراً وليس آخراً الطائرة بلا طيار، التي تحركها الأزرار من أميركا وتقتل على بعد آلاف الأميال في الوقت، الذي كان العراق يخضع لحصار قاس وطويل امتد لثلاث عشرة سنة، لم يكن يستطيع خلالها بيع شيء من خيراته أو استيراد أي نوع من السلاح ليعوض به أو يسد حاجاته إليه، وتعزيز ترسانته، التي كان قد أصابها الضعف نتيجة الحرب العراقية الإيرانية الطويلة".

وتحدث عواد، وهو فلسطيني من قرية عين عاريك، القريبة من رام الله وقدم إلى العراق بعد نجاح ثورة 17 تموز 1968، وقال: "كان للخطة المقررة لمقاومة الاحتلال مقدمات في الإعداد مادياً ونفسياً، أي السلاح والأموال والمهمات، وفي المقدمة اختيار الرجال واختبارهم، ولقد بدأ صدام حسين بنفسه، فقبل احتلال بغداد بشهور عشرة طلب من مرافقيه أن يبحثوا عن أفقر موظف في العراق، وعندما وجدوه وكان مواطناً يعمل فراشاً في إحدى دوائر الدولة براتب 1000 دينار عراقي فقط ( كان الدولار الواحد بـ3 آلاف دينار )، طلب أن تجري حسبة بسيطة عن كيفية تدبير هذا المواطن لأموره بهذا المبلغ طيلة الشهر، ولما وضعت خطة لذلك، نفذها صدام حسين على مدى أسابيع ثلاثة تعرض بعدها لهزال جسدي دفع بمرافقيه إلى أخذه إلى مستشفى ( ابن سينا ) التابع للقصر الرئاسي، وعندما علم الأطباء أن الرئيس يعيش على ألف دينار عراقي طيلة الشهر، مارسوا ضغوطاً كبيرة للتوقف عن تنفيذ الخطة، فالمسؤولية خطرة وساعات العمل الطويلة تحتم عليه الانتباه لخطورة ما يقوم به".

أضاف أن صدام حسين فعل هذا الشيء لمواجهة الأسوأ، بل مواجهة الحقائق في احتلال بغداد والبدء في المقاومة، إذ يدعو ذلك إلى العيش تحت أقسى الظروف، مشيراً إلى أنه تم الإعداد للمقاومة الطويلة، وكان للحزب وتنظيماته الدور الفاعل والرئيس، منذ بدء العدوان، ثم المعارك على مداخل بغداد حيث تم ضرب آليات الجيش الأميركي المتجهة من جنوب بغداد صوب المطار".

المقاومة الأسرع في التاريخ
وصف عواد المقاومة العراقية لقوات الاحتلال الأميركي بأنها "المقاومة الأسرع في التاريخ كله، كما أنها الوحيدة التي هبت وتواصلت بإمكانياتها من دون مساعدة من أي طرف إقليمي أو دولي"، موضحاً أن عدد من قتل من البعثيين تجاوز الـ150 ألف بعثي، وأن عدداً أكثر من هذا اقتيد إلى المعتقلات، وعلى الرغم من ذلك بقي الحزب يقاوم بجدارة، ولم يعلن أنه انهزم مما أغاظ الأميركيين، وبخاصة الرئيس بوش، الذي كان ينتظر بفارغ الصبر صدور مثل هذه الكلمة من أي مسؤول عراقي، ولكن الحزب والفصائل الأخرى الوطنية والقومية والإسلامية حققوا الإنجاز الرائع بطرد المحتل وإرغامه على سحب قواته".

وكشف عن أن الكسب الحزبي، على الرغم من ظروف الغزو والاحتلال، سجل أرقاماً مهمة، مشيراً إلى "أن القيمة الحقيقية تكمن في أنه كسب في الظروف الأصعب، إذ يكون الانتماء تضحية إلى حدّ الاستشهاد".

وعرج عواد على نظرة حزب البعث من القضية الفلسطينية وبعض أحداث حرب الخليج الأولى، وقال "إن الحزب لم يغال في نظرته إلى القضية الفلسطينية وإن الأيام والأحداث والواقع أثبتت ذلك، فقبل أيام التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو وقال له إن إسرائيل تمتلك حقاً إلهياً، منذ ثلاثة آلاف عام بأرض فلسطين، فرد عليه بوتين ( نحن نتحدث عن واقع ولا نتحدث عن خرافات )"، وأوضح عواد أن ذلك هو ما قاله حزب البعث، منذ تأسيسه، معتبراً أن المشروع الصهيوني أداة غربية لاستعمار الوطن العربي.

العراق وفلسطين
روى عواد أنه حينما كان نائباً لمسؤول مكتب فلسطين والكفاح المسلح في القيادة القومية لحزب البعث، زار بغداد هاني الحسن وسعد صايل عضوا اللجنة المركزية لحركة "فتح" بتاريخ 9/9/1980، وكان الحسن سفيرا لفلسطين في طهران، وذلك قبيل اندلاع الحرب بين العراق وايران. وكانت حينها توجد اشتباكات بين الجانبين في منطقتي سيف سعد وزين القوس، وقد اصطحبهما لمقابلة صدام حسين، لأن نعيم حداد مسؤول المكتب كان مسافراً.

قال إن هاني الحسن تحدث مع الرئيس صدام حسين وقال له: "سيادة الرئيس نحن في النهاية قوميين، وأنا أعرف أن المسؤولين الإيرانيين اجتمعوا وقرروا إنهاء احتلال السفارة الأميركية في طهران، وبحثوا فتح مواجهة أخرى مع أحد خيارين هما الاتحاد السوفياتي أو العراق، وقرروا أن تكون المواجهة المقبلة مع العراق لأن الاتحاد السوفياتي دولة كبيرة مترامية الأطراف.

وتابع عواد أن هاني الحسن أكد للرئيس صدام أن قرار الحرب مع العراق متخذ في طهران. وأن الفلسطينيين لا مصلحة لهم بهذه الحرب، وقال له: "أن ياسر عرفات يريد الذهاب إلى طهران، فماذا تطلب منه أن يطرح على الإيرانيين؟".

أجابه صدام: "نحن لا نريد من إيران شيئا إلا أن تكون علاقتنا بها علاقة حسن جوار،. كما هي العلاقات بين أي دولتين متجاورتين في العالم لا توجد بينهما مشكلات، وما يقبل به أبو عمار، أقبل به أنا، وأعلن ذلك من الآن".

قال عواد: "في أثناء خروجنا من مكتب الرئيس صدام أمسكني سعد صايل من يدي ضاغطاً عليها مبدياً مفاجأته من حديث صدام حسين، كان صدام هو الذي بدأ الحديث في أثناء اللقاء موجهاً مجموعة من الأسئلة عن وضع الفلسطينيين والثورة الفلسطينية في لبنان، وحجم تسليح القوات الفلسطينية وقدرتها على الصمود. وقال سعد صايل لي: "عقلي لا يستوعب أن تكون هناك حالة حرب قائمة في أراض عراقية، وإن كانت الحرب غير معلنة بعد، ويسألني صدام حسين عن تفاصيل الحرب الدائرة في لبنان، وعن وضع قلعة الشقيف في حين أن صدام يعرف، وأنا أعرف إمكانيات الجيش الإيراني الذي يتهدد العراق، ذلك أنني تلقيت، حين كنت ضابطاً في الجيش الأردني، ثلاث دورات في كليات عسكرية أميركية شارك فيها ضباط إيرانيون، وأنا أعرف نوعية الضباط الإيرانيين وقدرات الجيش الإيراني".

أضاف عواد أن سعد صايل خرج من اللقاء مذهولاً بصدام حسين ومأخوذا بشخصية، مشيراً إلى أن عرفات، بعد ذلك، ذهب إلى طهران ولقي معاملة غير لائقة لأنه كان ذاهبا للتوسط لعدم اندلاع حرب واسعة بين البلدين، مؤكداً أن إيران هي، التي بدأت الحرب مع العراق، وليس صدام حسين.

عندما زار ياسر عرفات إيران، أول مرة، توقع أن يحتفى به بنحو كبير خصوصاً وأن الثورة الفلسطينية قدمت إلى إيران كل الدعم من أجل إنجاح "ثورتها" لكن ما حصل كان خلاف ذلك، بل أن الخميني والمحيطين به كانوا يتحدثون مع أبي عمار بالفارسية على الرغم من معرفتهم جميعا باللغة العربية، ويعتقد عواد أن في ذلك رسالة سياسية واضحة أراد الخميني تمريرها إلى أبي عمار.

شهادة الشاعر حميد سعيد
ناصيف عواد، مثقف لامع وكاتب متميز ومناضل شجاع، جمع بين الموقف والفكر، وعبر عن ذلك من خلال ما كتب وما يكتب، وهذا ما وفر له تجربة صحفية خصبة، وقد شغل موقع رئيس تحرير في عدد من الصحف والمجلات، وجمع بين فلسطين والعروبة، في مواقف فكرية وعملية، فهو ممن عملوا بصدق ووعي وحيوية، من أجل أن تكون العروبة مستقبلاً لفلسطين وأن تكون فلسطين، المقوم الأهم في حيوية العروبة وعنفوانها وإنسانيتها

لقد عرفت ناصيف عواد، عن قرب وعملنا معا، فكان الملتزم من دون تزيّد، والمبدئي من دون تعصّب أو انغلاق، وكان صبوراً، ليس على الشدائد والتحديات حسب، بل في العلاقة مع الآخر المختلف، فيستمع بأناة ويحاور بانفتاح، فيعلم ويتعلم، ويرضي ويرضى.

لقد كنا قريبين من بعضنا خلال أيام العدوان الأمريكي، الذي انتهى الى جريمة احتلال العراق، وكان صبوراً ملتزماً وهادئاً، إذ افترقنا، وذهب كل منا إلى ما ينتظره، بل إلى ما لا يدري إلى أين، فقد عرفت في ما بعد ما تعرض له من عذابات وآلام، عصفت بصحته، التي ما زالت في تراجع خطر، حتى الآن، لكن روحه القوية، لم تتأثر بكل ما تعرض له جسده من أوجاع وآلام.





السبت ٤ رجــب ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / نيســان / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة