شبكة ذي قار
عـاجـل










غزة حالة نموذجية من الإبادة الجماعية

دجلة وحيد

 

قبل الولوج في موضوع عنوان هذا المقال أود القول بملء الفم أن ما يحدث في غزة في الوقت الحاضر من خراب وقتل ودمار هو استمرار للمخطط الأمريكي – الصهيوني القديم المرسوم لتدمير الأمة العربية وتقسيم أراضيها ومكوناتها ومجتمعاتها الإنسانية وإرجاعها إلى مرحلة ما قبل الحضارة والتطور بكل اشكاله من أجل المصالح الاستعمارية الغربية وحماية الكيان الصهيوني. إن انتشار القوات البحرية الأمريكية والفرقاطات الإيطالية والبريطانية وغيرها في شرق البحر الأبيض المتوسط قبل وبعد عملية طوفان القدس التي قامت بها فصائل حماس خير دليل على تطبيق مرحلة متقدمة من مراحل ذلك المخطط لتصفية القضية الفلسطينية والذي جاء بعد مرحلة عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني من قبل بعض الأنظمة العربية وخصوصا منها الأنظمة الخليجية التي ادانت عملية طوفان الأقصى.

لقد بدأ تطبيق هذا المخطط بصورة عملية مباشرة  بعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية وبمساعدة والمساهمة الفعلية لدول المحميات الخليجية التي مهدت للتطبيق العملي لهذا المخطط من خلال  محاولة  تدمير الاقتصاد العراقي عن طريق إغراق الأسواق العالمية بالنفط وخفض أسعاره وذلك لإعاقة أو منع النظام الوطني العراقي من إعادة بناء الدولة والمجتمع بعد حرب ضروس دامت لمدة ثمانية سنوات التي خرج منها العراق منتصرا على نظام ملالي قم وطهران، وهذا التآمر العربي دفع العراق مجبرا إلى دخول واسترجاع قصبة كاظمة من حكامها المتآمرين والذين ساهموا فيما بعد مع دول خليجية أخرى وإيران بشكل مباشر في عملية احتلال وتدمير العراق عام 2003.  ومرة أخرى أقول لولا التآمر العربي على العراق الذي مهد إلى احتلاله وتدميره كليا وخراب دول عربية أخرى فيما بعد لما حصل ما يحصل الآن في غزة من تدمير وإبادة جماعية لشعبنا العربي الفلسطيني فيها.

ما يفعله الكيان الصهيوني العنصري في غزة من جرائم فظيعة وبشعة وبإصرار مسبق ومخطط له بحق السكان المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ ورجال وتدمير مساكنهم على رؤوسهم، وقصف وتدمير المستشفيات وتعطيل عملها، وحرمان المواطنين من أبسط مقومات الحياة من ماء صالح للشرب وطعام ودواء بشكل واضح وعلني أمام أنظار ومسامع العالم دون أن يكترث هذا العالم لهذه المجازر المفضوحة. عكس ذلك بدأت بعض قيادات العالم الغربي وخصوصا الأمريكية والبريطانية والألمانية والفرنسية تتقاطر على زيارة الكيان الصهيوني لمساندته معنويا وماديا وسياسيا واقتصاديا وتشجيعه على الاستمرار بالقيام بمجازر جديدة، وهذا يعد ويعني توافق عالمي غربي عام ومفضوح من أجل تصفية القضية الفلسطينية وإلى الأبد عن طريق الإبادة الجماعية للشعب العربي الفلسطيني وتهجيره من أرضه وإخضاع الأمة العربية وتخنيعها للقبول بما تملئه عليها القوى الاستعمارية الغربية وذيولها.

إن اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 تتطلب أن تكون هناك نية خاصة لحدوث الإبادة الجماعية، والنية تعرف بتدمير مجموعة ما على أنها عنصرية أو إثنية أو دينية أو قومية بشكل جماعي وليس مجرد أفراد. وهذه النية أظهرها بوضوح تام ومفضوح السياسيين "الإسرائيليين" وضباط الجيش ومنذ السابع من تشرين أول/أكتوبر. لقد كانت هذه النية موجودة في تصريحات رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرزوغ وكذلك وزير دفاعه يوآف غالانت الذي صرح في 9 تشرين أول/أكتوبر معلنا حصارا كاملا على قطاع غزة الذي كان فعلا محاصرا لمدة 17 عاما قبل عملية طوفان الأقصى، وقطع المياه والغذاء والوقود حيث أنه قال "نحن نقاتل حيوانات بشرية وسنرد وفقا لذلك"، وقال أيضا "سنقضي على كل شيء" وهذا بالفعل انتهاكا واضحا للقانون الإنساني الدولي. كذلك صرح المتحدث باسم الجيش "الإسرائيلي" دانييل هاغاري أنه يعترف بالتدمير الوحشي وقال بشكل صريح "التركيز على الضرر وليس على الدقة". أما رئيس الوزراء "الإسرائيلي" السابق نفتالي بينيت قال في مقابلة مع مذيع سكاي نيوز باللغة الإنكليزية بأننا نحارب النازيين، ويقصد هنا "حماس"، "وإذا كنا نحارب النازيين فكل شيء مباح". وحينما ضغط عليه المذيع بشأن الهجمات "الإسرائيلية" على المدنيين الفلسطينيين في المستشفى الذين كانوا مرتبطين بأجهزة دعم الحياة والأطفال في الحاضنات والذين سيتعرضون إلى الموت بسبب إيقاف أجهزة دعم الحياة والحاضنات الخاصة بالأطفال بسبب قطع "الإسرائيليين" الكهرباء عن غزة، أجابه نفتالي بينيت متسائلا "هل أنت جدي في توجيه مثل هذا السؤال لي عن المدنيين الفلسطينيين؟ ما هو الخطأ معك؟ إذا كنت تريد أن تجلب الكهرباء لهم، لن أقوم أنا بتزويد أعدائي بالكهرباء أو الماء". استخدم الساسة "الإسرائيليون" في سياق معركتهم الإعلامية المشوهة ضد الفلسطينيين فكرة محاربة النازيين وذكرى المحرقة لتبرير والتنصل من العنف الجماعي والإبادة الجماعية للفلسطينيين.

هذه التصريحات تقع ضمن النية لارتكاب إبادة جماعية. هذا إضافة إلى إسقاط آلاف الأطنان من القنابل في غضون يومين من بدء عملية طوفان الأقصى بما في ذلك القنابل الفسفورية على غزة وسكانها التي تعتبر من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في جميع أنحاء العالم. إذن وضع هذا القصف المدمر بالقنابل جنبا إلى جنب مع إعلانات النوايا يشكل فعلا إبادة جماعية وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948. لهذا فإن "إسرائيل" وحسب الاتفاقية تسبب أذى جسدي أو عقلي خطير لسكان غزة المدنيين وخلق ظروف تهدف إلى تدمير جماعي لسكان غزة عن طريق قطع المياه وإمدادات الطاقة وإعطاء الأوامر بالإخلاء السريع للمستشفيات الذي بحد ذاته وحسب منظمة الصحة العالمية يعتبر "حكم بالإعدام"، وهذه فعلا حالة نموذجية للإبادة الجماعية.

 






السبت ٦ ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / تشرين الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دجلة وحيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة