شبكة ذي قار
عـاجـل










انحطاط الأخلاق، كإحدى مظاهر انحلال السيادة في البلد المُسْتَبَاح!

نبيل الزعبي

 

يوماً إثر يوم، يُصْدَم الرأي العام اللبناني بالمزيد من الاخبار السيئة والمشينة التي تضرب القِيَم والاخلاق العامة لتنقل الصورة المشوّهة الى الخارج عن مجتمع بدأ يميل الى شريعة الغاب في ظل دولةٍ مُغَيّبة تتحلّل فيها القوانين بقدر الغياب الذي يصيب المؤسسات الرسمية والمواقع السيادية التي تشكل العناصر الاساسية لمكوّنات الدولة وتعريفاتها السياسية. يصيبك القلق والإحباط في مجتمع بدأت الاخلاقيات العامة تتآكل فيه الى درجة الذوبان في مستنقعات الانحلال فتعجب كيف يمكن لكائن بشري ان يرمي بمولودة حديثة على قارعة الطريق فتتلقفها الكلاب التي تعوي في ناصية الشارع وكأنها تستغيث لمشهدٍ تحتار فيه من يكون المسعور المتوحش الحقيقي، أهذا الكلب الحيوان! ام ذاك البشري الذي ارتكب جريمته في عتمة الليل! والكلاب المسعورة منه براء.

هو المسعور الآخر الاشبه الى الذئب المتلبّس جلد البشر ، من اعتدى على طفلة السنوات الخمس ،  وتسبّبَ بموتها التراجيدي في واقعةٍ غير مسبوقة من التحلُّل الانساني الآخر  الذي نادراً ما تسمع عنه حتى في غابة الوحوش ليصدمك الواقع القائل : لا تعجب من ذلك وانت في بلد كل ما فيه مُستباح ، ولا عجب امام انحلال السلطة وفساد ساستها، وانحدار الاعلام المأجور الى ادنى مهاوي الابتذال ، وترنُح القضاء امام الابتزاز  والتهويل ، ان لا يؤثر كل ذلك على الاخلاق العامة ويدفعها الى الحضيض والتوحُش في آن وقد تحولت  المدنية الى عكسها وفرضت شريعة الغاب نفسها بديلاً عن القوانين واقتصر مفهوم الدولة ببضعة عصابات كي لا يعود المواطن ليميّز بين المستفيد من هذا الواقع أو المشجّع عليه غباءً كان او عن سابق تصُّور وتصميم ، لتعود الى مقولة الطبيب البريطاني سيدتي سميث :

"أن الظروف الاقتصادية والسياسية الشبيهة، تجعل المجتمع يفور بأعنف الجرائم وأكثرها وحشية "

وليعلم من سيزعم غداً، أن أبواب التحلُل هذه، مقصورةُ على منطقة لبنانية دون اخرى ، فإن ما يحصل من ارتكابات اجرامية بحق البشر والحجر والشجر ، فيها من الانحطاط والنذالة ، ما يشمل كل الأراضي اللبنانية وما يتعدى التعنيف الاسري بحق الأمهات  أو حاضنات الاطفال وما اخرجته من شرائط تصوّر بشاعة التنكيل برُضّع ٍ خُدّج استأمن ذويهم بشراً عليهم ، أو "جمعيات خيرية" تتاجر باليتامى وحديثي الولادة والممارسات الفاضحة بفتيات قُصَّر ، وتحمل مسمى "المحبة والسلام "!!!او المجرم الذي لم يتورع قرابة منتصف احدى الليالي القاتمة عن وضع طفلين حديثي الولادة داخل كرتونة تحت جسر نهر إبراهيم ،مثلاً ،  ليُوَلِّي هارباً ويتركهما تحت مصير ٍ مجهولٍ آخر لولا العناية الالهية التي تدخلت في الوقت المناسب ، 

فكم كان الكلب أكثر اماناً ووفاءً من كل هؤلاء المنتشرين على طول وعرض مساحة لبنان الجغرافية وديمغرافيته التي لا تستثني منطقة ومذهب او دين.

ثم تتوقف هنيهةً لتتساءل عن المجرم الحقيقي وراء كل ما تقدم، هل هو الذي ارتكب الجريمة بملء ارادته الحرة، ام ذاك الذي تَرَكَ له الظروف الملائمة ليستخرج ما في دواخله من نذالةٍ وشرور دون عقابٍ او حساب!! لعلمه المُسبَق ان الجريمة في لبنان صارت للمرتكب أكثر سهولةً من شربة الماء وأهون عليه وهو يعود الى بيته مطمئناً الى ان من دمّر نصف مدينة بكاملها كالعاصمة، وقتل وجرح واعاق وشرّد الآلاف من ابنائها، لم يزل حراً طليقاً فيما المتهم طليقُ والقاضي محبوسُ في بيته مكبل الصلاحية وعاجز عن القرار.

لنقُلها ، وبالفم الملآن ، انها المنظومة الفاسدة المسؤولة المباشرة عن نظام فقد كل جماليات الحياة وانتزع نسغها الحي من شعبٍ يموت ببطءٍ ، ليفيق على نفسه ويجد ان مستنقعات الانحطاط تحيط به من كل جانب ، فيسعى عبثاً ان لا يتلوّث فلا يجد من خيارات سوى مراكب الموت لإخراج نفسه من هذا الجحيم او انتظار المجهول القادم على خيوط الامل ، لتبقى القلة القليلة التي تآخت مع انحطاط وفساد هذه المنظومة ، التي لم يعد يكفيها التعطيل والتخريب في الحياة السياسية لهذا البلد وحسب ، وانما امتد فسادها لعمليات بناء الدولة الراقية الحديثة ومرافقها الخيرية وامتدت اياديها الى القضاء تخريباً وتعطيلاً  ، وتطاولت على الجيش اللبناني لتزيد من ارباكاته واغراقه في شؤونه الخاصة ، وتركت التعليم الرسمي على عواهنه ليقتصر على بضعة اسابيع في السنة في ظل الغاء كل ما يتعلق بالتربية المدنية والوطنية في مناهج التعليم لزمنٍ طويل ،وتركت حيتان المال الكبار يصطادون فقراء لبنان ويتحكمون بلقمة عيشهم ويحرّمون الدواء والمشفى الا عن المحظوظين من الاتباع والمحاسيب .

لنخرج من الحظائر المرسومة الحدود لأطياف الشعب اللبناني ايها السيدات والسادة، ونحن نعيش في ظل قِلّة الاخلاق هذه الايام، ما يعجز فيه المرء عن التحمُّل والوصف، 

ولنعترف ان الكيان برمته مهدد بالسقوط، عندما تسقط الانسانية والاخلاق ولا حاجة بعدها للدخول في التفاصيل.

انها حاجتنا الوطنية اليوم للإبقاء على السقف الوطني الجامع كوسيلة اساسية لاستمرار حياة الناس وحمايتهم من آتون المحارق المعيشية التي تعطل النشاط والتفكير والجهد البنّاء ، ولا يلزم سوى الرادع القانوني وتطبيق الثواب والعقاب على الجميع دون استثناء ، وباتت مسألة تعليق المشانق في الساحات العامة ضرورة وطنية واخلاقية لإعادة الهيبة الى قضاء مستقل لا يميّز في القوانين بين الحاكم والمحكوم ، وبدون ذلك ، لا امل يُرتجى بعد اليوم لتعيشون عليه ايها اللبنانيون وانتم تترحمون على كلاب كانت أرأف بكم من منظومة مسعورة ، حرام تشبيهها بالكلاب.






الاثنين ٦ محرم ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / تمــوز / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة