شبكة ذي قار
عـاجـل










 صيرورة الولادة التاريخية
د. نضال عبد المجيد


     كان ذلك في الساعات الاولى من فجر يوم السابع من نيسان عندما انهى المؤتمر التأسيسي الاول لحزب البعث العربي الاشتركي، اعماله التي ابتدأت في الرابع من نيسان، في مقهى الرشيد الصيفي في دمشق( هدم المبنى واقيم مكانه الان المركز الثقافي الروسي )، 
  فقد توج هذا المؤتمر جهد ٧ سنين من العمل المتواصل والنضال الدؤوب، أضطلع به القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق ورفيقه صلاح الدين البيطار، الذين تركا التدريس في تشرين اول ١٩٤٢، للتفرغ لمهمة بناء هذه الحركة التاريخيه، التي استلهمت تراث الأمة ودورها الحضاري، وشخصت الواقع العربي، واقع التجزئة والأنقسام والتخلف، واقع الهيمنة والأستعمار الذي سحق الشخصية العربية منذ احتلال بغداد على يد المغول عام ١٢٥٨م، حيث كان الوطن العربي ساحة للصراع بين القوى الأجنبية الطامعة في خيرات الامة،والسيطرة على أرضها لما يشكله موقعها الجغرافي من أهمية تتوسط العالم،
وعند انتهاء الحرب العالمية الأولى أضحى الوطن العربي مجزاً مقسما، واقعا تحت احتلال مباشر من المنتصرين في الحرب، لتبدا صفحة جديدة من الاستعمار الجديد، يرافقها وضع المشروع الصهيوني في أغتصاب فلسطين، موضع التنفيذ، ونشوء الدولة القطرية التي افرزت نخبتها، التي لم تستطع ان تدرك حجم الخطر الذي يتهدد الأمة ومشروع نهضتها.
    فكان تأسيس البعث، حدثا غير عادي في تاريخ الأمة، وفي نضالها نحو تحقيق امانيها في الوحدة والتحرر والعدالة الاجتماعية، فلم يكن الحزب رقما جديدا مضافا من الأحزاب والحركات التي تشكلت في شتى اقطار الوطن العربي، فهو الحزب الوحيد الذي انشيء على اساس قومي، تؤسس له فروع في كافة الاقطار العربية وتنضوي هذه الفروع تحت راية القيادة القومية( التي اتخذت شكلها الحالي عام ١٩٥٤).
ففي المؤتمر التأسيسي أقر المؤتمرون دستور الحزب الذي بين الملامح الاساسية لهذه الحركة التاريخية، والمباديء التي ترتكز عليها، في الفكر والممارسة،
    شهدت السنوات السبع التي سبقت انعقاد المؤتمر التأسيسي، سلسلة من المقالات والمحاضرات والندوات، اضطلع بها القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق ومنها ماسبق عام ١٩٤٠، فمن مقال عهد البطولة عام ١٩٣٥، الذي اوضح فيه القائد المؤسس رؤيته للشخصية البعثية المأمولة بحمل الرسالة، مرورا بثروة الحياة، ومحاضرة ذكرى الرسول العربي في ه نيسان ١٩٤٣، هذه المحاضره التي قال عنها القائد المؤسس ( انني وضعت فيها خلاصة أفكاري )، فقد اوضحت رؤية الحزب الى العلاقة بين العروبة والاسلام والنظرة الى التراث والى التاريخ العربي،  اضافة الى العديد من المقالات والاحاديث الأخرى التي ارست البنيان الفكري للحزب.
ولم تكن المرحلة التمهيدية هذه تقتصر على الجانب الفكري بل شهدت اول ممارسة نضالية الا وهي حركة نصرة العراق عام ١٩٤١، لمساندة شعب العراق للتصدي للعدوان البريطاني في ٢ مايس ١٩٤١، فقد اتخذت هذه الحركة شعارا لها ( ضحي برفاهك اياما..تضمن السعادة لأمتك أجيالا) فقد تطوع البعثيون الاوائل للقتال الى جانب جيش وشعب العراق مثلما بدؤا حملة التبرع بالمال، وكان لهذه الحركة دعاء يردده أعضاءها يقول ( اللهم انت الذي أردت ان يكون العرب أمة واحدة موحدة تحمل الى العالم رسالتك، اللهم هبني قوة الأيمان وصفاء الفكر وصلابة الأرادة لأكون جنديا نافعا في الجهاد الذي يقوم به العراق من أجل وحدة العرب ) .
قام البعثيون الاوائل بأصدار البيانات والمشاركة في  التظاهرات أحتجاجاً على الاوضاع السائدة في القطر السوري، فقد اتخذو اسم حركة الأحياء العربي من عام ١٩٤١ الى عام ١٩٤٣ ، بعدها اصبح اسم حركة البعث العربي، ثم حزب البعث العربي، والجدير بالذكر ان هذا الاسم هو الذي انعقد المؤتمر التاسيسي تحت مسماه، ولم تضاف كلمة الاشتراكي الأ بعد اندماج حزب البعث العربي، مع الحزب العربي الأشتراكي في ١٣ تشرين ثاني ١٩٥٢.
    
لقد شق البعثيون نضالهم وسط الصعاب فقدموا قوافل الشهداء في كل ساحات النضال  في مواجهة السلطات الحاكمة مثلما روت دماءهم ارض فلسطين، فقد كانوا في طليعة المتطوعين العرب في مواجهة المشروع الصهيوني عام ١٩٤٨ وكان على رأسهم القائد المؤسس، وقادة الحزب،  
   عندما توصف حركة ما بأنها حركة تاريخية فهذا يعني انها عصية على الفناء والاندثار، تحمل في لبناتها عوامل المنعة والصمود، وتكمن فيها كل عناصر النمو والحياة، مثلما تحمل فكرا نيرا خلاقا متجددا يواكب تطورات العصر ويضع الحلول لمايستجد من تحديات. وهكذا هو حزب البعث العربي الأشتراكي. فانه الحركه التاريخية بأمتياز، وها هي ثلاث وثمانون عاما على البدايات الاولى، وستة وسبعين عاما على انعقاد المؤتمر التأسيسي، ولم يزل البعث الرقم الصعب، والأمل المرجى لأمة العرب، بل لكل الساكنين في البقاع العربية على اختلاف قومياتهم في التطلع للغد المشرق، فرغم التضحيات الجسام والأجتثاث، والتأمر بكل أشكالة، لم يزل البعثيون يحتفلون بعيد تأسيس حزبهم العظيم، وهم اكثر تصميما وثباتا في الوقوف خلف قيادتهم القومية المعبرة عن الوجود الشرعي لهذه الحركة القومية التاريخية، التي ضربت جذورها في عمق اعماق الارض العربية، فأصبحت شجرة وارفة الظلال لاتحنيها من يتساقط من اوراقها، ولا يثنيها من تتقطع انفاسه من طول الطريق، أو من تغيره النوازع الشخصية والنفس الأمارة بالسوء، فتلاشى كل من خرج من المسيرة وأصبح نسيا منسيأ، وبقيت الشرعية الحزبية ممثلة بقيادة الحزب القومية، مثلما بقي تاريخ البعث الناصع، الذي كتب صفحاته شهداءه ومناضليه عبر عشرات السنين.




الجمعة ١٦ رمضــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / نيســان / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نضال عبد المجيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة