شبكة ذي قار
عـاجـل










الأمن الاستباقي في الحد من استفحال الجريمة في لبنان

نبيل الزعبي

 

لم نكن لنُجافي الحقيقة عندما أكدنا في أكثر من مناسبة على القدرات الاحترافية واللوجستية للأجهزة الأمنية اللبنانية، إن صممت على اظهارها، وذلك في معرض التأكيد على تعزيز الأمن والأمان والاستقرار للُّبنانيين ، وقد جاءت التحقيقات الاخيرة في اختطاف الشيخ احمد شعيب الرفاعي ، لتسجل لهذه الاجهزة نقطةً ايجابية في آلية عملها بعد موجة التشكيك بها ، التي رافقت الايام الاولى لاختفاء الشيخ المغدور وكادت ان تعكر السلم الاهلي بشكل اساسي وشكلت مشروع فتنة لن تكن لتضيف على الواقع المأساوي الداخلي سوى المزيد من الاحتقان السياسي وتهديد النسيج الوطني وخلق البؤر الأمنية المهيأة للتحريض والاتهامات المتبادلة .

إن أول ما يتبادر إعلامياً حول ملاحقة الحدث، هو الإجابة على سؤال استفهامي تلخصه العبارات التالية : من ، متى ، اين ، كيف ولماذا ! وقد تناقلت الانباء المتعلقة بخطف الشيخ المغدور العبارات الاربع المذكورة آنفاً ، غير انها لم تتوغل في التحقيق حول : لماذا حصلت الجريمة وما هي خلفياتها ، وهل كان من الممكن تدارك وقوعها ، سيّما ان الخلاف العائلي بين القتلة والضحية يعود الى ما يزيد عن العقد من السنين ، وحيثياته معروفة وموثقة لدى الاجهزة الامنية التي لطالما اشتكى اليها المغدور وفنَّدَ ، بالتسجيلات الصوتية ، ما كان يتعرض له على ايدي من استهدفوه على حين غفلة وقتلوه بأعصاب باردة ورموا بالجثة في حفرةٍ عمقها ثلاثة امتار  ونصف ، بطريقةٍ وحشيةٍ لم نَخَل يوماً ان يُقدِم عليها من تربطهم صلة الدم والقرابة والانسانية بضحيةٍ اعزل ، لولا انهم امِنوا العقاب ووجدوا من يحميهم ويتستر على جريمتهم ونعني بذلك الطرف السلطوي الذي عزّز ودعم اعمال النفوذ المحلية للمرتكبين وحمى تشبيحهم و"زعرناتهم"لسنين عديدة ، وهذا ما هو موثّق وبصوت الشيخ المغدور يخاطب

السلطة " المقصّرة "كي تضع حداً للاعتداءات عليه وعلى اقربائه ويطالب بتوفير الامن الشخصي لهم، وكذلك اعتراف الرأس المخطط لجريمة التخلص من الشيخ المغدور الذي طلب من المجموعة المكلفة بذلك، مراقبته طوال الشهرين الفائتين بغية إيقاعه بكمين مُحكم بغية تأديبه (!) وكان ما حصل.

ان عبارات الاستنكار والشجب لهذه الجريمة البشعة لن تكفي لوحدها البتة ، كما ان الثناء وحده على الاجهزة الامنية التي اكتشفت الجريمة لن يعيد الى الشهيد المغدور حقوقه ، ان لم تبادر السلطة واجهزتها مجتمعةً الى انزال اشد العقوبات بالجناة وكشف جميع ملابسات هذه القضية وما يكتنفها من اختلاسات وسرقات للأموال العامة والتصرُف بالمشاعات البلدية وبيعها بالتواطؤ مع اطراف داخل السلطة وخارجها وفرّت لهم التغطية السياسية والامنية ،  كمقدمة لمعالجة  المشكلة من جذورها والوقوف على اسبابها كي لا تتفاقم اعمال الثأر والانتقام والتصفيات الجسدية المرشحة الى المزيد من التأزم واراقة الدماء .

قطعاً، لا يتحمل مسؤولية هذه الجريمة فقط المتورطين الخمسة لوحدهم كما اظهرت التحقيقات الاولية ، وانما اصابع الاتهام يجب ان  تطال كل من يتعدَّى اسماء هؤلاء ، ممن حمى وتواطأ وسهّل وتدخّل قبل ارتكاب هذه الجريمة المنظمة ، ابتداء بالأجهزة الامنية التي كانت تردها الإخباريات بالتعديات والتهديدات فتغضُ النظر من باب حماية المرتكبين ، والسلطة المحلية التي تواطأت في وضع اليد على المشاعات العامة والاخرى التي سهلّت لها ذلك ، الى السياسيين الذين كانوا على اتم الجهوزية للتدخل غبّ الطلب لتحمي من يتشاركون معهم في اعمال الفساد والافساد مستذكرين في هذا المجال الجريمة الجماعية التي حصلت في بلدة التليل في عكار والناجمة عن انفجار خزّان البنزين في البلدة والذي وقع في الخامس عشر من آب للعام ٢٠٢١ المنصرم موقعاً عشرات القتلى والجرحى، إلا أنّ شيئاً لم يرشح بعد عن التحقيق،  ولا أحد من المسؤولين الرسميين سأل عن ذلك ، او أحداً منهم اخبر اللبنانيين بحقيقة ما حصل في تلك الليلة المشؤومة، تماماً كما هو حاصل في  جريمة تفجير مرفأ بيروت التي وقعت قبل عام على تفجير التليل وذهب ضحيتها مائتين وعشرين بريئاً وآلاف الجرحى وتدمير نصف مدينة بيروت ، فالمجرم واحد وان تعددت اسماء اصحاب الايدي القذرة التي تعمل في خدمته ، والضحية هو الشعب اللبناني تحت اية مسمياتٍ سقط تحت عناوينها ابرياء ، سواء كان منها المغدور الشيخ احمد شعيب الرفاعي ابن بلدة القرقف في عكار ، ام الضحية دجو نون ابن بلدة مشمش في بلاد جبيل ، ام غيرهم وغيرهم المُوَزَّعِين على كل طائفة ومذهب وبلدة ومنطقة في لبنان ، على ايدي مجرمين ينتمون الى منظومة فاسدة لا تجد ما تحمي نفسها وتتاجر به ، سوى الطائفة والمذهب والدين ، وكل هؤلاء منها براء .






الخميس ١٠ شعبــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / أذار / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة