شبكة ذي قار
عـاجـل










تحسين الأطرش.. الكلمة الأقوى من الرصاص

نبيل الزعبي

 

لواحدٍ وأربعين عاماً اغتالت الأيدي الشعوبية الحاقدة ، أحد أهم رموز الفكر القومي العربي في لبنان المحامي الشاب عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي الأستاذ تحسين الأطرش في عمليةٍ غادرة مفاجئة وهو يتنقل بسيارته في بيروت .

ما لم يعرفه البعض ، أن اثنين من الرفاق كانا مكلفين بمرافقة القائد الراحل الذي كان لشفافيته المعروفة وحساسيته من كل ما يتعلق بالعنف والسلاح، يرفض من المرافقين اظهار سلاحهما ويفرض عليهما وضعها في مكان غير ظاهر في السيارة التي يستقلها ، الأمر الذي عاينه مسبقاً من حضّر للعملية ونفذّها مستهدفاً القائد الشهيد بكل برودة اعصاب ، وعلى قناعةٍ تامة ان الاجهاز على الوطن لن يكون الا بالتخلُص من اصحاب الفكر الوطني القومي، وقد وجد في قادة "البعث "في لبنان هدفه الاول لتسهيل ادخال البلد في آتون التطييف والمذهبية تمهيداً لكل ما نعيشه اليوم من تحلُل وطني مؤسساتي وغياب للدولة لمصلحة الميليشيات ودويلات الكانتونات القائمة .

قدر الشهيد تحسين الأطرش، هو قدر رفاقه موسى شعيب وعدنان سنو وعبدالوهاب الكيالي والعشرات من قيادات ورموز "البعث "في لبنان الذين لقوا حتفهم على مذبح ايمانهم بوحدة لبنان وعروبته وهم المؤهلين والاقدر على قيادة سفينة النجاة اللبنانية نحو لبنان العربي الديمقراطي بعد سنتي الحرب الاهلية ١٩٧٥/١٩٧٦ التي وضعت المتاريس الطائفية بين اللبنانيين وقتلت خيرة شبابهم ودمرّت مدن وقرى وخلفت مئات الآلاف من اليتامى والارامل والجرحى واصحاب الاعاقة الدائمة ، وكان لا بد للنسيج الوطني اللبناني ان يتلاحم من جديد قبل ضياع الوطن نهائياً .

لقد شهد مطلع ثمانينيات القرن الماضي موجةً غير مسبوقة من اغتيالات لرجالات الفكر والثقافة والعلم في لبنان ، كان للبعثيين الحصة الاكبر فيها ، الى جانب شخصيات معروفة ورفاق آخرين في الحركة الوطنية التي لم تكن دماء شهيدها كمال جنبلاط قد جفت بعد ، قبل التغييب المفاجئ للأمام موسى الصدر ورفاقه.

فهل كل ذلك كان مصادفةً وبالتزامن مع إدخال العراق الوطني التقدمي  في حربٍ ضروس مع الجارة ايران بعد تخلصها من الحكم الشاهنشاهي، وهل هو مصادفةً ايضاً الاجتياح الصهيوني للبنان ومجازر صبرا وشاتيلا وتنصيب رئيس للجمهورية بحماية الدبابات الصهيونية وتصفية المقاومة الفلسطينية وانهاء وجود الحركة الوطنية اللبنانية واغراق لبنان في حروب ٍ صغيرة شملت شوارع العاصمة وطرابلس وغيرها من المدن اللبنانية والمخيمات الفلسطينية ، اتخذت الطابع المذهبي المناطقي لينتهي البلد بصراعٍ مناطقي آخر اودى الى احتلال قصر بعبدا والدخول في اتفاق الطائف الذي لم يُطَبّق اساساً لتتكرّس الطائفية والمذهبية والمحاصصات في يوميات السياسة الداخلية اللبنانية ولتترك اللبناني يتحصّن وراء متاريس مجموعته المذهبية في ظل كانتونات وحدود غير مُعلَنة ، رُسِمَت في النفوس قبل النصوص.

إنها الارهاصات السياسية والامنية والعسكرية التي اوصلتنا الى المرحلة التي نعيشها اليوم ونحتاج فيها الى فكر تحسين الاطرش التوحيدي ، ومناقبيته الوطنية واخلاقه المترّفعة  ومحاربته  لكل مشاريع تقسيم اللبنانيين طوائف ومذاهب ومناطق ،

ما أحوجنا اليوم الى اكثر من تحسين الاطرش بانفتاحه على كل المناطق اللبنانية وتقبُل اللبناني الآخر إلى أي جهةٍ انتمى، اللهمّ سوى العدو الصهيوني ومن يرتبط به في الداخل والخارج.

نعم، ما أحوجنا اليوم الى اصحاب الكلمة الصادقة التي ان قالت ، التزمت القول فعلاً وممارسة ً ، ولعمري ، لو كان القاتل يعرف شهيدنا تحسين حقيقةً ، لرشقه بوردة ٍ ووفر على نفسه الرصاصات التي كان على مطلقها توجيهها نحو العدو الصهيوني، وعلى كل اعداء وحدة لبنان وعروبته وحريته  ومن يتربص به شراً وحقداً وتقسيماً.

وسيأتي اليوم الذي يشعر فيه القاتل ومن خلفه بالندم على ما ارتكبوه من اغتيال لشخصيةٍ وطنية بقيمة وقامة المناضل  تحسين الاطرش ، صاحب المواقف المبدئية  والكلمة الاقوى من الرصاص .

رحم الله شهيدنا الكبير ابا علي تحسين الاطرش ، وتضيق العبارة في تعزية رفاقه وعائلته المفجوعة برحيله ولم تزل تعيش على ذكراه حتى يومنا هذا لنقول :

لا تبكه فاليوم بدء حياته.... إن الشهيد يعيش يوم مماته






الخميس ٢٣ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / تشرين الثاني / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة