شبكة ذي قار
عـاجـل










ظافر المقدم ، المناضل الذي لا يفارق الذاكرة.

نبيل الزعبي

 

لا يمكن لشهر آب أن يمر ، إلا ويأخذنا إلى يوم الرحيل المفاجئ لرفيقنا المناضل ظافر المقدم ، القائد الذي عجنته التجارب وجعل منها روافدَ صقل ٍللشخصية النضالية المقاومة التي قلّ ان يتمتع بها قائدُ بمستوى هذا البطل الذي شقّ طريقه عصامياً يتعلم من الناس معنى الوفاء للناس  ، ونهل من رفاقه كيف يوظّف هذه العلاقة الجدلية الراقية في سبيل ان تكبر مساحة الوطن في يوميات المواطن وتعزز انتماءه لامة خالدة برسالتها وواحدة موحدّة بالوجود والتكوين .

لم يتخرّج ظافر من ردهات الجامعات وقاعاتها ، غير انه كان ينافح حملة الشهادات الاكاديمية في موروث ثقافته التي جعلت منه خطيباً مفوّهاً ، لا يُشَقُ له غبار وهو يحمل هموم مزارعي التبغ في الجنوب وعمال المصانع ، المحكومة امورهم ،بسياسة الرأسمال التي لا ترحم ضعيفاً ولا تعطي حقوقاً كاملة ً لعامل وعاملة ، فكان سجن الرمل اول معتقل يتعرّف عليه ، عربون وفاء لانتمائه الطبقي الذي لم يتزحزح وهو يحمل راية النضال الوطني والقومي في ظل حزب البعث العربي الاشتراكي وقد حمل افكاره يافعاً ، فنهل من ادبيات القائد المؤسس الاستاذ ميشيل عفلق ، وتسلّح باشعار رفيق دربه الشهيد موسى شعيب الذي تخاله يتكلم عن ظافر ، ويقصده في اكثر من قصيدةٍ عصماء خلّدت القائدين بقدر ما كرّست فكرة الانتماء للحرية والامة  وعروبتها التواقة إلى الوحدة والتحرير .

هو ظافر المقدم ، الجنوبي الولادة ، الوطني النشأة ، العروبي الانتماء والفلسطيني الهوى ، تعرفه جيداً ساحات الجنوب وقراه المواجهة لفلسطين المحتلة وهو يتولى في العلن امانة سر قوات الحركة الوطنية اللبنانية والفصائل الفلسطينية في الجنوب اللبناني في اوج سنوات الصراع العسكري المصيري مع العدو الصهيوني ، ولما اشتدّ الحصار والتضييق على الفعل المقاوم الذي ارسى " البعث" دعائمه في جنوب لبنان ، كانت "قوات التحرير" احدى تجليات المقاومة التي قادها البعثيون في جنوب لبنان ، يتقدمهم الظافر المقاوم الذي كان على تماسٍ مباشر مع رفاقه العاملين بصمت ، لا همّ لهم سوى ان لا يرتاح عدو فلسطين والامة يوماً وان يبقى الفعل المقاوم مرفوعاً مهما تناوبت عليه البنادق والزنود التي تحملها .

ويسجّل الرفاق للقائد الراحل دوره في اكثر ايام الشدّة التي تعرض لها الحزب من تضييق امني وملاحقات واعتقالات شملت المنظمات الحزبية على كل الاراضي اللبنانية ، حيث لم يتوانَ عن التضحية بحياته الشخصية في سبيل توفير الملاذات الآمنة لرفاقه في اكثر من منطقة لبنانية ، يحنو على الجميع ، ويقدّم كل ما يعزز صمودهم وتوفير حاجيات عيالهم وذوي المعتقلين والجرحى والرفع من المعنويات ، مستفيداً من علاقات اجتماعية راقية نسجها مع البيئة الاجتماعية التي احتضنته ، غير ان حماسته لم تمنعه من تدارك الخطر الدائم الذي كان محدقاً به وعرّضه للاعتقال من جديد اواخر اعوام العقد الفائت من السنين ، كما يُسَجّل له بعد خروجه من المعتقل مشاركته الفاعلة في لجان الدفاع عن العراق وفكّ الحصار الظالم عنه ودعم المقاومة الوطنية العراقية ضد الغزو  الاميركي للعراق واحتلاله .

في المؤتمر القطري الاول للحزب تحت مسمى "طليعة لبنان العربي الاشتراكي" في العام ٢٠٠٥ ، والذي اقترح القائد الراحل الدكتور عبدالمجيد الرافعي ، تسميته ، بعد اكثر من عقدين من الاعتقال والنفي والتهجير التي تعرّض لها الحزب في لبنان وسحب ترخيصه القانوني ، وفي المؤتمر الثاني الذي تلاه في العام ٢٠١١، منح الرفاق المؤتمرين ثقتهم للرفيق ظافر في عضوية القيادة القطرية لدورتين  متتاليتين حيث تولى خلالهما مسؤولية مكتب العلاقات الوطنية للحزب ، قبل ان يعاجله المرض فيستسلم لمشيئة الخالق وحزن الرفاق والخصوم معاً ،

ولقد تجلّت هذه الحقيقة عندما تلاقت في تشييعه مختلف تشكيلات الطيف الوطني اللبناني والفلسطيني في الجنوب الذي ، وبالرغم من الاختلاف السياسي مع البعض ، فإن ما زرعه الراحل الكبير من مواقف نضالية وتاريخ مشرّف اينع احترام وتقدير الخصم والقريب على السواء  ،

فإلى راحلنا الكبير نتوجه اليوم ونحن نمتشق ذكراه ونحمل حزننا ونجيئه لنلقي بين يديه الذكرى والحزن وكل الاشياء  ونردّدُ ما قاله في " البعث" يوماً شاعرنا الكبير الشهيد موسى شعيب ، ملخصاً حكاية كلُ مناضلٍ بعثي دفع ضريبة الوفاء والدم لمسيرة الوحدة والحرية والاشتراكية :

للمرة المليون نعلنها

أنّا هنا نبقى كأشجار

سنموت إن متنا بعزتنا

ونعيش إن عشنا، بأثمار

قد كان بَدءُ الغيث فانتظروا

بقيا حكايتنا مع الثار.






الاحد ١ صفر ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / أب / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة