شبكة ذي قار
عـاجـل










التحالفات الابراهيمية ... قنابل موقوتة!

عماد عبد الكريم


رحم الله الشاعر ابراهيم اليازجي الذي خاطب الامة العربية حكاما وشعبا قبل أكثر من قرن من الزمان قائلاً:

"تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ"

أصبح المشهد في مسرح عمليات العالم العربي مشوشا وغير مفهوم اطلاقاً نتيجة التغييرات الجارية على قدم وساق وكل تغيير باتجاه مغاير للآخر. والعامل المشترك الذي يحرك تلك المتغييرات وجود قوى خفية تعرف ماذا تفعل، ولها القدرة على الرؤية لمسافات تمتد لسنوات طويلة حالكة السواد. ومن هذه القوى إيران وإسرائيل اللتان تنفذان مخططاً استراتيجيا كان قد بدأ منذ قرون ثم ظهر تأثيره اثناء الحرب العالمية الاولى وما بعدها والذي استهدف فرض السيطرة المطلقة على عالمنا العربي ضمن مسارين: الاول انشاء ارض الميعاد بين النيل والفرات، والمسار الثاني اعادة الامبراطورية الساسانية الفارسية الى سابق عهدها وتكون بغداد عاصمة لها.

بدأ المخطط بترسيم حدود وهمية لتقسيم الدولة العربية ولتحديد مناطق النفوذ بين بريطانيا وفرنسا، ثم تلاها زرع الكيان الصهيوني في قلب الامة العربية بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، ثم تلاها عزل مصر العروبة عن العالم العربي بعد كامب ديفيد، وجاء دور ملالي إيران لضرب الامة العربية ممثلة بالعراق وشعبه بعد خسارتهم المذلة في حرب القادسية الثانية، ثم ظهر دور الميليشيات الايرانية لتلعب دورها المرسوم في لبنان وسوريا واليمن والبحرين. وهكذا انتشر المرض في جسم الوطن العربي وما زال ينتشر دون ردة فعل من اولي الامر للقيام بأي علاج حقيقي للتخلص منه.

ثم ظهرت صفحة "الربيع العربي" في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين. ونحن نعرف ما حواه "الربيع العربي" وما خلفه من اعاصير احرقت الاخضر واليابس.

جاء عهد ترامب، عراب التناقضات في الشرق الاوسط. فقد حاول ظاهريا ايقاف الدور الايراني المدمر للامة العربية في حين انه دعم اسرائيل في السيطرة الكاملة عليه، ومن ستراتيجياته نقل عاصمة اسرائيل من تل ابيب الى القدس المحتلة. وعلى حين غِرة، ظهرت اتفاقيات ابراهيم للسلامـ، او ما يعرف بالاتفاقيات الابراهيمية. فقد عقدت الاتفاقية الاولى في ايلول/ سبتمبر 2020 بين الامارات العربية المتحدة واسرائيل، ثم عقدت الاتفاقية الثانية بين البحرين واسرائيل. وفي تشرين الاول/ اكتوبر من نفس العام عقدت اتفاقية بين السودان واسرائيل... السودان التي عقد فيها مؤتمر قمة سمي بمؤتمر اللاءات الثلاث: لا صلح، لا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل.

وما زالت الاتفاقيات تتوالى تباعا. حيث من المتوقع ان تكون المملكة العربية السعودية طرفا في اتفاقية جديدة مع اسرائيل، هذا ان لم تكن قد فعلتها هي الاخرى مسبقاً.

كل هذا ونحن نتفرج... ترى ما هو الثمن؟ ما زال الضباب يلف عالمنا العربي...

إن إتفاقيات إبراهيم للسلام شكل من اشكال الارهاب (المبطن) الداعي الى محو هوية الامة العربية وموروثها الحضاري وتاريخها العريق. فهذه الاتفاقيات خلايا نائمة أخطر واشد فتكا من الارهاب العسكري. تستهدف اساسا تفكيك وحدة الأمة العربية وتشتيتها وجعلها تئن تحت نير المحتل.

تهدف الاتفاقيات الى انفتاح مجال السياحة والمصالح التجارية للدول العربية مع اسرائيل، وهذا الانفتاح سيقود الى استيطان اسرائيلي في الخليج اولا، ثم تتبعه الدول الاخرى الجانحة الى تلك الاتفاقيات. وإذا ما استتب الاستيطان الاسرائيلي في دولنا العربية، فكيف السبيل للتخلص منه إذا ما علمنا (وراء الاكمة ما ورائها)؟

إذا ما نظرنا الى دول الخليج العربي، نرى ان غالبية سكانها من الوافدين الذين يسيطرون على وظائف القطاعين العام والخاص. فاذا ما حصلت اي مشكلة، او لنقل إذا ما اراد (العدو الصديق) زعزعة استقرار اي دولة خليجية او غيرها، فان حركة عصيان غير مسلح كافية لتشل الاعمال وتوقف الحياة في ذلك البلد.

إيران، الوجه الآخر لإسرائيل، لها مصالح تجارية كبيرة وكثيرة منتشرة في الامارات والبحرين وقطر والسعودية والكويت وعمان ولديها ايدي عاملة كثيرة ايضا. فلنتصور حجم الكارثة إذا ما ارادت أي منهما ان تستغل تلك المصالح لضرب اي دولة عربية خليجية خاصة.

لقد عمل العدو الفارسي الصهيوني على جعل دول الخليج تعتمد اعتمادا كليا على الايدي العاملة الاجنبية خصوصا من دول شرق اسيا وجنوبها ومن إيران كذلك. والسبب ان تلك الايدي العاملة لا علاقة لها بالوازع الديني كما انهم لا يؤيدون دول الخليج بمواجهة اسرائيل. وبهذا انطفأ حماس وحدة الامة تجاه قضية تحرير فلسطين، وبالتالي تحقق هدف الصهيونية في التجزئة. ونستطيع القول ان حكم اسرائيل من الفرات الى النيل أصبح واقعاً ملموساً

عند استتباب السلام بين العرب والاسرائيليين، وهذا ما يخطط له الغرب والصهاينة، ستصبح القدس مقصدا يزوره المسلمون باعتباره بيت الله العتيق اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مكة والمدينة. لنتصور الموقف عند زيارة مسلمين من كافة ارجاء العالم لمدينة القدس. ولنتصور حجم الايرادات التي تدر على اسرائيل جراء زيارة المسلمين للقبلة الاولى! والسؤال المهم هو كيفية التعامل مع الاسرائليين تجاريا واقتصاديا ودينيا و (وديا) إذا ما ذهبنا لزيارة المسجد الاقصى؟

السؤال اعلاه يقودنا الى نقطة مهمة ايضا وهي ادارة المسجد الأقصى (بيت المقدس)، وكما هو معلوم ان ادارة المسجد الاقصى تقع الان على عاتق الحكومة الاردنية. ومن المعلوم ايضا ان تركيا لها حقوق في القدس. وهذه الحقوق عبارة عن املاك مسجلة منذ عقود طويلة. وهنا يبرز تساؤل عن الجهة التي ستحاول ان تكون (راعي) المقدسات (الاسلامية/ اليهودية/ النصرانية). من المعتقد ان اسرائيل ستمنح السعودية حقوق رعاية بيت المقدس مقابل اعترافهم باسرائيل، أي ادارة الاوقاف هناك لانها المنافس الرئيس ماديا ومعنويا لتركيا. وهذا في حد ذاته قنبلة موقوتة لزرع الفتنة بين دول اسلامية وسيكون الثمن الذي تدفعه اسرائيل لغرض اعتراف السعودية بهم وعقد اتفاقية معهم. وهنا ستدخل إيران على الخط مطالبة برعاية بيت المقدس، وداعية الى ان تكون القدس عاصمة للعالم الاسلامي. وهذه هي القنبلة الكبرى التي سيكون لها وقع على العالم الاسلامي برمته. ان انتشار ميليشيات إيران في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، نعم فلسطين، سيساعدها على المطالبة بان تكون ادارة القدس بيدها.

تسعى اميركا الى تفجير القنابل الموقوتة واحدة تلو الاخرى. فقد اعلنت الولايات المتحدة والسعودية ان الرئيس الاميركي بايدن سيزور اسرائيل في منتصف تموز 2022 ومنها سيتوجه الى السعودية للقاء الملك سلمان. وسيحضر بايدن قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربي من ناحية، ومن ناحية ثانية سيحضر مسؤولون رفيعوا المستوى من العراق ومصر والاردن لقاءات بايدن والملك سلمان. لذلك ربما ستنفجر القنبلة لتعلن الاتفاق بين السعودية والعراق مع اسرائيل. ترى هل سيكون تأثير هذه القنبلة سلبيا على الفرس اعداء الامة العربية؟

الجواب سيكون في لعبة كرة قدم بين فريق اسرائيل ومجموعة من لاعبي الدول العربية تحت مظلة جامعة الدول العربية.

 

مرة اخرى: رحم الله إبراهيم اليازجي الذي قال

"تَنَبَهوا وَاستَفيقوا أَيُّها العَرَب فَقَد طَمى الخَطبُ حَتّى غاصَتِ الرُّكَبُ".

لن ولم نستفق ايها العرب بدون الوحدة وبعيدا عن الرسالة الخالدة.






الاحد ١٩ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عماد عبد الكريم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة