شبكة ذي قار
عـاجـل










وسائل التواصل الاجتماعي بين مسؤولية الكلمة والهبوط الأخلاقي

نبيل الزعبي

 

كالفطر الذي ينتشر عشوائياً في الغابات وعلى جانبي الطرقات، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي كماً هائلاً من الحسابات التي تتوالد بالدقيقة والثانية الواحدة ، منها ما هو عام وذو فائدة علمية وتثقيفية ، ومنها السخيف والتافه والمدّعي ، وفيها الذي يُدار بأسماء وهمية بقصد التمويه والتنصل من مسؤوليات ما يحتوي من مواقف وآراء ، لعل الخطير فيها ما يتم استحداثه للإساءة إلى أفراد معينين وجمعيات وأحزاب، أغلبها بدافع الابتزاز والتشهير ، ضحاياها اشخاص معنويون ذوي قيمة اعتبارية في حيثيتهم ومحيطهم ، لينطبق على الانترنت مقاربة المقولة التي قيلت على لسان (كولت ) يوماً عندما صنع أول مسدسٍ: "الآن يتساوى الجبان مع الشجاع"، وعندما وُجِد الإنترنت تساوى الجاهلُ مع العالم .

أما في مسألة الانترنت فيا ليت الاشكالية هي بين الجاهل والعالم وحسب ، وإنما تطالعنا يومياً منصات ظاهرها إعلامي  وحقيقتها في قمة الإساءة للرسالة الإعلامية الملتزمة بالكلمة المسؤولة التي تحقق بالخبر وتدقق به قبل نشره حفاظاً على مصداقيتها أولاً والتزاماً بالقيم الأخلاقية للرسالة الإعلامية ثانياً، غير أن ما نواجهه اليوم لا يمتُ إلى الموضوعية الإعلامية بِصِلَة، ليكون أقرب إلى التشبيح المشرًع الأبواب، أبطاله لا يظهرون على حقيقتهم وإنما يتظاهرون بنقيضها ، فترى المرتكب والمسيء، يقدم نفسه نموذجاً للأمانة والعفة والنزاهة ، وتستقصي عمّن يدّعي الوفاء والإخلاص للمثل العليا، فتراه من أصحاب السوابق في خذلان أقرب الناس إليه، وسمعته في محيطه ملوّثة لدرجة تدفعك إلى تجاهله تماماً، أما هو فيتعمّد الإشارة إليك بالسوء عمداً بغية دفعك إلى الرد عليه ليصيبك من رذاذ تفاهته ما يسئ إليك في محيطك ومجتمعك، غير أن ما يثير الاستغراب حقاً أن يواجهك ما كنت تثق به يوماً، فيقدم نفسه بأكثر من قناعٍ وقناع متجاوزاً الصورة الإيجابية التي تحملها عنه في ذاكرتك، لتفاجأ أنه يغيّر في المبادئ كما التبديل في الأقنعة التي يرتديها .

جُلّ هؤلاء كنت تتوسم فيهم الرزانة والحصافة في القول والعمل، لتكتشف أن براعتهم في التمثيل تفوق كل ما يُعرَف عنهم من مهارات، ولتتوقف أمام "مهارة "التشهير بالآخرين التي لا تضاهيها مهارة...

لتتساءل: ما قيمة الشطارة الإعلامية أمام الهبوط الأخلاقي في المحتوى والهدف!

وما قيمة الماضي الذي كنت تحسبه ناصع البياض أمام الحقد الأسود الذي ينمُّ عن "تقية" مزمنة أُحْسِنَ استخدامها بعفوٍ سابق غَفَرَ عمّا مضى، أمام ذلك، وإلى أن يحين الوقت الذي تتوسع فيه مكاتب مكافحة جرائم المعلوماتية والتشهير بالآخرين التي يجب أن تُطَبّق على من ديدنه الأذى من أية بقعةٍ في العالم يضخ الشتائم والسموم، لا تجد أمامك سوى اسدال الستارة على مرحلةٍ سابقة، ربّما كنت فيها مغمّض العينين، وتقول في قرارة نفسك الحزينة:

لا يُلدَغ المؤمن من جُحرٍ مرتين.







الخميس ١١ شــوال ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / أيــار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة