شبكة ذي قار
عـاجـل










في عيد البعث

خمسة وسبعون عاماً من الحصاد الثوري

حسن خليل غريب - لبنان

 


إن جمع خمسة وسبعين عاماً في مقال قصير من نضال البعث الفكري والسياسي معجزة لن تحصل. بل يكفي في مساحة قصيرة، أن نوجزها بما يعبِّر عن اعتزازنا بهذه المناسبة.

عندما وُلد البعث، ولدت العروبة بوجه جديد قابل للحياة، وبمناضلين يقدِّمون أرواحهم فداءً لها، ودفاعاً عن كرامتها. بل كان هو القابلة الحقيقية التي قام بتوليدها في حلتها الراهنة الواضحة الحدود الجغرافية، ولم ينس ما وهبه الاستعمار إلى جيران العرب كالأحواز الإسكندرون، ترغيباً منه في اجتذابهم إلى جانبه. كما وتوليد الأسس الفكرية والسياسية الحديثة لبناء دولة العروبة ببرامجها الإنسانية العميقة التي تنظر إلى مستقبل الأمة العربية الواحدة لترتبط مع العالم بالقيم الإنسانية العليا، وتربط مواطنيها بمعايير واحدة من دون تمييز. وتوفير العامل الأهم في استعادة قوَّتها بوحدتها بحيث تشكل الأنموذج للشعوب التي تكافح قوى الاستعمار والرأسمالية.

كان تأسيس البعث على قواعد فكرية واضحة، وقواعد سياسية تضمن حقها في تقرير المصير. فكانت الخطوة الأولى الواعية التي وضع لبنتها المؤسسون الأوائل في الحزب.

منذ تلك اللحظة، انطلقت صفارة الإنذار أمام جماهير الشعب العربي لتأخذ دورها، في الشارع تهتف انتصاراً للتغيير، وفي المصنع لتوفير الاكتفاء الذاتي. والحقل لتأكل مما تنتج. وفي مواجهة البورجوازية الاقتصادية والتجارية لتحصيل حقوقها. وعلى المقاعد الدراسية لتحصيل العلم والمعرفة. وخلف المتاريس ضد من يخترق أمنها القومي. والرضى بزنازين الأنظمة القمعية إذا كانت بوابة للحرية. والتوعية الإعلامية لكشف الأقنعة عن أعداء الأمة. وتعبئة الجماهير بالعنفوان القومي الذي سطره أجدادهم عبر التاريخ الطويل في كل ساحة عربية.

تراكمت المهمات أمام البعثيين واشتدَّت المصاعب، وتكاثر الأعداء، وتصاعدت المحن، إلى أن راح أعداء البعث، في كل مرة تخرج منها عنقاؤه إلى العلن من جديد، يتساءلون باستغراب: وهل البعثيون ما زالوا أحياء؟

خمسة وسبعون عاماً مملوءة بالنضال والتضحيات، ظلَّ البعث حياً لأن من حملوا أفكاره كانوا يؤمنون بأنه إما حياة بعز، أو ممات بشرف. كما اعتبروا أن في حياتهم حياة للأمة، وفي الهروب موت لها، وموت لهم.

ما أكبرهم هؤلاء الذين شقُّوا طريق البعث. ما أكبرهم أولئك الذين أسسوه. ما أكبرهم هؤلاء الذين تابعوا المسيرة وماتوا دفاعاً عنها. ما أكبر هذه الأمة بأمثال هؤلاء الكبار.

أمة شقَّت طريق الحضارة الإنسانية، لن تموت برصاصة من هنا، وقذيفة من هناك. بصاروخ من هنا، وصاروخ من هناك. بجيش غاصب من هنا، وجيش غاصب من هناك. وكما الشمس لا يحجبها الظلام، كان البعث دائماً تحت ضوء الشمس يكسح من أمامها الغيوم العابرة، فتضيء من جديد، ويلمعون معها كالذهب الذي تخلَّص من رواسب الأتربة التي كانت تغطيه.

 الرصاصة والقذيفة والصاروخ والطائرة تقتل إنساناً، وتدمر منزلاً، أو تدمِّر كل ما أنتجته الأمة من معالم حضارية ومادية. ولكنها لا تستطيع أن تقتل روحاً تعشق أمة حرة. لا تستطيع أن تقتل الشوق والشعور بالانتماء إلى أمة. ولن تستطيع قتل روح الابتكار عند العربي ليعيد بناء ما تمَّ تدميره.

هذا الانتماء الحميم، يُولِّد آلاف البشر بديلاً لكل مواطن تقتله رصاصة أو قذيفة أو صاروخ. وهو الذي يستطيع أن يعيد بناء ما تهدم. ويستطيع أن يدحر كل الغزاة كما فعل أسلافه. والتاريخ يشهد أن العرب بتروا كل قدم وطئت قهراً أرض العروبة، من فارسية، إلى يونانية أو رومانية. أو قدم مغولية، أو صليبية. أو قدم صهيونية، أو أميركية.

أيها البعثيون أنتم كبار. في كل عرس ثوري تقدِّمون فيه الدماء، وتحتفلون بعرس للشهداء. فليحتلوا الأرض وليدمروا الشجر والحجر، وليبقروا بطون الحوامل. ولكنهم لن يستطيعوا أن يدمروا عقولكم، ويحتلوا صدق انتمائكم.

خمسة وسبعون عاماً سقط فيها مئات الآلاف من الشهداء البعثيين، والمتوفين، ولكن مسيرة حزبكم استمرت. ما أن يخبو في ظرف عصيب، حتى يستيقظ من بين الأموات مفاجئاً كل من نعاه.

طلَّقتم السلطة إذا لم تكن تحريراً للشعب، وعملاً من أجل سعادته وكرامته.

عشقتم الخنادق، ورفعتم البنادق لتحرير الأرض. وحملتم كتابكم الذي ينص على قيم الكرامة. والكرامة هي في حماية الأرض وسعادة الشعب وحريته.

كنتم قبل أن تكون السلطة، وكنتم في السلطة، ولا ترضوا أن تكون السلطة هدفاً، بل وسيلة.

لقد أصدر الاستعمار والصهيونية، منذ خمسينيات من القرن العشرين، قراراً بملاحقتكم لأنكم منعتم الاستسلام لهما. وأصدر بول بريمر قراره الأول بإعدام البعث، بعد احتلال العراق. كان من سوء حظه أنه أتى بمن كان كل همهم أن يعرفوا مقدار رواتبهم. ولم يسألوه لماذا أعاد العراق إلى ما قبل العصر الصناعي، لا بل أعاده إلى العصر الهمجي، الذي قاده جماعة من اللصوص والقتلة والطائفيين. لقد أدَّى الرغاليون خدمة جلَّى للثورة العربية، بعد أن كشف الشعب عن وجوه الفساد، واللصوصية، فرفعوا المتاريس في وجوههم، وعرُّوهم من أقنعة الديكتاتورية الأميركية، والديكتاتورية الإيرانية، خاصة بعد أن صوَّبوا بنادقهم إلى صدور الثوار الشباب.

ولكن تحالف الشر الأميركي – الإيراني، لم يحسب أن في العراق أشرافاً قادوا معركة تحرير العراق من الاحتلال، وما زالوا حتى أرغموا إدارته على تجرع كأس الهزيمة.

وكان بين هذا وذاك، أفواج من البعثيين في الطليعة منهم، بقيادة صدام حسين وعزة ابراهيم، ولاقت صداها في ثورة تشرين التي قادها الشباب بعد أن اكتشفوا جريمة نظام ولاية الفقيه، الذي استولى على العراق برعاية (شيطانه الأكبر) وقاده بمجموعات من العراقيين من الذين باعوا شرفهم، وعاثوا فساداً في ثروات العراق ليقدموها على طبق من فضة إلى خزائن كسرى الجديد.

تجاهل نظام ولاية الفقيه مكابراً. أن البعث بالمرصاد، ستنتفض عنقاؤه من تحت الرماد من حيث لا يحتسب. وظلَّ مطمئن البال فيما اعتبره منطقة آمنة لنفوذه الطائفي، إلى أن فاجأته ثورة تشرين في العام 2019. حينذاك فتح عملاؤه أعينهم تعجباً وهم لا يصدِّقون ما يرون ويسمعون. فلم يكن أمامهم سوى استخدام وسائل الإجرام بكل ما فيه من بشاعة. فقتلوا المئات، وأعطبوا الآلاف، وزجَّوا بما يعادلهم في سجون (الولي الفقيه).

ومن ثورة تشرين كانت البداية، وفي نهاية المشهد الثوري الجديد ستكون نهاية كسرى. وسيذوق مرارة الهزيمة مرة أخرى، كما ذاقها في السابق. وسيعرف طعم مرارتها بعد أن تذوَّقتها الإدارة الأميركية بجمهورييها وديموقراطييها، حيث فرُّوا هاربين بعد (أن انفتحت عليهم نار جهنم) من فوَّهات بنادق أبطال المقاومة في العراق.

كانت ورقة النعي التي أعلنها بول بريمر، استفزازاً لكل عربي حر شريف. وهذا البعث ترتفع راياته خفَّاقة في روابي الوطن العربي من مغربه ومشرقه، ثائراً في صفوف ربيع الشباب العربي، من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي.

في العيد الخامس والسبعين، وكل عيد، سيبقى البعثيون بخير، ما داموا في خنادق النضال.

من عراق المشرق العربي، ثورة حتى إقفال البوابة الشرقية للوطن لعربي.

إلى المغرب الأقصى التواق إلى لقاء مشرقه.

من سورية الجريحة، إلى السودان المكافح ضد الانقلابات التي برهنت الوقائع أنها تقفل باباً آخر من أبواب العروبة.

من القدس الجريح، إلى الأردن الذي تنفتح جروحه كلما أثخنت حراب الصهيونية الجراح في فلسطين.

من لبنان الذي ناء تحت أثقال التبعية والطائفية، إلى اليمن المكلوم بتلك الأثقال.

من تونس ثورة الياسمين، إلى جزائر المليون شهيداً، إلى ليبيا التي تجاهد للتحرر من دبابير الميليشيات التي زرعتها أيدي الصهيونية والاستعمار وحركات الإسلام السياسي.

من مصر أم الدنيا، المكبَّلة بأصفاد كامب ديفيد، إلى جماهير دول الخليج العربي التي ترفض التطبيع مع الصهيونية.

من البعث إلى الجماهير اليائسة من الخلاص، يهتف قائلاً: أنا معكم لا تخافوا الموت في المتاريس المنصوبة ضد ناهبيكم وقامعيكم ومحتليكم، لأن الموت بشرف خير من حياة تعيشونها بالذل والمهانة.

من مناضلي البعث، إلى مؤسسيه وشهدائه وقادته الذين رحلوا، يهتفون: (نحن على دربكم لسائرون).

من العيد الخامس والسبعون للبعث، يُعلن: (لن أكون الأخير في أعياد البعثيين). بل أنا البوابة لأعياد ستأتي بعدي، وما بعد بعدي، حتى تبلغ الأمة العربية بعثها الكامل من جديد.






السبت ٧ رمضــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / نيســان / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة