شبكة ذي قار
عـاجـل










أغاني الشُّهداء

بابكر الوسيلة*

(1)

لا تبكُوا على الشُّهداء!

كيف يبكي الحقلُ سُنبلةً تقومُ على سبيل الماء؟!

لا تمشُوا يَتامَى تحت ظلِّ النَّعْش..!

غنُّوهمْ أغاني الطِّينة الأُولى

ورُشُّوهم بشَهْد بلادكم فيكم..

وزُفُّوهم كعِرسانٍ لربِّ العَرْش..!

 

لا تبكوا على الشُّهداء!

 

(2)

كيف أنسى الحفل، حفلي

حين أرى الموجةَ تنهضُ من وجهِ شهيدِ

 

أُذاكِرُ في دمِ الشُّهداء حقلي

كيف أنسى الموكبَ العامرَ بالموتِ السَّعيدِ

 

يا بلاداً علَّمتني أن أرى ليلي يراني

كلُّما أوغلَ ضَوءُ الدَّمعِ في الغَور البعيدِ

 

(3)

تناقلَ الشُّهداءُ أخبارَ هذي البلاد

على جِلسةٍ واسعة..

قال واحدُهم: والحقيقةْ..

وطنٌ تركناهُ بالأمس

ينمو بطين الحديقة..

أضرموا النَّارَ في حقلهِ

وقالوا: الحداد!

ظنُّوه مات

فما قتلوهُ

وما جفَّفوا من طينة النِّيلِ ندى الذِّكريات..

(هكذا شُبِّهَ للطَّير،

من جنود الجراد).

 

قال آخَرُ في الشَّاهدِين:

فتًى في "الأربعين"،

مع آخرين،

توشَّح بالطِّين

في رقصة رائعة.

وآخرُ قال: وقالوا فتاةْ..

وآخرُ: مهما يكُن،

فإنَّ الشَّهيدَ شهيدَ الوطن..

بل شهيدَ الحياةْ.

قال واحدُهم: فلتُسيِّرْ جموعُ الجراح

تَظاهُرة ضدَّنا ها هنا

تظاهُرةً حاشدة..

حتَّى نعودَ إلى شارع النِّيل هذا الصَّباح.

قال واحدُهم في الكبار: وما الفائدة؟!

واحدةٌ في الشَّباب: على أيِّ حال، أنا عائدة

واحدةٌ في الحياة: إنِّي مع الحبِّ،

أنَّى توجَّه النِّيلُ مع النَّاس بوجه الشَّهيد

على موجةٍ واعدةٍ

واحدة.

 

(4)

أخضرُ مثلُ السُّودان،

هذا الولدُ الشَّهم..

فتًى ممتليءٌ بالشَّارع في قلبِ حبيبتهِ الخضراء..

يمشي بالموكب عن جسد الماء

كراقصِ باليه..

ويُرقِّص رملَ النَّهرِ

ورُوحَ العَصرِ على قدَميه..

 

في دمه يجري وطنٌ سودانيٌّ دانٍ..

يَصعَدُ أعلى الموكبِ فيه..

ويُصاعِدُ ذاكرةً في أقصى غابات الوجدان،

وهو يُغنِّي للموج الصَّاخب من دَمِ صاحبهِ

الِّاسْتشَهدَ قبل قليلٍ

في تلِّ يدَيه.

 

(5)

حين تقرأُ شعراً على النَّاس..

ضعْ صورةَ ذاك الشَّهيدِ على كلِّ وجه!

فمنهْ،

ستشربُ هذه الشَّاعريَّة من كلِّ نفْس.

تنفَّسْ مع الجمعِ

وادمَعْ بماء النَّشيدِ

دمعاً طهورا..

فإنَّك كنتَ أنتَ القتيلَ المُشاهَدَ،

لولا دماءُ الشَّهيد،

لولا مواكبُها، القصيدة،

في استشهاد عصفورة.

 

.(6)

في شارع النِّيل هذا الصَّباح..

رأيتُ امرأةً خارجةً للتَّوِّ من ساحة الاعتصام

عاريةً في تمام  الظَّلام

مجروحةً مُجهَدة..

 

أوقفتُها في مقام الذُّهول

قلتُ لها: ما بك الآن يا سيِّدة؟!

قالت: ووالله لا أعرف ماذا أقول!

......

في فمها،

اشتغلت رائحةُ الزَّغاريدِ،

آهِ، الزَّغاريد التي أعرفها چيِّدا

 

وفي صوتها اشتعلت كِلْمةٌ واحدة:

"الشَّهيد"

 

(7)

في شارع النِّيلِ،

أمام طلول الشُّعراء..

أوقفني قلبي

وهو يغنِّي للمجهول:

-بطاقةَ حُبٍّ ساريةَ المفعول؟

كانت روحي مُستنداً للطَّير وقائمة الشُّهداءِ

بإمضاء "أحبُّكِ"

ساريةَ الذِّكرى

بسريرةِ كُولُومْبِيٍّ مقتول.

 

(8)

يا مواكبُ علِّميهم

آيةَ المعنى:

أنَّ صوتَ الشَّعب عند الفجر سودانٌ مُقدَّس..

أنَّ طاقةَ هؤلاء الفِتْيَة العُشَّاق لا تَفنى

وأنَّ صوتَ النَّهرِ يعلو فوق أصواتِ المُسدَّس..

علِّميهم أنَّنا نصحو بموجات البسيط على البسيطة

في أبديَّة المغنى..

وأنَّنا ننمو سويَّاً أسويَاء،

عشَّاقاً

أصحَّاءً

عُراةً عند طينة ملتقى الشُّهداء.

* شاعر سوداني






الثلاثاء ١٩ شعبــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / أذار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بابكر الوسيلة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة