شبكة ذي قار
عـاجـل










ينكر نوري المالكي، في خطابه الأخير، أنه أحد أكبر مثيري الطائفية ومؤججيها في العراق، ويحاول الظهور بمظهر المحارب الأول لها متناسياً أنه، أصلاً، من حزب طائفي، وإن أضاف إلى اسمه كلمة ( الإسلامي ) ، حاله حال الحزب الإسلامي، الذي هو الآخر، حزب طائفي بامتياز، ومفترضاً أن الناس بلا ذاكرة أو أصيبت بفقدان الذاكرة بحيث لم تعد تذكر تصريحاته التي تفوح منها الروائح العطنة للطائفية التي لوثت أجواء العراق وتولدت منها فايروسات قاتلة لولا امتلاك الجسد العراقي مناعة قوية ضدها، فأفشل مفعولها في أكثر من مناسبة.


يقول المالكي في خطابه: ( لقد واجه العراق موجة جديدة من الارهاب في اوائل عام الفين واثني عشر حين كانت المنطقة العربية تعيش بدايات الحرب الطائفية، وهي حرب شاركت في اثارتها اجهزة مخابرات دولية واقليمية بالتعاون مع بعض القوى السياسية المحلية التي كانت توفر غطاء سياسيا للمنظمات الارهابية ) .


ولايذهبن بكم الظن بعيداً فالمالكي لا يقصد أبداً إيران التي تربى حزبه في حجرها، وإنما يقصد الدول العربية التي يتهمها من دون أدلة معتبرة، وبهدف خلق الأزمات المتواصلة معها، وهنا ينبغي أن نقول له: إذا وافقناك على ما تقول وبرأناك وحزبك وحكومتك من الطائفية، فكيف تفسر لنا فقرة ( 4 إرهاب ) التي سماها العراقيون تندرا ( 4 سنة ) لأنها مصممة خصيصاً لطيف واحد من شعبنا وامتلأت السجون والمعتقلات لأبناء هذا الطيف الكريم بفعلها، وكيف تفسر تأكيدك أنك ابن الحسين وأبناء ذلك الطيف أبناء يزيد؟ أو أنك شيعي أولاً، مع أنك لا تمتلك من الشيعة إلا الاسم مجرداً عن أخلاقهم، أم أنك نسيت تصريحك الأخرق الذي طالبت فيه المسلمين بالتوجه خمس مرات في اليوم صوب كربلاء بدلاً من الكعبة؟


ولأن الطائفية المقيتة نهج أكيد في حزب الدعوة فإن معاناتنا معها لن تنتهي بخلع المالكي، فهذا خليفته حيدر العبادي يطالب بتسمية بغداد ( بغداد موسى بن جعفر ) بدلاً من ( بغداد هرون الرشيد ) ، ومع يقيننا أن بغداد هي بغداد موسى بن جعفر ومحمد الجواد وأبي حنيفة النعمان والشيخ عبد القادر الكيلاني وصدام حسين وعلي الوردي وعلي السوداني وعمر الكبيسي وهرون الرشيد وهرون محمد وطه باقر ومحمد مهدي الجواهري وعبد الرزاق عبد الواحد وعبد الرزاق محسوب، صانع ساعة الاعظمية، والشيخ مهدي الخالصي ومعروف الرصافي وأبي الثناء الآلوسي وجميل صدقي الزهاوي وخالد الرحال وخليل الورد وجلال الحنفي وحسين علي محفوظ وجان دمو وكوركيس عواد وميخائيل عواد ورعد بندر ولؤي خق ومنذر آل جعفر إلى آخر من يترك بصمة فيها، إلا أن المراد من هذه الفرية دغدغة المشاعر الطائفية للسذج من الناس وفرضها ثقافة بديلة للوطنية الأسمى.


قرأت لأحد المطبلين للمالكي أن هذا المالكي أبعد عن الولاية الثالثة لأنه بات يشكل خطراً على إسرائيل، وهذه نكتة سمجة لم يسمع واضعها ما قاله مالكيه: ( وتزامنت بداية المرحلة الجديدة للارهاب في العراق مع اندلاع الازمة في سوريا في اوائل عام الفين واحد عشر، وقد حظيت المنظمات الارهابية في سوريا بدعم متعدد الاتجاهات والاشكال من بعض الدول الكبرى والدول الاقليمية ذات التوجهات الطائفية، ولم يكن الهدف الاساس للازمة السورية هو اسقاط النظام في سوريا فقط، انما ليكون بوابة لاحداث تغييرات ورسم خارطة سياسية جديدة في المنطقة ومن بينها العراق ) .


يا سبحان الله، إن العراق مستهدف بالتغييرات ورسم الخارطة السياسية الجديدة في المنطقة، وراسم هذه التغييرات وواضع الخارطة الجديدة هو أمريكا التي فرضت المالكي والحثالات أمثاله، بدمها وشحمها ولحمها، فهو يصور نفسه هنا مقاوماً ضد الأمريكان، متناسياً أن إسرائيل طابت نفساً وقرت عيناً ببقاء النظام السوري الذي لم يطلق إطلاقة كلاشنكوف واحدة عليها، ولكنه ليس رجل دولة ولا يعرف كيف يقرأ السياسة، لأنه من سياسيي ( آخر وكت ) ، أو كما قال الكاتب الأمريكي بيتر بيكر في تقريره الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز: ( ما كان دائما يظهر هو أنه يعاني من الداء نفسه الذي يعاني منه قادة المنطقة – عدم القدرة على استيعاب كيفية مقاسمة السلطة مع الجماعات الأخرى الرئيسية والدوائر الانتخابية الأخرى ) ، وأسألكم بربكم الذي تعبدون، إذا لم يستطع المالكي قراءة السياسية الداخلية، أو قرأها بغباء حتى ذهب برجليه إلى المهالك، فكيف سيقرأ السياسة الإقليمية والدولية؟


وأعرب المالكي عن امتنانه لقواته الامنية ومن سماهم المجاهدين المتطوعين وابناء العشائر الغيارى، الذين يشكلون صحواته وميليشياته، لأنه بفضلهم استطاع، كما زعم، استيعاب واحتواء الهجمة الارهابية والانتقال بسرعة من مرحلة الدفاع الى الهجوم واستعادة زمام المبادرة وتحرير محافظات ومدن وفتح طرق رئيسية بين المدن والمحافظات!!


ولا أدري ما هي المحافظات التي استطاع المالكي وجيشه وميليشياته وصحواته استعادتها وأكثر من نصف مساحة العراق يمسكه الثوار ولم يستطع استعادة شبر واحد منه على الرغم من التحشيد الطائفي والقوات الإيرانية والميليشيات الطائفية العراقية واللبنانية والصحوات البلهاء.


ولكني أعتقد أن هذه التصريحات مهمة من جهة تركها لنموذج سياسي لم يسبقه سابق في الكذب، ولكن المتضرر الوحيد من هذا النموذج سيكون المسكين غوبلز الذي لن يتذكره الناس مادام لديهم المالكي.


ولم يكتف هذا المالكي بأن يقرن نفسه بالإمام علي بن أبي طالب فقرن نفسه بالعراق عندما قال: ( أدرك جيدا ان المستهدف ليس المالكي بعينه، انما العراق باجمعه، وقد بذلت كل جهدي ووقتي واستخدمت كل الوسائل المتاحة لاحباط المخطط الذي اختلفت اطرافه هدفا ووسيلة والياته، مع ضرورات ادراك واع لخطورة المخطط الذي يستهدف وحدة العراق وسيادته واستقلاله ) .


إنه يصور نفسه ديمقراطياً وطنياً وليس ذلك الذي هدد ببحور من الدم بينه وبين الشعب ولا المتشبث بالولايات المتتالية وبالكرسي الذي استطاعت عملية جراحية أمريكية أن تفصل بينه وبين هذا الكرسي، بدليل أن بيتر بيكر قال في تقريره: ( والآن حيث أن المالكي وصل إلى لحظة الحقيقة إما أن يتنحى أو أن يحاول الإبقاء على السلطة، يحاول الرئيس أوباما والحكومة الأمريكية مناورة الزعيم العراقي للمرة الأخيرة على أمل استبداله بشخصية يعتمد عليها أكثر والتي بمقدورها أن تلم شمل البلاد المجزأة وأن يعمل بتعاون أكبر مع واشنطن.. منذ أسابيع قال الرئيس ومعاونوه بأن دورهم ليس أن يُخبروا العراق من ينبغي أن يكون قائداً لهم ولكنهم أوشكوا الاثنين على إيضاح أن الوقت قد حان للمالكي لكي يتنازل لحيدر العبادي، وهو عضو من نفس الحزب الشيعي والذي عُينه الرئيس فؤاد معصوم ليكون رئيس الوزراء القادم. اتصل كل من الرئيس أوباما ونائبه جوزيف بايدن بالسيد العبادي لتهنئته، وعندما ظهر الرئيس أمام الكاميرات في مزرعة مارثا ليكرر ذلك علناً لم يذكر تحديداً اسم المالكي، وعندما سأله أحد الصحفيين عما إذا كانت لديه أي رسالة يوجهها للمالكي انصرف الرئيس. تلك كانت الرسالة ) .


يقول جيمس جيفري الذي شهد تعامل كلا الرئيسين مع المالكي، أولاً بصفته نائب مستشار الأمن القومي للرئيس بوش ومن ثم بصفته سفير الرئيس أوباما في بغداد: ( في النهاية ستؤول الأمور للأمريكان أو شخص ما لإقناع المالكي بالذهاب. أعتقد أنه سيتنحى إذا فضل ذلك على الانقلاب. سيحاول بكل ما لديه ليحبط ذلك بما في ذلك اعتقال الأشخاص ولكن عند حد ما يجب على شخص ما أن يتحدث معه ) .


إن التنازل الذي صوره المالكي بأنه جرى بإرادته، لم يكن كذلك وإنما تم بصفعة وركلة أمريكيتين، فهو صنيعتهم وفي يدهم غلاصمه، حتى خرج على شاشات التلفزيون ليسوق آخر كذباته: ( لا اريد اي منصب وان منصبي ثقتكم بي وهو منصب لا أرقى ولا أشرف منه ) .. وليس من طرفة تضحك الثكلى كهذه.


خلاصة القول إن الذين يأملون من شثاثة حزب الدعوة عافية لن يحصلوا عليها وستزيد أمراضهم وتشتد، والمخدعون بدعوى التغيير سيجدون أن التغيير جرى في الوجوه فقط، وأن السياسة الطائفية المحاصصاتية التي يأملون التخلص منها ستبقى والأزمات ستتوالد كما تتوالد الأميبيا فالمستنقع الوبيء لن ينتج خيراً، والعلة التي يعاني منها الجسد العراقي والتي هي العملية السياسية الاحتلالية لن تكف عن انتاج الوجع والقتل والإبادة للعراقيين، وأية حركة أو شخصية وطنية تنخدع بهذا التغيير الزائف وتتجه للتفاوض بحجة خلق الاستقرار للعراق ستحكم على نفسها بالانتحار وتزيد البلد فوضى على الفوضى السائدة فيه، فنظرية الفوضى الخلاقة لم تمت وهي مازالت تفعل فعلها ولا علاج لها إلا الثورة الشعبية التي تتصاعد يوماً بعد يوم فهي وحدها التي ستحقق الاستقرار لا غيرها، فـ ( كل الشرايع زلك من يمنا العبرة ) ، فلينزلق من أراد الانزلاق، أما العراقيون فمتمسكون بثورتهم لوعيهم أن لا خلاص للعراق إلا بها، وليرد الكون كله غير ما تريده الثورة، ففي النهاية ستكون إرادة الثورة هي الأقوى وهي السيدة وهي العليا..


انتهى
 






الاثنين ٢٢ شــوال ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أب / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة