شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما نقرأ التاريخ ، نرى في كثير مِنْ الاحيان يعيد نفسه ، لانعرف هل أن هذه الاعادة صدفة طبيعية أم حكم مِنْ قدرة الخالق حتى يقول لمخلوقه انتبه مِنْ أعمالكم.

إِنَّ أرض السواد – ألعراق – وادي الرافدين ، منذ القدم والى الان كانت موضع أطماع الغازين ( إلامبراطورية الصفوية المجوسية،إِلامبراطورية العثمانية التركية المنغولية ، إلامبراطورية الرومانية الغربية ) وكان العراق ساحة القتال دائماً ، لان أرض العراق أرض الخيرات ، وعند صدور الاسلام ونشر دين الاسلام الحنيف ، بدأت الفتوحات الاسلامية ، في زمن حكم خليفة عمر بن خطاب وبالتحديد في ١٣ شعبان سنة ١٥ الهجري ، عندما تحرك الجيش الاسلامي نحو العراق لفتحه وطرد المجوس منه ، حصلت أكبر معركة في حينها بين اكبر جيش مزود بكافة انواع الاسلحة ، وعدد لايعد ولايحصى وثلاثة اضعاف الجيش الاسلامي ، رغم كل ذلك انتصر الجيش الاسلامي على اعداء الله وطردهم مِنْ ارض العراق العروبة ، وادخلوهم في الاسلام ، ولكن الفرس أصحاب الحقد الدفين والطمع الابدي القائم في نفوسهم العفنة تجاه العرب الذي لَمْ ولَنْ ينتهي حسب ما أثبتته الاحداث الدائرة عبر التاريخ ، ونحن لَمْ نقراء في التاريخ إِنَّ العرب تحملوا ذِلاً أَو مهانة ، وما سجل لهم مِنْ مواقفاً وبطولات وتضحيات جسام وهذا ما نريد التطرق إِليه مِنْ خلال هذا الاستعراض لحقيقة قريبة متمثلة في قادسية صدام وموقفه ودوره الشجاع فيه ووصاياه للجيل السليل ، فهذه حقيقة قادسية صدام وهكذا ننقلها للاجيال.

في كل سنة وبكل فخر وإعتزاز يحتفلون العراقيين الشرفاء في الرابع أيلول ذكرى أهم حدث في تاريخ العراق والعرب ، ألا وهو الانتصار العظيم على أكبر جيش ويعتبر ثلاثة أضعاف الجيش العراقي وصاحب أكبر ترسانة مِن الاسلحة وثالث الجيش في العالم مِنْ الناحية الهجومية وخامس جيش مِنْ الناحية الدفاعية.

في الرابع من أيلول عام ١٩٨٠ قامت إيران بعدوان غاشم على العراق هدفها السيطرة وجعله تابعا لها.فهب العراقيون النشامى جيشا وشعبا للتصدي لهذا العدوان بقيادة البطل المجاهد الشهيد القائد صدام حسين وكان تصديهم للعدوان ملحمة كبرى من ملاحم الجهاد في تاريخ العراق والأمة العربيةوبين هذه الملحمة وملحمة القادسية الأولى وشائج قوية وسمات مشتركة ولهذا استحقت أن تسمى بالقادسية الثانية.تيمنا بالقادسية الأولى التي انتهت بتحرير العراق من نفوذ الفرس بقيادة البطل سعد بن أبي وقاص وفتح أبواب الشرق لنشر الإسلام وإنقاذ البلاد المفتوحة ومنها بلاد فارس من الكفر والضلال.

وعليه لا بد لنا من مسائلة التاريخ الذي حتما سيجيب بأن إيران كانت منذ أقدم العصور مصدرا للعدوان على العراق وتدمير حضاراته المتعاقبة.وكان العراقيون على مر العصور في موقف الدفاع تجاه غزاة قادمين منها طامعين في أرض دجلة والفرات وخيراتها الوفيرة وحضارتها الزاهرة.

فما من دولة قامت في العراق في التاريخ القديم إلا وتعرضت إلى عدوان الغزاة القادمين من إيران وبخاصة في مراحل ضعفها ونكوصها حدث هذا في العصور السومرية والاكدية والبابلية والأشورية من دون استثناء وانتهت ولم تنته باحتلال مدينة بابل في عهد الملك الفارسي كورش.

وحتى حين دخل العراق في طور من الضعف والسبات الحضاري وخلا مسرح العالم القديم للفرس والرومان.كان هؤلاء وهؤلاء على صراع دائم من اجل الاستيلاء عليه والفرس هم الذين دمروا دولة الحضر العربية وقضوا على حضارتها في الشمال وهم الذين تسلطوا على دولة المناذرة في الجنوب وأخضعوها لسلطانهم.

كل ذلك حدث في العصور التي سبقت ظهور الإسلام وكانت خاتمته معركة ذي قار التي دارت رحاها بين العرب والفرس في أرض ذي قار وهي معركة انتصر فيها العرب على الفرس قبيل ظهور الإسلام وكان هذا الانتصار مصدر فرح واستبشار الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.ومع ذلك استمر الفرس في احتلال أجزاء من ارض العراق حتى تم تحريره كليا أيام الفتح العربي الإسلامي.

ولكن انتصار العرب الحاسم وقيام الدولة العربية الإسلامية واعتناق الفرس الإسلام لم ينهي أحلامهم القديمة فقد قاموا بأدوار خبيثة غايتها تحطيم الدولة العربية واستعادة أمجادهم القديمة الزائلة.ومنها زرع الفتن والأحقاد بين العرب والتحريض ضد الدولة العربية والتمرد عليها و التسلل الى مواقعها العليا ونشر الفساد والتحلل فيها وخاصة في عصر الدولة العباسية.

وفي عهد الاحتلال العثماني كان الصراع بين الفرس والترك على أشده من أجل الاستحواذ على العراق وقد حدثت حروب ومعارك طاحنة كان العراق مسرحا لها وكان العراقيون هم ضحاياها.

وحين سقطت الدولة العثمانية وتحرر العراق وقامت أول دولة عراقية في العصر الحديث لم يعترف بها النظام الإيراني سنوات طويلة بسبب إطماعه في هذا القطر المكافح.وظل الشاه رضا وابنه من بعده ينظرون الى العراق بعيني الطمع والرغبة في الاستحواذ حتى سقوط الأخير وزوال نظامه وهكذا فأن العدوان الإيراني على العراق في ٤ / ٩ / ١٩٨٠ ليس سوى حلقة من حلقات هذا المسلسل العدواني الطويل.

أردنا بهذه اللمحة التاريخية الوجيزة تأكيد حقيقة أن الإطماع الإيرانية في العراق قديمة قدم العراق وإيران وإنها أطماع مستمرة لم تقتصر على عصر دون آخر أو على نظام إيراني دون غيره.فسهول العراق الخصيبة وثروات العراق الوافرة كانت محط طمع الأقوام التي سكنت إيران منذ أقدم العصور حتى اليوم وهذا مايجب على العراق الحذر واليقظة والاستعداد الدائم لمواجهة الإخطار القادمة من الهضبة الإيرانية لا محالة.

ولهذا ركز نظام خميني على العراق تركيزا خاصا فشن عليه حربا دعائياً شعواء وحاول أن يبث الفتنة الطائفية في صفوفه ويستنفر ذوي الأصول الإيرانية المقيمين فيه لخدمة أهدافه.فقاموا بأعمال تخريبية عدة وحاولوا اغتيال بعض المسئولين العراقيين ولم يكتفي نظام خميني بذلك بل حشد قواته العسكرية على الحدود العراقية وأخذ المسئولون الإيرانيون يهددون بالزحف عليه واحتلاله بتصريحات واضحة وموثقة.

وعلى الرغم من أن قيادة الثورة في العراق حاولت الحفاظ على العلاقات الطبيعية مع إيران منذ استحواذ خميني على السلطة فيها وعلى الرغم من أنها حاولت أن ( تدفع بالتي هي أحسن ) وعملت على نصح نظام خميني وتحذيره من عواقب النهج الذي ينتهجه.كان هذا النظام يصعد سياسته العدوانية وكانت تصريحات المسئولين فيه تزداد صلفا ووقاحة مستخفين بكل الاعتبارات ومتوهمين بأنهم قادرون على ابتلاع العراق وتحويله الى ضيعة فارسية.

ثم بلغ الغرور والطيش بنظام خميني حدا لم بعد يكتفي فيه بالحرب الدعائية بل صار يعلن تنصله من اتفاقية عام ١٩٧٥ المعقودة بين العراق وإيران ويرفض إعادة الأراضي العراقية التي احتلتها إيران في عهد الشاه والتي اتفق على إعادتها إلى العراق في ضوء هذه الاتفاقية وزاد على ذلك فأخذ يشن اعتداءات عسكرية سافرة على المخافر الحدودية العراقية.والمدن العراقية القريبة من الحدود وأخذت الطائرات العسكرية الإيرانية تخترق حرمة الأجواء العراقية بشكل بات يهدد أمن العراق واستقراره تهديدا جديا.

ومع ذلك ظلت قيادة الثورة في العراق تتحلى بالصبر وحاولت أن تثني نظام خميني عن عزمه بالطرق السليمة.فواجهت الاعتداءات بالاحتجاجات والتحذيرات الرسمية عبر الطرق الدبلوماسية ولكن الاحتجاجات والتحذيرات لم تجد نفعا.ولم تثني نظام خميني عن نهجه العدواني وسعيه إلى تحقيق أهدافه الخبيثة.بل بالعكس زادته غرورا وطيشا وتوهما فقد زادت اعتداءاته وتنوعت وبلغت مستوى خطيرا كما ونوعا.وصارت تلحق بالعراق ومواطنيه أضرارا فادحة.

لقد كان واضحا من هذه الاعتداءات وما رافقها من حشود عسكرية إيرانية كثيفة على الحدود ومن تهديدات صريحة يطلقها المسئولين الإيرانيين ومن عمليات الاغتيال والتخريب ومن الحرب الدعائية المتصاعدة إن نظام خميني كان يمهد الأجواء لغزو العراق وهذا ما تأكد حينما بدأ العدوان في ٤ / ٩ / ١٩٨٠ وراح يقصف المدن العراقية الحدودية بالمدفعية الثقيلة من الأراضي العراقية التي كان نظام الشاه قد استحوذ عليها ويكثف طلعاته الجوية المسلحة في سماء العراق ويصعد لهجته العدوانية ويقصف السفن القادمة إلى العراق والخارجة منه بشكل هدد الملاحة العراقية في شط العرب تهديدا مباشرا وكان هذا كله دليلا على أن الغزو الإيراني للعراق بات أمرا وشيكا.

لكن ورغم ذلك فقد كان للعراق مساعي سلمية حين بلغ العدوان الإيراني على العراق هذه الدرجة من الخطورة لم يبق أمامه من خيار سوى التصدي له وهو في مهده وضرب الآلة العسكرية الإيرانية وهي لا تزال داخل أراضي إيران.

وبناء على ذلك وبتاريخ ٢٢ / ٩ / ١٩٨٠ أي بعد ثمانية عشر يوما من بدء العدوان قرر العراق الرد عليه والتصدي له بهجوم استباقي مباغت لتدميرالقوات المهيئة للغزو وهي في مواقعها وقد كان الفضل في اتخاذ هذا القرار الحكيم للقائد التاريخي الرفيق الشهيد صدام حسين إذ لولا هذا القرار أي لو انتظرت القيادة العراقية أن تبدأ إيران بغزو العراق والدخول إلى أراضيه قبل التصدي لها لتحولت مدن العراق وقراه إلى مسرح للحرب ولتعرضت إلى الخراب وإلحاق الموت والضياع بسكانها المدنيين        .

وقد كشفت الأحداث أن لكل من أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني دورا في تشجيع النظام الإيراني على إطالة أمد الحرب ودعمه سرا من أجل هذا الهدف.فقد تعاون الكيان الصهيوني مع النظام الإيراني على ضرب مفاعل تموز النووي وتدميره وعقد الكيان الصهيوني عدة صفقات تسليحية مع هذا النظام لتمكينه من الصمود والاستمرار في الحرب.وكان سقوط الطائرة الأرجنتينية المحملة بأسلحة صهيونية متنوعة إلى إيران دليلا حاسما على ذلك وكذلك فعلت أمريكا.فقد زودت هي الأخرى إيران بالسلاح وكانت الفضيحة المعروفة بفضيحة ( إيران غيت ) هي الدليل الحاسم.أما بريطانيا فقد جعلت من أراضيها ساحة لعقد الصفقات.فقد شاركت أمريكا في تزويد إيران بمعلومات استخبارية سهلت لها احتلال مدينة الفاو في شباط ١٩٨٦ .

وبلغ غرور نظام خميني ذروته وظهرت أطماعه على حقيقتها حين نجح في غزو مدينة الفاو واحتلالها فعلا.إذ راح المسئولين الإيرانيين يلوحون في تصريحاتهم بأن إيران باقية في المدينة وان البر الخليجي أصبح مفتوحا أمامها.بل هم صاروا يطمحون إلى احتلال جنوبي العراق كله وكرسوا مجهودهم العسكري لتحقيق هذا الهدف كمقدمة لأهدافهم الأخرى .

وهكذا استمر العدوان الإيراني على العراق مدة ثماني سنوات قاتل فيها العراقيون بقيادة القائد الشهيد صدام حسين قتالا ملحميا فريدا.حتى تم تحرير الفاو في ١٧ / ٠٤ / ١٩٨٨ وفي واحدة من أروع الملاحم وأعظمها وكان تحرير الفاو مقدمة لتحرير كل شبر دنسه المعتدون من ارض العراق.وبداية لهزيمتهم الشاملة في يوم النصر يوم الأيام ٨ / ٨ / ١٩٨٨ وبذلك اضطر خميني إلى الموافقة على قرار مجلس الأمن رقم ٥٩٨ الخاص بوقف إطلاق النار بعد عام من صدوره ووصف خميني موافقته على هذا القرار بأنها أشبه بتجرع كأس من السم .








الثلاثاء ١٥ ذو الحجــة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أب / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أَ.د. أَبو لهيب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة