شبكة ذي قار
عـاجـل











لم تكن صفقة القرن التي بصقها المدعو ( دونالد ترمب ) الرئيس الأمريكي الحالي إطلاقاً وليدة الصدفة أو إنعكاسة طارئة للمرحلة والظرف الذي نمر .. وأنما هي إنعكاسة جلية لحقيقة الموقف الأمريكي المعادي والمتأصل تجاه شعبنا وأمتنا والموروث أساساً عن دولة الإستعمار البريطاني صاحبة وعد بلفور المشؤوم التي أفل نجمها وتراجع دورها الإستعماري المتقدم وحجم تأثيرها في الساحة الدولية بعد الحرب العالمية الثانية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي تبوأت مكانها بإتجاه رعاية وحمل المشروع الصهيوإمبريالي الإستعماري الذي يستهدف السيطرة المباشرة على مقدرات الوطن العربي وثرواته وتعطيل نهوض الأمة وتقدمها , وكذلك تهويد فلسطين لصالح المشروع الصهيوني الكولونيالي الإحلالي الهادف للسيطرة التامة على كامل الأراضي العربية الفلسطينية من نهرها لبحرها.

وعود على بدء نستطيع القول هنا أن مخطط تصفية القضية الفلسطينية من قبل التحالف الإنجليزي الأمريكي الصهيوني هو مشروع قديم نُسجت خيوطه مع ولادة فكرة إقامة الدولة اليهودية في فلسطين مطلع القرن الماضي , وبقي حبيس الأدراج في إنتظار الفرصة المواتية لعرضه علناً والعمل به واقعاً , حيث كان العراق ومعه كل الأحرار والمناضلين العرب وكافة القوى والأحزاب الوطنية والقومية والتقدمية وفي طليعتهم قوى الثورة الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية يقفون بالمرصاد لكل تلك المؤامرات والمحاولات الهادفة للإجهاز على القضية الفلسطينية وتصفيتها تماماً وأسقطوها جميعاً ومنها مشروع روجر وخطة كيسنجر وغيرها الكثير من المشاريع التصفوية التي تحطمت على صخرة صمود جبهة الرفض العربية بقيادة العراق الشقيق.

وهنا يتضح بجلاء أن مؤامرة صفقة القرن قد بدأت فصولها مع تشكيل التحالف الدولي العربي عام ١٩٩١م ضد العراق .. وتالياً شن العدوان الثلاثيني عليه بهدف عزله وتحييده , والإستفراد ببعض فصائل منظمة التحرير والحكومات العربية المترهلة وخديعتها جميعاً والإنطلاق معاً وسوياً نحو مؤامرة القرن إنطلاقاً بمؤتمر مدريد الذي باشر أعماله بعد وقف العدوان على القطر العراقي عام ٩١ مباشرةً , ومروراً بإتفاق أسلو وتفاهمات واي ريفر وكامب ديفد التي إستخدمها الإحتلال كلها طيلة سنين التسوية السلمية الممتدة على ربع قرن تقريباً كغطاء يهدف من خلاله تمرير كافة مشاريعه التهويدية والإستيطانية المشبوهة , وإنتهاءً ببصقة العصر الترامية التي أجهزت كلياً على القضية الفلسطينية ومشروع حق تقرير المصير والعودة وأقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس , مستغلين حالة الإنهيار والهبوط والإنحطاط التي وصل اليها النظام العربي الرسمي في أعقاب إحتلال العراق وتدمير مقدراته وضعف قوى الثورة العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية , تلك البصقة الصفقة التي تستهدف تكريس الإحتلال على كافة الأراضي الفلسطينية بما فيها الضفة الغربية المحتلة عام ٦٧م , وكذلك تجذير نظام الأبرتايد العنصري الصهيوني والسيطرة الأمنية الإسرائيلية المطلقة في عموم فلسطين ما بين النهر والبحر.

وإزاء ما تقدم لابد من الإيضاح والتأشير على مدى خطورة الصفقة الترامبية وما تحمله من مؤشرات تصفوية لقضية فلسطين والمشروع القومي العربي برمته , وإنعكاس ذلك بالضرورة على نحو تكريس الإحتلال والإستيطان والإرهاب والقتل والفصل العنصري والتطهير العرقي , إضافة ليقين الكل الوطني والقومي أن الصفقة الأمريكية تكرس أيضا ما فرضه الإحتلال من حقائق ديمغرافية على الأرض خلال ما يسمى مسيرة التسوية السلمية ومارتون المفاوضات العبثية وتحديدا في القدس المحتلة عام ٦٧ حيث هبطت نسبة العرب فيها منذ العام ١٩٩٣م الى الاّن من ٧٠% الى ما نسبته ٣٠% فقط نتيجة السياسة الإستيطانية والتهويدية الممنهجة التي مارستها حكومة الإحتلال خلال سنوات التسوية السلمية العجاف , إضافة للتصعيد الكبير والملحوظ للإستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية الذي زاد خمسة أضعاف ما كان عليه قبل إتفاق أوسلو , وكذلك المحميات الطبيعية التي أضاف عليها مؤخراً وزير دفاع العدو ( بينت ) سبعة محميات أخرى ليصل إجمالي عدد المحميات في الأراضي المحتلة الى ( ٥١ ) محمية جلها في الضفة الغربية وواحدة منها في قطاع غزة جعلت من الضفة الغربية مجرد أشلاء مقطعة وغير متصلة على شكل كانتونات أوصلها ترامب في خطته بجسور وأنفاق تخضع كليا للسيطرة الأمنية الصهيونية بشكل تام , وتتوزع تلك المحميات على مختلف المحافظات الفلسطينية على النحو الاّتي : ( ١٠ ) في محافظة الخليل , و ( ٤ ) في محافظة طوباس , و ( ٣ ) محافظة نابلس , و ( ١٣ ) محافظة رام الله , و ( ٩ ) محافظة أريحا , و ( ٣ ) محافظة بيت لحم , ( ٥ ) محافظة طولكرم , و ( ٣ ) محافظة القدس , ( ١ ) قطاع غزة لتشكل هذه المحميات ما نسبته ال ( ٩% ) من إجمالي مساحة الضفة الغربية وتقع جميعاً في المناطق المصنفة وفق إتفاق أوسلو ( مناطق ( ج ) والتي بلغ إجمالي مساحتها ال ( ٦٠% ) من مساحة الضفة الغربية بحث لم يبقى للدويلة الفلسطينية الموعودة وفق خارطة ترامب سوى ال ( ٤٠% ) من مساحة الضفة الغربية , و ( ١١% ) من إجمالي مساحة فلسطين الطبيعية على شكل كانتونات مقطعة وغير متصلة وتخضع كلياً للسيطرة الأمنية الصهيونية.

وأخيراً بصقت الولايات المتحدة الأمريكية ما في جعبتها من مشاريع التصفية للقضية الفلسطينية وباتت الكرة الاّن في الملعب الفلسطيني والعربي لتحديد خياراتهما الإستراتيجية والنضالية في مواجهة صفقة العصر المشبوهة وكل المشاريع الصهيوأمريكية التاّمرية وهذا يتطلب جهوداً نوعية وغير طبيعية ونبذ الخلافات الثانوية والنزعات الطائفية والعشائرية والمناطقية وتحقيق أوسع شراكة وطنية وقومية على طريق النهوض والتحرر الشامل والعميق ومجابهة التحديات الجسام التي تواجه أمتنا العربية وقضيتها المركزية ( فلسطين ).
 





الاثنين ٢٣ جمادي الثانية ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / شبــاط / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ثائر محمد حنني الشولي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة