شبكة ذي قار
عـاجـل










كثرت التحليلات والتأويلات حول التمدد التركي إلى المغرب العربي وخاصة في ساحتي ليبيا وتونس.ففي العلاقة مع ليبيا، ثمة حدثان يجدر التوقف عندهما.الأول، هو ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين بعد زيارة السراج إلى أنقرة بحيث وُصلت الحدود البحرية بينهما ولم تعد هناك مساحات عازلة بين ما يعتبر مياه إقليمية لكلا الدولتين.والثاني، إ بداء تركيا استعدادها لإرسال قوات عسكرية جوية وبرية وربما بحرية لدعم ما يسمى بحكومة الوفاق الوطني التي يرأسها السراج ، علماً أن المجموعات العسكرية التابعة لما يسمى حكومة الوفاق تتلقى دعماً عسكرياً منذ مدة، لكن لم يكن بمستوى ما أعلن عنه مؤخراً.

وفي العلاقة مع تونس، لم يتأخر أردوغان بزيارة العاصة التونسية بعدما برزت حركة النهضة قوة وازنة في الحياة السياسية بعد الانتخابات التشريعية وانعكاس ذلك على تركيب السلطة التنفيذية بموقفها الرئاسي والحكومي.

بطبيعة الحال أن زيارة أردوغان لتونس، وجدت طريقها السلس نظراً لكون الحزب الحاكم في تركيا والحزب الحاكم في الظل في تونس يرتبطان بحبل سرة واحد، هو التنظيم الدولي لحركة "الاخوان المسلمين".وهذا قد لا يثير كثيراً من الاستغراب حول العلاقة بين الطرفين، لكن ماتثار حوله الشبهة هو التوقيت الذي يرتبط برفع مستوى العلاقة السياسية والعسكرية مع السراج وحكومته، وبهذا تكتسب زيارة أردوغان لتونس دلالة خاصة، لأن الأخيرة هي من دول التخوم لليبيا التي تشهد تطورات سياسية وعسكرية متسارعة.

قد يجد المتابع لتطورات الأحداث في المنطقة تبريراً للتدخل التركي في سوريا ( ونحن ضد هذا التدخل وندينه ) باعتبار أن الأخيرة تمر بمرحلة صراع إقليمي ودولي فيها وعليها، وتركيا لا يمكن أن تقف متفرجة على ترتيبات سياسية وتموضعات عسكرية على حدودها الجنوبية لارتباط تطورات هذه الساحة بأمنها الوطني، ولهذا دخلت على خط الصراع في سوريا.أولاً : من خلال علاقاتها مع بعض القوى التي انخرطت في الصراع في الداخل السوري، وانتقلت من مبدأ "صفر مشاكل مع النظام في سوريا" إلى واحدة من اللاعبين الأساسيين في توجيه مسار الأحداث، أن من بوابة قضية النزوح، أو من بوابة العامل الكردي أو من بوابة المناطق العازلة في مناطق التواجد الكردي كما في الشمال الغربي لسوريا والذي يمتد من ادلب إلى اللاذقية مروراً بحلب.

وتساؤلاً ، اذا اعتبر التدخل التركي في سوريابأشكاله المختلفة السياسية والعسكرية والإغاثية يندرج ضمن ما تعتبره تركيا أمنها الوطني وهي دولة متاخمة لسوريا بالجغرافيا، والى حدٍ كبير بطبيعة التركيب السكاني لجهة تعدديته وخاصة الأثنية منها.

فما هو المبرر لهذا التدخل التركي في ليبيا وهما لا يتجاوران بالجغرافيا.؟ وإذا كان التدخل التركي في سوريا حصل استناداً إلى تفاهمات مع أميركا وروسيا واستطراداً مع إيران ومعه باتت تركيا أحد "الثلاثي" ( الإقليمي – الدولي ) الذي يدير الصراع في سوريا مباشرة أو بالواسطة، فهل ثمة تفاهم مع قوى دولية تتكئ عليه تركيا لتمارس دوراً في الأزمة الليبية لتأجيج الصراع استباقاً لانتاج تسوية سياسية.؟ أن تقفز تركيا إل ليبيا ،

فهذا ما كان ليحصل لولا تفاهمات معقودة تحت الطاولة مع بعض الذين يرنون بأنظارهم إلى ليبيا وهي البلد الأغنى في المغرب العربي بالنظر لثرواتها الطبيعية وخاصة النفط والغاز ،ونظراً لعدد سكانها وهو الأقل بالقياس إلى دول التخوم.
لقد سبق لتركيا أن كانت طرفاً في مؤتمر الصخيرات الذي عقد في المغرب والذي أنتج تفاهماً سياسياً حظي باعتراف دولي، لكنه لم يستطع أن يشكل مرجعية وطنية جامعة لكل الشعب الليبي ، وىتركيا التي تعتبر نفسها طرفاً في إنتاج مخرجات مؤتمر الصخيرات ترى أن هذا التمثيل يعطيها مشروعية التدخل باعتبارها إحدى الروافع الإقليمية للحل الذي تعثر ولم يجد طريقه للتنفيذ رغم تبدل ممثلي الأمين العام للأمم المتحدة في إدارة الملف.
إن التطورات التي أعقبت مؤتمر الصخيرات لم تدخل الأزمة الليبية مسار الحل، وذلك لثلاثة أسباب أساسية :

السبب الأول، أن الأزمة الليبية بمقدماتها وسياقاتها وترسيم الحلول لها هي أزمة مدولة، وهذا الاهتمام الدولي الذي يرتبط بمخزونها النفطي وغيره من المواد الطبيعية، والنفط هو أبرز محاور الصراع في الوطن العربي وعليه كما في شرق المتوسط لم توازه حماسة دولية للحل.

السبب الثاني، أن دول التخوم الأساسية لليبيا والفاعلة غيبت عن المؤتمر وخاصة مصر وما تمثله من ثقل وتأثير في الوضع الليبي فضلاً عن السعودية والإمارات وهما يملكان إمكانات مالية تمكنها من حجز مواقع لهما على طاولة الترتيبات.وهذا ماجعل المؤتمر لا يحظى بغطاء عربي وازن وخاصة الغطاء المصري وهو أساسي في إنتاج حل لأزمة ليبيا.

السبب الثالث : أن الوضع الداخلي المتشظي والصراعات الجهوية وعدم توفر أرضية سياسية داخلية تقف عليها قوى الداخل المتصارعة، جعل الحل يفتقر إلى مرتكزه الداخلي وهذا لايسقط أهمية انجاز الوحدات العسكرية التي تقدم نفسها تحت اسم الجيش الوطني والتي استطاعت أن تفرض نفسها قوة أساسية في إدارة الصراع وتحديد مساراته، وتكتسب المشروعية من كونها تشكل استمرارية لمؤسسة الجيش الوطني، والذي تعرقل التدخلات الإقليمية والدولية ومنها التركية دون تمكنه من حسم الوضع لصالح هذه الوحدات.ان معطيات هذا الوضع المعقد تجعل الحل السياسي للأزمة الليبية يتطلب توفر ثلاثة تفاهمات داخلية ومن دول الإقليم والقوى الدولية التي يسيل لعابها على النفط والغاز الليبين.

ونظراً لكون المنطقة تعيش في مرحلة إعادة تشكل نظامها الإقليمي وهو الذي تسميه أميركا بالشرق الأوسط الجديد، فإن هذا النظام يُعمل لإنتاجه انطلاقاً من إضعاف المكون العربي فيه، باعتبار أن الأمة العربية هي الحوض الأساسي لهذه المنطقة، وأن إضعافها وعبر أضعاف مواقع القوة فيها وخاصة مصر والعراق وسوريا سيفتح المجال أمام إدخال مواقع إقليمية فيه و هي تحديداً إيران وتركيا و"إسرائيل".

وإذا كان الحديث طال كثيراً حول الدور الإيراني وتغوله في العمق القومي العربي وتم توفير تسهيلات دولية له وخاصة الحاملة الاميركية له قبل ان تدخل في اشتباك معه حول حجم النفوذ ، كما "إسرائيل" التي يروج لتطبيع العلاقة معها عبر ما يسمى بصفقة القرن، فإن تركيا، وهي الضلع الثالث في هذا المثلث الإقليمي ، تريد ويراد لها أن تتموضع في النظام الإقليمي الجديد وهذا لن يتم الا اذامكنت من لعب دورٍ في الأزمات المتفجرة.

لقد حاولت تركيا العبور إلى الداخل العربي في وقت مبكر ومن بوابة العلاقة مع فلسطين خاصة بعدما سيطرت حماس على غزة، محاولة الاستثمار بالقضية الفلسطينية نظراً للموقع الذي تجسده فلسطين في الوجدان الشعبي العربي وهذه حال النظام الإيراني، بحيث أن فلسطين بالنسبة لإيران وتركيا هي مجردميدان للاستثمار السياسي ولاكتساب مشروعية التدخل في الواقع العربي.

من هنا، فإن التدخل التركي في الشأن الليبي وأن كان يعبر تسللاً على خط العلاقة مع قطر والتي أقامت تركيا قاعدة على أرضها، فإن هذا العبور لا تستطيع توفيره قطر وبعض القوى التي تمول منها ولا العلاقة الهجينة مع تونس، بل تجتاح إلى رعاية من جهة دولية وازنة، وهذه القناة تريد أن تعطي لتركيا دوراً في إنتاج الحلول كي تأخذ موقعها في النظام الإقليمي الجديد.

إن تركيا التي تندفع للعب دور في الاقليم إنما تستفيد من ثلاثة عوامل.الأول، هي أنها تقع على تماس جغرافي مع دولة قارية كبرى وهي روسيا، وهي ماتزال ترتبط بحلف عسكري مع دولة عظمى وهي أميركا.وهي أن حاولت أن تلعب على حبل التناقضات بين الدولتين، إلا أن وجهتها تبقى نحو الغرب السياسي.وهذا بقدر ما يشكل إرباكاً لها، إلا أنها تجد نفسها مطلوبة لكلا الدولتين، لكنها في خياراتها الاستراتيجية فهي طالبة للعلاقة مع أميركا وأن القفز التركي إلى ليبيا لا يمكنه ان يعبر دون إجازة ضمنية أميركية.

العامل الثاني : أن تركيا تقع ضمن قوس دول شرق المتوسط الذي يحتوي خزاناً هائلاً من النفط والغاز.وأن تحسين مواقعها في الإقليم سوف يعزز من نفوذها في القوس النفطي ،وأن وصلها للحدود البحرية مع ليبيا، انما يرمي لتقوية موقعها التفاوضي في عمليات استخراج النفط والغاز وتسويقهما ومد خطوط الامداد إلى دول شمال المتوسط.

العامل الثالث : إن تركيا باتت واحدة من الدول التي ترعى إنتاج حلٍ للأزمة السورية، وهذا الحضور التركي في دائرة التأثير في مسار الأزمة السورية سلماً وحرباً، والسعي لإبراز حضورها في ساحة ليبيا بنفس السياقات ولنفس الأهداف من شأنه ان يقدمها كطرف في ترتيب الحلول للأزمات في دول الإقليم وهذا ما بقدر ما ترى فيه حفظاً لمصالحها فإنه يحفظ مقعدها في النظام الإقليمي الجديد.

من هنا، فإن قراءة الحركة التركية الأخيرة باتجاه ليبيا، لا تستقيم إلا إذا وضعت في سياق مشروع إعادة تشكيل المنطقة وانشاء نظام اقليمي جديد يستبدل هرمه العربي، بهرم إقليمي غير عربي بحيث يكون الخاسر الاول فيه الأمة العربية.ولذلك فإن ما تقوم به تركيا انما يكمل بنتائجه الدور الإيراني ويبرره، وهنا تكمن خطورة هذين الدورين اللذين ما كانا لينتفخان ويبلغان هذا المستوى من التدخل في الشؤون العربية لولا الرعاية الدولية لهما وخاصة الأميركية منها.وهذا ما يجب أن يكون واضحاً لجماهير الأمة العربية في المقاربة ا لوقائعية للتحولات السياسية الكبرى الحاصلة على مستوى المنطقة.





السبت ١ جمادي الاولى ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / كانون الاول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة