شبكة ذي قار
عـاجـل










في العراق ينتفض الشارع وتستمر الموجة الثالثة من ثورة الشباب فيه بالرغم من استمرار العنف المسلح للسلطات القمعية في مواجهة التظاهرات السلمية، حيث ارتفع عدد الضحايا لأكثر من٣٢٠شهيداً وأكثر من ١٥٠٠٠ جريح اضافة الى الاف من المعتقلين الذين يرزحون تحت التعذيب الوحشي، بجانب المخطوفين والمغيبين من الصحفيين والكتاب والنشطاء المدنيين.

وتشير التقارير الصحفية لوكالات الانباء العالمية وغيرها من المصادر الإعلامية الموثوقة، الى الدور الخطير الذي تلعبه الاجهزة القمعية بالتنسيق مع كتائب الحرس الثوري الإيراني، اضافة للمليشيات المسلحة المرتبطة بالاستخبارات الايرانية والتي قدمت التسليح اللازم والتدريب على قتل المدنيين الابرياء منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في ٢٠١١م وحتى يومنا هذا.

ولم يتفجر غضب الملايين من ابناء العراق اعتباطاً وانما جاء لمواجهة العنف المستمر والمتنوع الاشكال وإرهاب السلطة والسجون السرية والاستمرار في افقار المجتمع المتزامن مع تكريس فلسفة الحروب وتدمير المدن العراقية وتهجير ٤ ملايين من السكان للعيش في مخيمات النازحين تحت ظروف بالغة في القسوة والبدائية والتي لا تليق بشعب متمدن متحضر كالشعب العراقي.

كما انتفض الثوار الشباب لمواجهة الفساد المالي والسياسي الخطير الذي لم يشهد له التاريخ الحديث نظيراً في العالم اجمع، ولمواجهة الطبقة السياسية التي احتكرت السلطة واستحوذت على المليارات من خلال تكريس ظاهرة الفساد المالي عبر توظيف مؤسسات شتى، أبرزها البنك المركزي وسياسة التصريف المتبعة والتي أدت لإهدار ٣١٢ مليار دولار تكفي لبناء احتياطي نقدي مهم للعراق.اضافة الى الفساد الذي انتشر من خلال عقود وشركات وهمية وهروب ٣٠٠ مليار دولار من رؤوس الأموال العراقية الى البنوك الدولية بسبب الابتزاز والتهديد بالقتل أو الخطف، وفق بيانات البنك الدولي، حيث احتل العراق المرتبة الاولى كأخطر دولة عربياً وعالمياً منذ سنة ٢٠١٧م في مجال تبييض الأموال والجريمة المنظمة وفق بيانات معهد بازل للحوكمة.مما حول العراق الى دولة للفساد المالي حيث انفقت ١٧٨ مليار دولار لعقود وشركات وهمية تتعلق بـتنفيذ ٦٠٠٠ مشروع في البنية التحتية والخدمات، لا وجود لها اليوم بعد ان تبخرت المليارات والمشاريع.كما انفقت الجهات المتنفذة واحزابها ٦٠٠ مليار دولار بدون ايصالات وغيرها من السياسات الفاسدة التي أدت الى اهدار اكثر من ترليون دولار.

كل ذلك وغيره الكثير افضى الى تدمير الاقتصاد العراقي ( الصناعة والزراعة والخدمات ) عبر تعطيل ٥٠ ألف مصنع منذ عام ٢٠٠٣م، كما تم إهمال وتصفية المشاريع الزراعية العامة والخاصة، وانخفضت الأراضي المزروعة الى ٦ مليون دونم بدلا من ٤٨ مليون دونم كانت تزرع في عام ٢٠٠٣م وتحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي، فأضحى العراق يستورد اليوم من ايران ٩٢٪ من حاجاته الغذائية وذلك خدمة للاقتصاد الايراني الذي يواجه تحديات كبرى، مما كرس فرض التبعية والهيمنة الايرانية على الحياة الاقتصاديةواحتكار السوق اضافة الى هيمنتها الأمنية والسياسية المطلقة. وقد نتج عن السياسات المتخلفة والتبعية الاقتصادية والحروب للحكومات المتعاقبة بعد ٢٠٠٣م تدمير البنية التحتية للاقتصاد وتفكيك المجتمع وتدمير اكثر من ٨٠٪ من مدينة الموصل والمدن الأخرى، والحاجة الى ٤٠٠ مليار دولار لإعادة الاعمار وفق تقديرات البنك الدولي، كما تعاني الميزانية الى عجز يقدر بـ ١٠٠ مليار دولار وديون تزيد على ١٣٤ مليار دولار، وارتفاع معدلات البطالة والفقر المدقع الى نسبة غير مسبوقة هي ٣٥٪.

ان تحليل الأسباب والعوامل الواردة في أعلاه، والتي دفعت الشباب العراقي الى هذه الاحتجاجات والمطالبة بالتغيير الجذري وحل مجلس النواب والعودة الى تعديل الدستور وتغيير الطبقة السياسية المتنفذة برمتها وقياداتها الحزبية الفاسدة والمرتبطة بالأجهزة الاستخبارية لإيران تشير الى ان الشباب سيستمرون بالتعبير عن إرادة الثورة للتغير وبزخم متصاعد بسبب استمرار الفقر والظلم وتفشي الامراض وانتشار أكثر من ٣٩ وباء وعجز المستشفيات عن تقديم الخدمات الصحية، وتدمير الاقتصاد ناهيك عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المستمرة، واستباحة القتل والاعتقالات والتعذيب الوحشي وتنفيذ احكام الإعدام العشوائية للنشطاء المدنيين والصحفيين على ايدي المليشيات والأجهزة القمعية، لكل من يخالف تلك السياسات المرتبطة بأجندة واستراتيجية الحروب الإقليمية لدولة ولاية الفقيه الإيرانية، والاستمرار بمواجهة المتظاهرين السلميين في المدن العراقية عبر استخدام القناصة للغازات السامة والرصاص الحي مما يشكل مخالفة خطيرة للقانون الدولي لحقوق الانسان وحرية التعبير المكفولة في القوانين العراقية.

ان استمرار الاحتجاجات في المدن العراقية لمواجهة العنف الدموي للسلطة والاستبداد هي تعبير عن رغبة الشعب، لا بتغيير حكومة بأخرى، فالطبقة السياسية الفاسدة اثبتت قدرتها المفضوحة على الالتواء والالتفاف على اي نص قانوني ودستوري لتبديل وجوه باخرى أفسد منها.لذا فان ثورة الشعب هي تعبير عن رغبته في تبني استراتيجية جادةونزيهة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وضمان الحقوق المشروعة للمواطنين بوطن يكفل التوزيع العادل للثروات والتمتع بكرامة وحياة تليق بالبشر في بلد يعد المنتج الثاني للنفط في منطقة الشرق الأوسط.لكن التدخل والهيمنة الايرانية واستراتيجية الحروب وعسكرة المجتمع التي تقوم بها الحكومات المتعاقبة منذ ٢٠٠٣م تنفيذا لتلك الهيمنة، والتي تحول دون تبني استراتيجية للتنمية الشاملة والمُستدامة والانتقال الى الاقتصاد الإنتاجي بدلا من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على ٩٢٪ من واردات النفط السنوية، قد ادى الى الخراب الشامل للنظام الاقتصادي المتمثل بانتشار البطالة والفقر والتخلف اضافة الى تغيير البنية الاجتماعية بشكل مأساوي تمثل بوجود ٦ ملايين طفل يتيم ومليونين ارملةعراقية بسبب الحروب والعنف، مع وجود ٣،٥ مليون عراقي في المدن العشوائية للطين والصفيح، لشعب يعيش فوق اغنى الموارد والثروات المعدنية التي تقدر بـ ١٥ ترليون دولار.

وفي مقابيل كل هذه الاهوال، فان النتائج الكارثية لسياسة عادل عبد المهدي قد عززت وكرست حالة العجز عن مواجهة التحديات الكبرى وتلبية المطالب والحقوق المشروعة للملايين من المحتجين السلميين، وكان من اكثرها بداهة واولوية هي تقديم المجرمين والقناصين من قتلة المتظاهرين الابرياء العزّل الى العدالة والقضاء ومواجهة طبقة الفساد المالي من القيادات الحزبية والمليشياوية المتخلفة، التي نهبت المليارات ونشرت سياسات الحروب والتسلح غير القانوني خارج سيطرة الدولة، مما يهدد أمن المواطنين ويعرض استقرار العراق لمخاطر واسعة بجانب التدخل في الشؤون السيادية لدول الجوار في سوريا ولبنان واليمن والبحرين.

ان المتابع لتصريحات وبيانات المسؤولين في الحكومة الحالية، لابد له من الوصول الى طريق مغلق واستنتاجات كارثية نتيجة للشلل الكلي والمتعمَّد وعدم الاستجابة للمطالب المشروعة للشعب العراقي المنتفض، عبر المبادرة بتبني استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الكبرى، بجانب استمرار المسؤولين باتباع سياسة المراوغة وتمييع اي اجراء جاد وحقيقي باتجاه تطبيق تغييرات جوهرية وجذرية في مجال تعديل الدستور وقانون الانتخابات وقانون المفوضية الذي يقدم فرصة للأحزاب الاستبدادية للاستمرار في احتكار السلطة عبر التزوير وشراء المقاعد والاصوات والمناصب العليا في الدولية، ولابد من التأكيد على أهمية مواجهة المشكلات الدستورية والتشريعات القانونية التي تنطوي على اهمية خاصة.

وتكمن أهمية تغيير الدستور في تبني فلسفة معاصرة للدولة يتم بموجبها وضع الأسس السليمة لبناء دولة مدنية ديمقراطية.ويفترض التنبيه هنا، الى ان بعض القيادات المليشياوية والسياسية المرتبطة علناً بالحرس الثوري تثير النقاش والجدل حول أهمية تعديل الدستور العراقي لعام ٢٠٠٥م، بغية التمهيد لإعلان ولاية الفقيه في العراق وتقويض أي فرصة نحو الانتقال الجدي لبناء الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وضمان الأمن. لذا يفترض عدم الوقوع في مخالب استراتيجية الهيمنة الإيرانية لنشر النموذج الشمولي الفاشي والدموي لإيران وعدم استغلال تعديل دستور ٢٠٠٥م بما يخدم نظرية ولاية الفقيه والاجندة الطائفية للأحزاب المرتبطة بالاستخبارات الإيرانية والتي كشفتها الوثائق المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز في ١٨ تشرين الثاني ٢٠١٩م، لتبني دستور دولة دينية طائفية، مما يتنافى مع تطور النظرية السياسية الوضعية للدولة.ان ذلك يحتم على القوى الوطنية والديمقراطية، إعادة النظر بصورة شاملة وجذرية بقانون الانتخابات وقانون وتركيبة المفوضية العليا للانتخابات والتي سبق ان صُمِّمَت بما يخدم استمرار تحكم الأحزاب المتخلفة والقيادات الفاسدة واحتكار السلطة واستمرار نهب المليارات من خزينة الدولة العراقية وثروات المجتمع التي يفترض انها ملك لأبنائه.

ونتيجة لتدهور الأوضاع الأمنية والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان والاستمرار في سياسة الاعتقال والسجون السرية والتعذيب وتوجيه الغازات السامات القاتلة والرصاص الحي لقتل المتظاهرين في بغداد والمدن العراقية،فقد عبرت العديد من دول العالم عن القلق العميق من تطور الاحداث الدامية في العراق واستمرار القمع الوحشي للمتظاهرين تحت ذريعة الأمن قبل التنمية، واتساع النفوذ الإيراني للهيمنة على مقدرات وامن البلد الذي تحول الى البلد رقم واحد في الجريمة المنظمة وتبييض الأموال وتجارة الأطفال والجنس والمخدرات والقمار وتهريب النفط من القيارة والبصرة لأكثر من ٣٠٠ ألف برميل يوميا واستمرار ايران بسرقة ١٧ مليار دولار من نفط مجنون سنوياً اضافة الى ارتكابها الجرائم بحق شعب العراق .

كما دفعت الاحداث الدامية والقمعية للأجهزة الأمنية، المجتمع الدولي للدعوة لعقد جلسة استثنائية للأمم المتحدة للتأكيد على حماية المتظاهرين الشباب وعلى اهمية ابتعاد إيران عن التدخل في الشؤون السيادية للعراق وضرورة اجراء انتخابات مبكرة واعادة صياغة الدستور بما ينسجم مع ارادة الشعب العراقي وتلبية المطالب الشعبية عبر اجراء تغييرات اقتصادية وسياسية جذرية ومواجهة طبقة الفساد المالي والسياسي.ورغم التصريحات والبيانات فان دور الأمم المتحدة والدول الكبرى مازال محدوداً وهشّاً ويشير الى عدم ارتقائه الى مستوى المسؤولية الدولية وبنود ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي لحقوق الانسان، والالتفات لبيانات منظمة هيومن رايتس ووتج وامنستي إنترناشونال، التي كشفت ما يُرتكب من فظاعات وانتهاكات بحق الشعب العراقي، والعمل للتدخل عبر الوسائل الدبلوماسية والعقوبات على القناصة والمجرمين، لحماية المدنيين العراقيين المنتفضين ودعم حقهم في مواجهة الظلم والاستبداد والحروب والإفقار المتعمد.

ومع اقتراب الانتفاضة وما قدمته من تضحيات بطولية كبرى من دخول الشهر الثالث ، وفي ظل دعوات باهتة وكاذبة من قبل الحكومة للتفاوض مع الثوار ، فإن العوامل والأسباب التي ادت الى اندلاعها ، ما زالت مستمرة دون ان تقابلها اية مساع أو إجراءات جدية، لتلبية الحد الادنى من مطاليب الثوار من قبل الحكومة العاجزة والبرلمان المشلول، بل على العكس حيث تستمر السلطات الأمنية التعسفية في الافراط في جرائم الابادة والقمع الوحشي للشباب المسالمين الأبرياء.لذا، لا يمكن للشعب العراقي الثائر من أجل حقوقه المشروعة في الحرية والتقدم والازدهار الاقتصادي ان يتفاوض مع جلاديه.





الاحد ٢٦ ربيع الاول ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / تشرين الثاني / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المنبر الثقافي العربي الدولي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة