شبكة ذي قار
عـاجـل










هذا الشهر لي , ولادته , خفقاته , جفافه وإصفرار حشائش الأرض به , تموز الحاضر الشهر الذي يتوسط العام فيتوسط أوجاعنا , وتموز الماضي حيث كان بداية الربيع لبلاد الرافدين , شهر كان يمثل الخصوبة والخضرة وتجدد الحياة , حيث يستقبله الرافديون بالبهجة والسرور , الرقص والغناء , لتزداد الأرض خصوبة فيخضر الشجر ويبتهج البشر . حيث هام ( تموز ) ب ( عشتار ) و عشق ( أدونيس ) ( أفروديت ) , يوم كان تموز يموت ليعود ليجدد الحياة للأرض والبشر , نعم انه تموز رمزية الخصب والابتهاج والولادة من جديد في كل عام , حيث كل عشاق الأرض أحبوا حبيباتهم , وكل ملامح العشق كُتبت من جديد , وكل ثورات الأرض من أجل الحرية سارت فيه بلا استئذان , وكلمات الشعر اقترنت مع بعضها لتحيك اجمل قصائد العشق . وكل أصناف العبودية إنتفضت لتتخلص من الظلم والعبودية والاضطهاد .

تموز أيا تموز حيث تنقلب صفحة المعاناة والماَسي لتحل محلها صفحة السلام والإزدهار والحرية , وحيث يتوقف الغضب ومواجع الثورة وتحل الراحة والسكنية في القلوب , تموز الحرية حيث تتحول قضبان السجون الى أغصان , والأرض باتت فيه حبلى من جديد , فالثورات لها ماَسيها وضحاياها لكنها تمتلك في اَنٍ معا اجيالها الجديدة والأمل في الحياة من جديد .

فلتموز الحاضر حكاياته الجميلة , ولتموز الماضي رمزيته التي تنطق في كل يوم به لتصنع من الرمزية حقيقة جلية تبدأ من اليمين لتسير فتشكل في كل يوم شعلة للحرية والعشق والحياة , فتموز العزيمة والإصرار على هيئة إنسان , البراءة والأمل على هيئة طفل يسير في بداية الطريق , والانفعال والحزن الذي يخالطه الفرح على هيئة أم تحتضن ابنها الشهيد . الإصرار والقوة على هيئة مناضل ومجاهد هنا , وجندي يفترش الأرض ويلتحف السماء ليعيد للأرض بهجتها والحياة , السلام والإزدهار والحرية على هيئة أمرأة تحمل مشعلاً وتندفع نحو محررها فتحتضنه بلا إستئذان , فهو تموز توق الأرض للحرية فتقدم له الضحايا بسخاء , وتوق الانسان للتحرر فيتقدم بلا خوف فيضحي بنفسه ليعيد للباقين الحياة .

ولتموز الحاضر بهائه والجمال , كرمزية تموز الماضي الذي هام في عشتار الشابة الجميلة , المفعمة بالحيوية , والعيون المشرقة , ذات الجمال الذي يقترن بسمو الروح ورهافة الطبع وقوة العاطفة والحنان . تلك الجميلة التي وقع في عشقها تموز فخلد عشقهم الشعراء بأعذب الأوزان وأجمل القوافي , وخلدها الأدباء بأبهى النصوص وأجمل الملحميات , وعشقها الفنانون فوهبوا منها أرقى اللوحات الرمزية التي تكاد تنطق بالحياة , والموسيقيون الذين جعلوا منها أجمل النغمات وأسمى الألحان .

وتموز ليس سجل للهيب الشمس , وعطش الأرض وإصفرار العُشب , بل أُسطورة سومرية لجلجامش البطل المشهور الذي جاء متسلحا بدرع وفأس ليقتل الأفعى التي جعلت من شجرة اينانا مخبأ وجحرا لها , ولتهرب العفريتة الشريرة التي استقرت في جذع الشجرة , ثم ليأخذ أغصان الشجرة ل اينانا بعد ان يصنع منها عرشاً وسريراً بأبهى عنوان .

لتموز عناوين كبيرة , ورمزيات عشق جميلة , وثورات تحرر للإنسان . لتموز بهاء يعيشه من يتمعن في تفاصيله , ويدقق في رمزياته , لتموز لا تدققوا في سجل لهيبه بل افتحوا الأبواب . فلا بد في تموز هذا أو القادم سيعود تاريخ طيب بهيئة أبوك , أو حنان جارف بهيئة أُمك , بطل مغوار بهيئة جلجامش , او اَلهة الحب والخصب والعشق بهيئة عشتار , هدية أُسطورية يذكرها التاريخ على هيئة بوابة بناها نبوخذ حباً لزوجته . فتموز يأتيك عندما تدقق في أيامه وتفاصيله بهيئة ما عشقته , فقد يأتيك على شكل قمر , نجوم وعشق وسهر , وقد يأتيك على شكل حرية وتحرر , على هيئة حورية , أو مارد يخرج من فانوس سحري , قد يأتي سندباد , كهرمانة أو حتى زوربا اليوناني , تموز اذا تمعنت في تفاصيله قد يأتيك بأجمل ما تشتهي , فيأتي على هيئة أب , وأم , ورفيقة درب أو رفيق , وقد يأتيك بكل الحياة فيأتي تموز على هيئة وطن تستقر فيه بكل اطمئنان .





الاثنين ٢٨ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / تمــوز / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المهندس صهيب الصرايرة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة