شبكة ذي قار
عـاجـل










لسذاجة مشروعة ربما، كانت تفرضها حداثة السن والتجربة فيما مضى ، حملت عبارة ( إلى أين ! ) مجمل التساؤلات التي كانت تصدرها أقلام الغيارى والمتحمسين للحدود الدنيا من هموم الناس ومشاكلها، فتتوسع الاجتهادات من هنا وهنالك، وهي تحمل الكم الكبير من الإنشائية الكتابية الخالية من الرؤية البعيدة لفهم ما يجري، فكانت تأتي وبأبسط الأحوال على طريقة: كل كلمتك وامشِ !

اليوم يطرح التساؤل ( إلى أين ! ) نفسه من جديد، ولكن بشكل مصيري وجاد وخطير، لا تجدي معه القدرات الإنشائية المطلوب تبسيطها للقارئ، ما لم تكن تحمل رؤية صادقة وشفافة، تقتحم حدود الخوف والقلق، لتقدم حقيقة غير مجوَّفة، وصراحة متناهية الفجاجة، خالية من كل مجاملة أو مسايرة لأولي الأمر حتى لو كانت على حساب المصلحة الشخصية قبل أية مصلحة أخرى.

فالبلد، عندما يحتضر أو يكون مشرفاً على الا حتضار، صار منالمفروض، التعامل معه، كما تتعامل الأكاديميات الطبية عندما تعالج مريضاً يحتضر وهو على فراش الموت، حيث أن أحداها على سبيل المثال ترى في إبلاغ المريض ما ينتظره دفعة واحدة مهما كان تأثير الصدمة عليه ، فيما هناك من ترى تلقيم المريض على مراحل ولو من باب الشفقة عليه والرحمة.

أما الوطن عندما يتعرض للأخطار، والبلد عندما تبدأ كل نسغ الحياة فيه بالمرض والوهن.

ليس أمامك سوى ممارسة الصراحة، وإطلاع الناس وبشكل قاطع على ما ينتظرهم من مفاجآت، طالما هم في غياهب الصمت، وكأنه لا يعنيهم ما يجري أو أن يتلقوا الحقيقة بكل رباطة جأش وتصميم على الإنقاذ لا الرضوخ في التعمية والتضليل التي يمارسها هذا النظام الطائفي الفاسد الذي لا يرعوي عن تجريع الناس المرارة تلو الأخرى، ربما ليتعودوا على ذلك فيستمرئ إبقاءهم في خانة التجاهل الأبدي لما يدور حولهم، وكأن البلد بألف خير ، لذلك، ترى هذا النظام مزوراً، وهو ينافق في موضوعة الانهيار الاقتصادي فيكابر، وكأنه لا يعلم أن الناس تعلم مقدار المديونية العامة التي ترزح تحت ثقلها البلاد مناهزة المئة مليار دولار، وان القسم الأعظم من الواردات المالية تذهب خدمة للدين العام وأن النمو الاقتصادي في خانة التجميد ان لم يكن الانحدار إلى ما دون الصفر بالمئة.

وتراه تارة أخرى، يتهيب أي نقد علمي وشفاف ودقيق لسياسته المالية، حتى وأن وصلت المناشدات بالإصلاح على السنة الشعراء والكتاب والفنانين غير الملوثين بلوثة السياسة الداخلية فترتفع أصواتهم محذرة من المخاطر، فإذا برموز هذا السلطة وسياسييها، وبدل الخجل من أنفسهم، يتضامنون مع فسادهم ويستقوون حتى على الفن الراقي والكلمة الصادقة، دون أن يخجلوا وهم يشهرون مدافعهم الصوتية الهادرة في وجه آلة العود التي تعمل على ريشة اليمام مفضلين الطَرق على آليات الحصص الوزارية، كلّ يعض على أصابع الآخر منتظراً نفاذ صبره تاركين البلد على مشرحة التقسيم وتوزيع الحصص ما بين الأقوى والأقوى.

إنها لمشهدية سوريالية فاقعة، تفوق في جنونها، كل ما يختزنه الخبث السياسي الداخلي، من ازدراء للناس كما في ازدرائه للأخلاق العامة وكل ما يمت إلى مصالح العامة من صلة، فتضيع جهود المواطن المقهور وهم يمعنون في إغراقه بالوهم وهو يبحث عن الخلاص، حتى لو دفعه ذلك إلى الانحراف أو إلى الجنون أو التيه في براري الفساد والظلمة.

من هنا، هل من قيمة بعد اليوم لنعود ونسأل ( إلى أين ! ) بعد أن سُدت أمامنا كل آفاق التغيير المنشود، فالعبارة تضيق كلما اتسعتالرؤية وتشعبت، وليس أمامنا اليوم سوى تركيز الجهود حول :

من أين نبدأ ! حيث يجب أن تبدأ رحلة الألف ميل لشعب يستحق الحياة، بنطق كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، لا أن يموت ببطء نتيجة القهر والكمد دون أن يشعر بموته أحد.

في  ١٧ / كانون الاول / ٢٠١٨





الاربعاء ١١ ربيع الثاني ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / كانون الاول / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة