شبكة ذي قار
عـاجـل










أثبت المجتمع المدني اللبناني خلال السنوات القليلة الماضية، أنه ليس حالة هامشية تعيش على ضفاف الحياة السياسية الداخلية في لبنان، محققاً سلسلة من الإنجازات على شتى الصعد المطلبية والاجتماعية والاقتصادية وتحول إلى واقع "ثقيل" مفروض على السلطة التي باتت تحسب له ألف حساب وهي تمارس صفقاتها وسمسراتها مستغلة كل أبواب الفساد المتوفرة لديها نهباً واختلاساً وهدراً منظماً للمال العام.

كما يُسجَّل للمجتمع المدني اللبناني أيضاً استقطابه لأوسع الشرائح الشعبية والنقابية والمهنية والطلابية وكل الذين لم يعد لأحزاب السلطة وسياسييها وميليشياتها الطائفية والمذهبية، القدرة على ترويضهم وتدجينهم، فخرجوا من طوق حظائرها إلى فضاء الوطن الأوسع والأرحب، متحررين من كل تبعية واستغلال سياسي، واستلاب فكري وثقافي.

من هنا، يمكننا أن نستنتج لماذا كانت كل تلك الهجمات الارتدادية للسلطة على المجتمع المدني ابتداء من العام 2011، يوم انطلقت التظاهرات الرافضة للنظام الطائفي اللبناني فجرى اختراقها من قبل الذين حملوا شعاراتها زوراً للانقضاض عليها، وتطويق كل من يمت إليها من رموز وهيئات بعد وضع اليد على الاتحاد العمالي العام ثم إلى فرط هيئة التنسيق النقابية وتكرار ذلك أيضاً مع رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، وصولاً إلى أساتذة التعليم الخاص وتنصيب قيادات تم توزيعها محاصصة على أحزاب السلطة القائمة أيضاً، كما تقتسم الجبنة على مائدة الطعام، وصولاً إلى الاغراءات التي قدمت إلى بعض النقابيين باحتضانهم انتخابياً مؤخراً على قوائم السلطة الذين لم يربحوا معها وخسروا من كان معهم في آن.

تلك هي أهم الخلفيات السياسية والتنظيمية التي يجد المجتمع المدني اللبناني نفسه اليوم، مجبراً على مواجهتها، مستفيداً من إرثه النضالي المتواضع وتجربته الغنية التي تم اكتسابهما في القليل من السنوات المنصرمة أولاً، ثم إلى حلقات وندوات التقييم الذاتي التي يجريها هذه الأيام نقداً لتجربته الاعتراضية من العام 2011 حتى انتخابات 2018 لنشير في هذا المجال إلى المؤتمر الذي أقامه المرصد الشعبي لمكافحة الفساد مؤخراً تحت عنوان :

أي معارضة نريد، بين الواقع والمرتجى
وجرى خلاله تقديم أكثر من مراجعة وقراءة نقدية للتجربة تناولت تحديد المعارضة المتجذرة في الفكر والعمل والرؤية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لبناء معارضة جادة، وكيف يرى الحاضرون المعارضة التي يتوق إليها كل لبناني من منطلق المواطنة الكاملة والحريات الديمقراطية والمصالح العامة وبناء الدولة القادرة التي تحمي الشعب والمؤسسات وغير ذلك.

كما لا بد من الإشارة إلى أهمية الندوات الحوارية والثقافية التي تجري في المناطق والمحافظات متناولة الثقافة والمثقف والمجتمع المدني المتحرر من قبضة السلطة السياسية والانفتاح على القوى التغييرية والثورية المناط بها إحداث الاختراقات المطلوبة بثقافتها وقيمها واستقطاب الشباب الطامح للتغيير، وعلى "قوى التغيير أن لا تتهاون في التبشير بوجهة نظرها السياسية والفكرية كاملة لترشد الناس إلى طريق الخلاص" ( الدكتور جوزيف عبد الله / شباط 2018 ) ، حيث يشير أيضاً إلى أهمية الحزب الثوري في تحقيق التغيير مستعيناً بمقولة للمفكر الشيوعي الإيطالي غرامشي الذي يولي الأهمية لدور الحزب الثوري في خلق القوة القادرة على تظهير مثقفين عضويين لتحقيق التغيير الحقيقي.

هذه اللقاءات والندوات الحوارية والثقافية والسياسية، هي ما يجب أن يضعه المجتمع المدني اليوم في مقدمة أولوياته وهو يتواصل مع اللبنانيين في معركة الوعي والتثقيف والتدريب على انتزاع الحقوق بالطرق والأساليب المشروعة والسليمة ومنعاً لكل اختراقات محسوبة للسلطة الفاسدة وأحزابها، وهي محاولات لن تتوقف، وستتكرر حيث من المستحيل على المستفيدين من حال الفساد والراهن أن يتنازلوا عن مصالحهم ومكاسبهم أن لم تتوال الطرقات المتتالية على رؤوسهم وكشفهم أمام الرأي العام وفضحهم وتقديمهم للمحاكمات.

في انتخابات 2018 النيابية لم يتمكن المجتمع المدني اللبناني من تحقيق ما كان يصبو إليه من اختراقات، ومع ذلك حقق فوزاً لإحدى مرشحاته في دائرة بيروت الأولى وسجل آلاف من الأصوات للوائح المنضوية تحت قوائم "كلنا وطني"، التي دعمها.

وفي ذلك ما يفرض عليه الاستمرار بتعميق أوثق وأوسع القواسم المشتركة بين مكوناته ومجموعاته المتعددة، حيث أن مسيرة الألف ميل لديه لم تتعد تعني الخطوة الأولى، وهو تخطاها بأميال، ولتكن أية مراجعة نقدية تقتضي منه التراجع خطوة إلى الوراء، طالما ذلك في سبيل التقدم خطوتين إلى الامام.





الاحد ٢٨ ذو الحجــة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / أيلول / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة