شبكة ذي قار
عـاجـل










القوميات واقع إنساني عرفته البشرية منذ الأزل. فهو ليس من إختراع العرب أو العجم وإنما هو حتمية لاختلاف صيرورات النشوء والبيئة والتطور التأريخي للمجاميع البشرية. وحتى الكائنات الحية الأخرى من حبوانية ونباتية تخضع هي الأخرى لتأثيرات الزمان والمكان في تطورها واختلافات صفاتها.

ولقد شكلت موضوعة القوميات جدلاً منذ زمن ليس بالقربب، ووضعت في تفسيرها نظريات وقامت آراء اختلفت في توافقاتها واختلافاتها. وكان للقوميات تبعاً لذلك آثارها الايجابية أو السلبية على حياة الإنسان والشعوب والأمم. فبإسمها نهضت شعوب وأمم، وبإسمها ارتكبت مجازر وذبحت آلاف من البشر.

هذا الاختلاف سببه هو ما فهمته مجموعات البشر من أمر القومية وما قامت عليه.

وعلى العموم هناك أنماط من القوميات تبعاً لمقومات وعوامل الشعور بالانتماء لها.

فهناك القوميات القائمة على مبدأ نوعية الجنس البشري أو العرق، وهي بالتالي القوميات العرقية أو الاثنية. هذه القوميات التي دفعت بالمتحمسين لها الى العنصرية أو الشوفينية التي، غالباً، ما انفلتت من عقالها الإنساني إلى ممارسات ومواقف وحشية ومتعالية تجاه القوميات الاخرى. وهي بهذا الشكل مذمومة وكريهة إنسانياً.

أما الشكل الثاني للقوميات فهي تلك القائمة على ظروف المكان أو المنطقة، التي تحولت عبر التاريخ الى وطن لمجموعة بشرية تشاركت في مقومات حياتية كثيرة.
ولعل القوميات التي تقوم على أسس ثقافية وحضارية وبما تمثله من مفاهيم حياتية مشتركة وقيم روحية واجتماعية وانماط عيش وسلوكيات هي الأكثر إنسانية من غيرها.

وتشكل اللغة، باعتبارها وسيلة التخاطب، والتي تعبر عن أفكار وأحاسيس وفلسفة مجموعة بشرية، العامل المشترك الأقوى في نسيج أية قومية باعتبارها فضاءً ثقافياً واخداً لمجموعة بشرية بغض النظر عن عرق أو جنس أو دين أو مذهب أفرادها.

وهكذا تعيش على الكرة الارضية عشرات القوميات ذات الأشكال الثقافية المتعددة.

وقبل الحديث المباشر عن العرب والعروبة، ولماذا العداء لها، أود أن أبدأ الحديث بطرح بعض الملاحظات عن مفهومي الشخصي للقومية:

أولاً: إني لا أحترم قومية عنصرية شوفينية أو مناطقية، أو أخرى تقوم على انتماء مجرد لديانة محددة أو مذهب عقائدي. فكلا القوميتين تمييز بشري قائم على عوامل بشرية لا إرادية في الأساس.

ثانياً: إني أؤمن بجمالية الحياة البشرية وبثرائها الإنساني الذي تشكله أطيافها المتعددة في خصائص شعوبها وأقوامها. فكم ستكون الحياة مملة لو تشابه جميع البشر شكلاً ولوناً ولغة وانماط حياة وغيرها من صفات.

ثالثاً: ليس هناك من تفاوت في القيمة الإنسانية للقوميات المختلفة ولا ينبغي أن يقوم على أساس ذلك تمييز.

رابعاً: إن خير القوميات هي تلك التي أكثرها خيراً ونفعاً وتضحيةً لأفرادها وأفراد القوميات الأخرى من بني البشر على حد سواء.

ويبقى التاريخ حاكماً وحكماً على الشعوب والأمم في سجاياها الطيبة وأفضالها الإنسانية من ناحية، أو على عدوانيتها وأنانيتها وجشعها من ناحية أخرى.

إن المتتبع المنصف للتاريخ لا يقف على عنصرية أو شوفينية عرقية أو مناطقية عند العرب. فها هو التاريخ يروي لنا قصص عظام عاشوا في بلاد العرب ونشأوا على ثقافتها وأبدعوا في علومها واعتنقوا ما كلفهم الله بحمله من رسالاته السماوية وحملوا راياتها وقادوا جيوشها، فكانوا عند العرب خير الناس وأجلهم. فها هو صلاح الدين الايوبي وسيبويه والفارابي وابن سينا وطارق بن زياد وعبدالقادر الجزائري والامام النووي وأمير الشعراء أحمد شوقي والفارابي وابن سيناء والغزالي وغيرهم الكثير. كما لعبت كثير من الشخصيات المسيحية وحتى اليهودية دوراً بارزاً في حياة العرب المسلمين في جلهم. إن ذلك يدلل بما لا يقبل الشك على روح الفضاء الثقافي والتسامح الإنساني والاخلاق اللاعنصرية التي كان العرب يتمتعون بها والتي مهدت لاعتناق الملايين من ابناء القوميات الاخرى لدين الاسلام الذي كلفوا بحمل رايته رسالة سماوية للانسانية جمعاء.

واذا كانت الطبيعة الصحراوية لشبه الجزيرة العربية وحياة البداوة والتنقل لم تشكل أسس حضارة بنيان مدني وحضري في هذه المنطقة فإن أهلها من العرب أبدعوا في فنون أخرى وحملوا من أخلاق الكرم والشجاعة والمروءة ما تفخر به الانسانية. كما أن ما أقامته أقوام نزحت عن تلك الجزيرة إلى ما يحيطها من بيئات طبيعية أكثر خصوبة في أرضها وأوفر مياهاً من حضارات تدين لها الانسانية جمعاء في اكتشافاتها واختراعاتها هي دليل مضاف على حيوية تلك الأمة الإنسانية.

أسباب معاداة العرب والعروبة:

لقد عرف التاريخ أشكالاً من العداء للعرب والعروبة لأسباب مختلفة، أحاول إيجازها في محاور:

أولاً: المفاهيم والنوازع العنصرية والاطماع الاقتصادية للشعوب والأمم التي أحاطت بجزيرة العرب والمناطق التي نزحت إليها أقوامها العربية وأقامت فيها الدول والبنيان والعمران والحضارات القديمة العظيمة مثل وادي الرافدين والنيل والبتراء واوغاريت وغيرها.

ثانياً: لم يكن من السهل أو حتى من الممكن تقبل وقبول الدولة الإسلامية في بنيانها وأعمدتها ورسالتها السماوية بلغتها وأخلاقياتها العربية.

ثالثاً: حنين من عاد العرب والعروبة من الأمم والشعوب الى ماضيها عندما كانت محتلة لبلاد العرب ومستهينة بكرامة أوطانهم.

رابعاً: الدوافع الواعية واللاواعية لبعض الدهاقنة وأحبار الديانات السابقة لحرف التعاليم الاسلامية وتفسيرها بما يتناغم وأهواءهم الخبيثة ونزعاتهم المتعالية المتكبرة، وبالتالي ممارسة الهدم الداخلي للكيان العربي الإسلامي.

من يناصب العرب والعروبة العداء؟
لقد تعددت مشارب المعادين للعرب والعروبة أفراداً ودويلات. ويمكن اجمال هؤلاء بالمجاميع التالية:

أولاً: أؤلئك الذين فهموا، أو أرادوا أن يفهموا، أن العرب والعروبة مجموعة عرقية وإثنية، لاسيما ممن لا ينتمون لذلك العرق وتلك الاثنية، وربما لأنهم يشعرون بأنهم ينتمون لأخرى أكثر رقياً بنظرهم، وتبعاً لذلك راحوا يناصبون العداء للعرب والعروبة.

ثانياً: هناك مجموعة أخرى، ممن لا يتتمون لدين الاسلام، تفهم أن العرب هم مسلمون يحملون مهمة نشر الاسلام خاتم الديانات التي تطوي ما قبلها.

ثالثاً: هناك مجموعة ثالثة، لدوافع سياسية واقتصادية، تجاهر بأن الإسلام هو استعمار عربي تحت غطاء "الرسالة السماوية".

رابعاً: إن معاداة العرب والعروبة في سياساته وأدواته الحربية والسياسية والاقتصادية والتفتيتية قد حقق ويحقق لأعداء العرب والعروبة والاسلام كسباً وهيمنة مطلقة وشبه مطلقة على ثروات ومقدرات هؤلاء العرب، وربما وسيلة خبيثة لاستعادة أمجادهم الغابرة.

خامساً: الجاهلون أو المجهلون تجاه النوايا والاطماع غير المشروعة لمن يقف ويدعم ويبرر التناحر في الجسد العربي بحجج الطائفية والعرقية المظلومة والمستضعفة.

سادساً: المنظومات الفكرية والفلسفية والسياسية من دينية وطبقية واجتماعية ممن توحي بأن العرب والعروبة هيمنة وابتزاز عرقي وديني، ومنهج لا يتفق ورؤيتها الفلسفية أو السياسية.

واختتم بالقول: إن من يقف وراء معاداة العرب والعروبة، والتي أصر على لا عنصريتها أو فوقيتها، هم خليط من عنصريين صعبت عليهم حرية وكرامة العرب، واستعماريين يطمحون في ثرواتهم، ومتدينون بغير الاسلام ممن يريدوا أن ينخروا بدينهم، وطائفيون مستخدمون معاول لهدم قوة وحدتهم.

واذكر أؤلئك الآخرين الذين يسهرون على البحث عن أخطاء وخطيئات العرب، لا بل ويلوون أعناق الحقائق لتبرير وتسويق مواقفهم ومناهجهم السلبية والمعادية للعرب، بأن أشعة الشمس لا يمكن حجبها بغربال، وأن الله سبحانه وتعالى يعلم أين يأتمن رسالاته ويختار حامليها.

انني، كإنسان عربي، لا يشرفني عرب عنصريون أو أفاقون أو منافقون، ولا عروبة لا تحب الخير والكرامة لغيرها من القوميات الانسانية الاخرى.
"كلكم لآدم، وآدم من تراب"، و " خير الناس ، من نفع الناس"





الاثنين ٢٤ ذو القعــدة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / أب / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نزار محمود نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة