شبكة ذي قار
عـاجـل










قرار تأميم النفط في الأول من حزيران عام /1972، لم يكن يوماً عادياً في تاريخ العراق والأمة العربية، فهو اعتبر وما يزال محطة بارزة في مسار النضال العربي التحرري ضد الكارتلات النفطية الدولية والتي كانت تتحكم بثروات الشعوب انتاجاً وتسويقاً وتوظيفاً للمردود بما يخدم هذه الكارتلات والرؤوس الكبيرة فيها.

إن قرار تأميم النفط لستة وأربعين سنة خلت، أعاد للعراق ثروته النفطية التي نهبت لعشرات السنين ومنذ اكتشف الذهب الأسود في بلاد الرافدين. وأهمية هذا القرار ليس لكونه أعطى للاستقلال السياسي مضمونه الاقتصادي وحسب، بل كونه وضع ثروة البلاد في خدمة الإنماء الوطني الشامل ووضع شعار بترول العرب للعرب موضع التنفيذ. ان تمكين العراق في ظل ثورته وقيادته الوطنية من ممارسة الحق الطبيعي بالسيادة الوطنية على ثروات البلاد، ونجاحه في خوض غمار هذه المنازلة الكبرى والخروج منها منتصراً، هو ما أخاف القوى الاستعمارية التي كانت تتمادى في نهب ثروات الشعوب وما أخاف أكثر هو أن النجاح في التأميم لجهة إنتاج النفط وتسويقه، سيكون حافزاً لشعوب أخرى تتعرض ثروات بلادها وخاصة النفطية للنهب الاستعماري تحت مسميات وأشكال مختلفة.

إن يوم الأول من حزيران / 1972، هو يوم مجيد في تاريخ العراق، لأنه بالاستناد الى النتائج السياسية والاقتصادية التي تمخضت عنه انتقل العراق من دولة فقيرة تعيش على فتات ما "تتكرم" به الشركات النفطية العملاقة، الى دولة، مؤثرة في نطاقها القومي ومحيطها الإقليمي وحضورها الدولي، ولولا تأميم النفط وتوظيف مردوده في توفير الشروط المادية لخطة النهوض الوطني الشامل، لبقي العراق دولة هامشية في صياغة الخيارات السياسية ولبقي دولة متلقية، وغير قادرة على ممارسة حقها الطبيعي في السيطرةعلى موارد شعبها أولاً، وتحديد خياراتها السياسية المستقلة بأبعادها الوطنية والقومية ثانياً.

لقد ظن كثيرون أن العراق لن يستطيع أن يحمي خطوته الجبارة، وكانوا بذلك يستحضرون تجربة مصدق في إيران، وكان كثيرون يعتبرون أن مس النفط هو خط أحمر للدول الاستعمارية ولا يمكن لأحد أن يقترب منه إلا وتلسعه نيران هذه الدول، لكن العراق، الذي اتخذ قراره بالاستناد الى إرادة شعبه ونجح في حماية قراره، خيب فآل الذين ظنوا أن الحكم في العراق سيسقط قبل أن يصل وفد الشركات النفطية الذي كان يفاوض في بغداد الى لندن، وهذا الكلام ردده رئيس الوفد الانكليزي عندما سأله أحد الصحفيين في بغداد وهو يغادرها وبذهنه أن العراق اتخذ قراره، ماذا تعتقدون أنه سيحصل إذا ما نفذ العراق قراره، أجابه ستستمعون بالخبر قبل أن أصل الى لندن.

لقد أمم النفط، ووضع العراق يده على ثروته النفطية، ولم يسقط الحكم، وهذا ما دفع القوى الاستعمارية لأن تكتم غيظها وتبدأ الأعداد لمعركة ثأرٍمن العراق، كانت جولتها الأولى في رعاية وحماية التغيير في إيران الذي أطلق حرباً استمرت ثماني سنوات بهدف إسقاط العراق وحكمه الوطني، ثم جاءت الجولة الثانية في العدوان الثلاثيني، بعدما أضاف العراق لرصيده السياسي الوطني الناتج عن تأميم النفط رصيد النتائج السياسية التي أفرزتها الحرب مع إيران، وبعدها الحصار الظالم في جولتها الثالثة ورابعها في العدوان الذي أدى الى وقوع العراق تحت الاحتلال، وكان أول إجراء اتخذته سلطة الاحتلال هو إعادة سيطرتها على الثروة النفطية، وتنصيب شلة في الفاسدين و المفسدين وسراق المال العام والحرامية على ما يقذف إليهم من فتات.

وإذ تستفرس الشركات النفطية في صراعها لإعادة السيطرة على ثروات الشعوب وخاصة النفطية والأمة العربية واحدة من هذه الشعوب، فلأن هذه الثروة فيما لو تمت السيطرة الوطنية عليها ووظفت في خدمة الشعوب وهي حق لها، لتوفرت الأسس المادية للتطور الاقتصادي والاجتماعي ولكان تحقق الأمن الوطني والاجتماعي والحياتي للشعوب، ولما كانت الدول النفطية بحاجة للمساعدات والهبات، ولا لشراء الأمن مقابل الثروة ولا لاستجداء مظلات أمن أجنبية لحماية النظم الحاكمة.

وإذا كان العراق ومعه أمته العربية يستحضران هذا اليوم فلأنه من الأيام المجيدة في تاريخ الأمة العربية، واستحضاره هو لتذكير الأجيال التي لم تعش لحظات اتخاذ القرار، بأن الأمة التي استطاعت اتخاذ ذاك القرار التاريخي والاستراتيجي قادرة على اتخاذ مثيل له، لأنه كان وجهاً من أوجه الصراع مع أعداء الأمة، وهو بأهميته يوازي قرار مواجهة العدوانية الإيرانية والعدوانية المتعددة الجنسية التي قادتها أميركا وقرار إطلاق المقاومة الوطنية التي فرضت على المحتل الأميركي الانسحاب وعلى المحتل الإيراني مواجهة إتساع المقاومة العراقية الشاملة لتغوله وتخريبه للأمن الوطني والمجتمعي العراقي.

يوم التأميم، هو يوم مجيد، وفيه العبرة، بأن الاستقلال السياسي لا قيمة له أن لم يقرن باستقلال اقتصادي، يمكن الشعب من ممارسة خياراته باستقلال وبعيداً من أي ارتهان او تبعية او وصاية.

إن قرار الحرب على العراق لم يتخذ بعد الحادي عشر من أيلول / 2001، بل اتخذ يوم الثاني من حزيران 1972 وتم تحفيزه بنتائج الحرب مع إيران، وبتحول العراق الى قاعدة للنضال القومي العربي وحاضناً لأهم قضايا العرب وفي الطليعة منها قضية فلسطين.

فليبق العرب يعتبرون هذا اليوم منصة من منصات الإضاءة القومية كما قرار تأميم قناة السويس، وتأميم النفط أهم، وليبق العرب يتذكرون أن لا تقدم للأمة دون ممارسة حقها بثروتها الطبيعية، وأن لا سيادة وطنية لشعب دون سيادة على مقدراته، وأن الأمن الوطني لا يشترى بل يتحقق بإرادة سياسية وطنية وهذا ما كانت تفعله قيادة العراق الوطنية ولهذا كان استهداف العراق خياراً استراتجياً للقوى الاستعمارية المتحالفة مع الصهيونية والشعوبية الجديدة.





السبت ١٨ رمضــان ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / حـزيران / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة