شبكة ذي قار
عـاجـل










ليس من بغدادي أو ممن زار بغداد الا وقد مر بشارع الرشيد , ليس منهم الا ويتذكر الحيدرخانة , أو يعبر الأزقة البغدادية الضيقة ليصل الى شارع النهر , ويتعرفوا على عكد النصارى , سوك الغزل , وسوق الصفافير ليسمع سمفونيته البليغة التي لا تتوقف , حتى انك تكاد ترى الفراهيدي يسير هناك وعلى ترنيماته ينظم بحور الشعر , لم يكن من احد هناك يعترض على عرض اللوحات والرسومات على واجهات جامع الحيدرخانة , ولم يكن من احد يصنف ديانتك عندما تدخل الى كنيسة اللاتين , لا أعلم أكان من الخطأ أن أدار شارع الرشيد ظهره للنهر , أم انها كانت من الحكمة , ان تختفي تلك الأزقة خلف النهر وما تحويه في ثناياها من تاريخ , لتبقى مدارا للبحث على مدى السنين .

تتقسم المسافة من الباب الشرقي الى باب المعظم , الى أربعة أقسام ,,, ألأولى من الباب الشرقي الى جسر السنك , ثم منه الى ساحة حافظ القاضي , والثالثة منها الى معروف الرصافي ,, الى أن تصل الى جسر باب المعظم , حيث يمكنك في هذه المسافة ان تعبر الى جانب الكرخ من خمسة جسور هي الجمهورية والسنك والاحرار والشهداء وجسر باب المعظم , وتاريخ يضج بالحكايات في الأزقة البغدادية المحاذية لهذا الشارع أو ذاك , وشارع ليس من أقل وصف له هو انه شارع ( جليل ) كما وصفه معماريين كبار ومؤرخين , أو روح بغداد كما كان يحب ان يصفه الكرخيون والرصافيون , أو شارع المتعة والتمتع حين السير فيه كما كان يصفه الزائرين القادمين منهم والراحلين .

أحن حقا الى ذلك المكان العظيم حيث التاريخ والحكايات والروايات والسنين , مسيرة قديمة وأخرى حديثة تنبع من ثناياها الاصالة والكرامة وامجاد أمة قد تعثرت وأُحبطت , لم يكن عليك الا تسلك ذلك الشارع الطويل , الذي من الاستقامة حتى انه لا يمكن ان تضيع فيه , ومن التنوع بان لا تمل ابدا منه , ومن القدم فيه حينا ومن الحداثة ايضا حتى انك ترى التاريخ فيه .

لا اعلم كم بقي من هذا الجمال هناك , بعد أن دخلها الغزاة واللصوص والزناة من كل ابوابها , وما هي احوالها وهي لم تعبر بعد السنوات المكتظة بالحروب والحصار والألم , الجوع والارهاب وما جلبته ديمقراطية الزناة والمستعمرين من دمار , لا أعلم كم بقي من الحكايات الجميلة والابتسامات المشرقة , كم بقي من الزخارف والبنايات التي تحاكي التاريخ وقصة البغداديين والشبابيك الملونة بعد أن اهتزت من جذورها بفعل قنابل الدمويين , كم بقي من افراحها واعراس الشهداء التي طالما اختلطت بالبارود والياسمين , أتُرى ما زال المقهى البرازيلي في ركنه المعهود ومسرح شهرزاد وسينما الزوراء أم ان وجعها قد بات يضرب في القلب والذكريات فيها قد تناثرت مع ركام التفجيرات التي زرعها السراق واللوطيين , كم بقي من ذكريات الأدباء واختراعات العلماء وأحاديثهم على طاولات ومقاعد المقاهي البغدادية هناك , شرفات البيوت العتيقة , وقسمات المقامات , وأماكن كانت دوما ملهمة في ايام الرخاء وحتى في عجاف السنين .

لن أتوقف كثيرا على ذلك الالهام , ولن اسير في التفاصيل , فالحنين كبير تكاد تخنقني عبراته كلما سمعت اليوم خبرا عن بغداد وعن الرشيد .





الاحد ٣ جمادي الثانية ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / شبــاط / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المهندس صهيب الصرايرة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة