شبكة ذي قار
عـاجـل










من مهازل الأقدار ان تصبح حقوق المرأة العراقية بين اغتصاب داعش وارتهان سلطات المليشيات الحاكمة ببغداد في خدمة محاولات قوى الاحتلال والردة على تكريس المذهبية والتفرقة الطائفية من خلال محاولات تعديل قانون الأحوال المدنية.

لقد سمحت هيئة رئاسة برلمان نواب المضبعة الخضراء بإدارة سليم الجبوري ونائبه همام حمودي بالتصويت "المبدئي" على مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 88 لسنة 1959، في جلسة يوم الثلاثاء 31 تشرين الثاني / أكتوبر 2017، بالرغم من اعتراض البعض من أعضاء البرلمان العراقي وكتلهم.

وقد جرت الاستجابة للضغوط الرجعية والظلامية بإقرار التعديلات والتي جاءت بطلب من المجلس الإسلامي الأعلى، بالرغم من عدم اكتمال النصاب القانوني في تلك الجلسة ، ولكن إصرار ومباركة ممثلي وقوى أحزاب الإسلام السياسي من الطائفتين مرر الصفقة المشبوهة دون مراعاة لحقوق النساء ووحدة ومصير الأسرة العراقية ولحمة المجتمع العراقي.

لا يخفى على الجميع ان ما يسمى بتعديل قانون الأحوال الشخصية ما هي إلا محاولة مستمرة لسابقاتها ، بإعادة إنتاج وتمرير ما سمي قبلها " قانون الأحوال الجعفري" الذي سيعطي لرجال الدين، من المذهبين، حرية التصرف والتعسف بقوانين الأحوال الشخصية في العراق، ويهدف إلى تكريس الانقسام المجتمعي طائفيا، وحسب اجتهاداتهم، وهي تعديلات تعسفية ستسلب حقوق المرأة، ويجبرها على السكن مع أهل زوجها بدون اعتراض، ويمزق النسيج الأسري والمجتمعي، ويشجع على زواج القاصرات، وهو التطبيق البشع الذي حاولت عصابات تنظيم داعش الإجرامية فرضه في اضطهاده النساء العراقيات وعرضهن كسلعة وسبايا للبيع والمقايضة وفرضه الزواج عليهن لمقاتليه وهن صغيرات السن وبالإكراه .

ان البرلمان العراقي المصاب هذه الأيام بحمى تمرير القوانين والتشريعات المطلوب تمريرها وإقرارها ضمن الصفقات بين حيتانه و كتله الكبيرة، وباستغلال ظروف الانقسام السياسي والاجتماعي في البلاد يسير هذا البرلمان وفق إرادة المجرم نوري المالكي وتحالفه اللا وطني من خلال توفر ما يسمى الأغلبية بتكتل أصوات مجموعات وكتل الفساد السياسي بتمرير مثل هذه التعديلات وغيرها، في وقت يعاني فيه العراق من عشرات ومئات المصاعب والمصائب وعلى كل المستويات، منها استمرار القتال مع عصابات داعش، وتسلط الحشد الشعبي والمليشيات المسلحة الطائفية المنفلتة والمتحكمة على مقدرات البلاد، بدعم إيراني صفوي ،وتجاهل إعادة المهجرين والمشردين لمناطقهم، وتفاقم أزمة الاستفتاء الكردي ومصير شمال العراق، وتعمق فضائح السرقة والفساد الإداري، وانعدام الخدمات، وفوضى الأمن ، وغيرها من المسائل المعلقة ، التي تنتظر حلولا جذرية بدلا من الانغماس في إجراء تعديلات مشبوهة لقوانين عراقية ، كانت إحدى الضمانات الاجتماعية والإنسانية التي حافظت على حقوق المرأة والتكفل الأسري ووحدة فئات المجتمع العراقي، كقانون الأحوال المدنية التي حافظت عليه الدولة العراقية منذ ثورة 14 تموز 1958 وما بعدها حتى جاء الاحتلال الأمريكي وعملائه للانتقام والتخريب والتسلط الطائفي الأعمى وتفتيت وتقسيم العراق.

هاهم عادوا مرة اخرى وباستغلال الظرف العراقي الصعب الحالي إلى تكرار ذات المحاولة السابقة، وبطريقة ملتوية و أكثر لؤما وخساسة ويحيل تنفيذ وتطبيق قانون الأحوال الشخصية إلى سلطات كهنوتية بيد هيئات الأوقاف الطائفية والدينية، وبما يضعف من دور السلطة القضائية ويكرس الانقسام الطائفي في المجتمع حيث تنص إحدى فقرات التعديل على ان " تلتزم المحكمة المختصة (...) عند إصدار قراراتها في جميع المسائل التي تناولتها نصوص قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل، وغيرها من المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية، وبإتباع ما يصدر عن المجمع العلمي في ديوان الوقف الشيعي، والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السني، وتبعاً لمذهب الزوج، ويصح أن يكون سبباً للحكم". وهذا خرق لمبدأ الفصل بين السلطات".، وبذلك التعديل يضع القانون قضايا الأحوال الشخصية بيد ممثلي المذاهب والأديان المتباينة، بعيدا عن القضاء العراقي، ويكرس الانقسام الطائفي الذي سعت إليه قوى متنفذة في البرلمان والسلطة.

ويشجع تعديل القانون، على تزويج القاصرات، وحتى من هن في عمر التاسعة لا اكثر، وانه يعد انتهاكا لحقوق المرأة العراقية والمنتهكة الحقوق منذ حلول الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق 2003 ومازالت تعاني ملايين النساء العراقيات من ظروف المطاردة والنزوح والهجرة القسرية في الداخل والخارج وفي المنافي لا زالت مأساتها خارج اهتمامات برلمان العملية السياسية الاحتلالية، ولا زالت حالة التنكر لحقوقها في إطلاق سراح عشرات الآلاف من النساء العراقيات المعتقلات في سجون الاحتلال والسلطات الحاكمة، وهي مغيبة في السجون السرية والخاصة، وباتت ضحية اغتصاب الدواعش وتم بيعها في سوق الرقيق والإذلال وتعاني اليوم من حالات لا يمكن توصيفها في الامتهان من كرامتها ومن كرامة ووحدة الأسرة العراقية، كل ذلك لم يكلف القائمون على القانون من الاهتمام بوضع المرأة العراقية التي تشكل العنصر التربوي الرئيسي في المجتمع العراقي.

لقد حافظت الدولة الوطنية والنظام الوطني السابق قبل الاحتلال على قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 88 لسنة 1959 لما فيه من ضمانات تشريعية تحافظ على وحدة النسيج العراقي طوال ستة عقود متتالية،وان التعديل الجديد إذ يخل بمبدأ الفصل بين السلطات ويضع القرار بيد رجال الدين والكهنوت السياسي ويمزق لحمة المجتمع ويتعارض مع كل الدساتير في غبن المرأة العراقية وإذلالها ؛ وما إقرار حالة القبول "الزواج من القاصرات" وغيرها من أمور، ما هو إلا حالة تعدي على حقوق المرأة والمساواة الإنسانية، ومن بينها وضع الحق للرجل لتحديد طبيعة ومكان عقد الزواج وفق مذهبه وطائفته، وهذا ما ينافي مبادئ حقوق الإنسان والقضاء العراقي .

ان الجبهة الوطنية العراقية وهيئة اتحاد النساء فيها تشارك منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية الوطنية التقدمية العراقية قلقها ورفضها لكل هذا العبث اللا قانوني وتطالب الجميع للوقوف ضد تمرير مثل هذه التعديلات، وبنقض التعديلات الرجعية لقانون الأحوال الشخصية، وترى في ذلك محاولة تكرس الطائفية التي يعاني منها الشعب العراقي، وتقسيم المجتمع العراقي على أسس مذهبية وطائفية.

وإن محاولة إلغاء أو تغيير القانون 188 لسنة 1959 والذي يعتبر من القوانين المتطورة والمتقدمة في العراق والمنطقة، خدم كل الطوائف العراقية بشكل قانوني ومدني طوال ستة عقود، وما محاولة تعديله إلا عودة وارتداد للمجتمع العراقي ومكانة المرأة والأسرة العراقية وارتهان مصيرها مظالم القرون الرجعية، في الوقت الذي يحتاج العراق به إلى الوحدة والتكاتف بين كل شرائح مجتمعه لحل المشاكل المتأزمة، والتخلص من تشريعات ودستور المحاصصة والتوجهات الطائفية، ويسعى إلى التحرير الشامل من اجل رفع شأن الوطن والمواطنة وبناء دولة الدستور والقانون لكل العراقيين.

الأمانة العامة للجبهة الوطنية العراقية
الثالث من تشرين الثاني ٢٠١٧





الاحد ١٦ صفر ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / تشرين الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الجبهة الوطنية العراقية نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة