شبكة ذي قار
عـاجـل










نكسب الشباب لنضمن المستقبل .. مقولة حقيقية خالدة بكل ما تحمله من معانٍ سامية، فلا مستقبل إلّا بالشباب، هم العمود الفقري لأوطانهم، وبهم تزدهر الحياة وتتجدّد، لكن ماذا سيكون حال مستقبلنا إن كانت الحكومات والمجتمعات قد ساهمت في ضياع الشباب، وفي دحر طموحاتهم وتطلعاتهم حتى دفعوا بهم إلى أحضان التطرّف والمتطرّفين، فصارت الصورة قاتمةً كما رأيناها في السنوات الأخيرة!!

الأسباب :
بسؤالنا للشابة العراقية جنّة، والتي تقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، عن أسباب هذا التدهور الذي يدفع الشباب للانسياق وراء المتطرفين، قالت بإسلوب تملؤه الحسرة، بأنّ غياب الدولة المدنية التي تُعنى بالشباب ومتطلباتهم هو السبب الأول والرئيسي لكل هذا التدهور الحاصل في البلد على كافة الأصعدة، وليس في قطاع الشباب فقط.. كيف لبلد يحكم المعمّمين فيه كل مفاصل الدولة أن يخلو من التطرف.. إنّ سيطرة رجال الدين على كل وزارات ومؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات العسكرية والأمنية يخلق تطرّفاً في جانب سيقابله حتماً تطرفٌ في الجانب الآخر كردة فعل طبيعية، لذلك إذا أردنا محاربة التطرف وأفكاره الهدّامة فعلينا أن نقتلع أولاً كل أركان العملية السياسية الذين سيّسوا الدين، وزرعوا بذور الفتنة في المجتمع فكانت النتيجة تطرّف الكثير من الشباب.. لن يكون هنالك إصلاح حقيقي قبل ذلك!!

توافقها الرأي الشابة المصرية خلود أحمد، التي أرجعت الأسباب إلى القنوات الدينية التي تبث خطاب الكراهية والشحن الطائفي بشكل يومي على مسمع ومرأى الشباب العربي الذي تنخره البطالة بسبب عدم توفّر فرص العمل، وفي وسط هذا الفراغ الذي يحيط بهم، ناهيك عن المغريات المادية التي تقدّم لهم من قبل المتطرفين، يتلقّف الشباب تلك الأفكار وتترسخ في عقلهم الباطن بأنها الدين القويم الذي يرتضيه الله، فتحصل الانحرافات عن المنهج الربّاني السمح، ليحلّ محلها التطرّف المقيت، كما إنّ للإعلام بصورة عامة تأثيره في خلق التطرّف، فالأمر ليس مقصوراً فقط على القنوات الدينية، بل إنّ الأفلام والمسلسلات وحتى الروايات المقروءة غالباً ما تبثّ أفكار الكراهية والتطرّف في مضامينها!!

الحلول :
عمر، شاب عراقي يقيم في تركيا، خريجٌ جامعي عاطلٌ عن العمل على الرغم من أنه المعيل الوحيد لعائلته المكوّنة من أربعة أفراد.. حين سؤالنا له عن سبب عدم عودته للعراق طالما إنّ حال البطالة واحد في العراق وتركيا، أجابنا بأنّ تركيا توفّر له ولعائلته الأمن والأمان، بعد أن اضطرته الأجواء الطائفية في العراق لمغادرة البلد، فلطالما تعرّض للمضايقات بسبب اسمه، حتى أنّه فكّر مرة من المرات بتغييره حفاظاً على سلامته وسلامة عائلته من غدر المتطرفين، وقال بصوتٍ تشوبه العبرة بأنّ لا حياة في العراق إلاّ للمتطرفين من كِلا الجانبين.. فبادرناه بسؤالنا: متى برأيك ينتهي كل هذا التطرّف، وكيف بالإمكان حماية الشباب من الانسياق وراء مثل هذه الأفكار؟ أجابنا بكلّ مسؤولية، بأنّه يجب توحيد الخطاب الديني ونشر ثقافة الاعتدال، وذلك لن يكون إلاّ بإغلاق كافة المدارس والجامعات الدينية الأهلية، وحصر التعليم الديني ضمن منهج حكومي مدروس، وأن يتم قبول الطلاب المتقدمين للدراسات الفقهية بمعدلات ثابتة لخريجي الفروع الأدبية والعلمية، ويستثنى الطلاب من خريجي المعاهد الصناعية والتجارية من القبول، وذلك لتخريج أئمة مساجد أو موظفي أوقاف على قدر واعٍ بتحمل المسؤولية، بالإضافة إلى نشر ثقافة قبول الآخر، وثقافة التعايش على أسس وطنية، كما يجب أن لا ننسى دور الإعلام وبأن يكون موجّهاً بصورة إيجابية في استحضار الحوادث التاريخية الرائعة عن تسامح المسلمين وتعايشهم مع كافة الأديان والثقافات الأخرى، فإذا كان المسلم يتعايش بسلام مع غير المسلم، فالأحرى به أن يكون أكثر رحمة وتسامحاً مع ابن دينه وإن اختلفت طائفته، وقبل ذلك كله يجب التركيز على التربية والتعليم، وبأن يتم تطهير المؤسسات التربوية والتعليمية من الفساد المستشري فيها لإنشاء جيل متعلمٌ وواعي، لأن التطرّف ملازمٌ للجهل.. علماً إنّ كلّ هذه الخطوات لن تتحقّق إلاّ بجهد حكومي صادق.

من سورية ركّزت الشابة نورا على أهميّة التنسيق والتعاون بين الأهل والمدرسة في تربية الأطفال وتعليمهم منذ الصغر، وإبعادهم عن أصدقاء السوء، لأنّ الغرس الصحيح يجب الاعتناء به منذ البداية حتى يشتد عوده، فإذا كان هنالك تلك المتابعة والاهتمام منذ الطفولة فلا خوفٌ عليهم في شبابهم لأنّهم نشأوا نشأةً صحيحة ولا يمكن أن ينساقوا وراء أيّ فكرٍ ضال.

وعند سؤالنا للناشطة الميدانية إقبال المشهداني عن رأيّها بالخطوات التي يجب أن تتّخذ لحماية الشباب وتحصينهم ضد الأفكار المتطرّفة، أكّدت لنا على دور الثقافة والإعلام بالإضافة إلى التعليم، وذلك لأنّ شباب اليوم منغمسين في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بصورة مفرطة، ويستسقون كل معلوماتهم وأفكارهم منها، لذلك يجب التركيز على هذا الجانب الحيوي في حياة الشباب من أجل حمايتهم وتحصينهم.. على الجهات المختصّة في العالم العربي توعية وتثقيف الشباب من خلال البرامج التوعوية والكتب الثقافية، بالإضافة إلى ضرورة التثقيف الألكتروني، ومتابعة الشباب في المعاهد والجامعات والاهتمام بهم بالاستماع إلى أفكارهم وتطلعاتهم، وتحقيق متطلباتهم المشروعة بتوفير فرص عمل كريمة لهم بعد التخرّج.

ماذا قال المعنيّون بأمر الشباب وماذا كان رأيهم ؟
وفي ختام تحقيقنا كان لا بدّ لنا من التوجّه لمعرفة رأي المعنيين بشؤون الشباب، بدايتنا كانت مع الكابتن إبراهيم الحمداني، رئيس اتحاد الرياضيين العراقيين في المهجر، الذي أكّد على دور المراكز الشبابية، الرياضية منها والثقافية، في حماية الشباب من التطرف، من خلال ملء أوقات فراغهم بالمشاركة في أنشطة هذه المراكز التي تبرز مواهبهم وتفجّر طاقاتهم، لذلك رأى بأنّه من الضروري العودة إلى تنشيط هذه المراكز الشبابية وتفعيلها كما كان عليه الحال في العراق قبل عام 2003.

أمّا الأستاذ قيس أكرم عضو المكتب التنفيذي لهيئة طلبة وشباب العراق في الخارج، مسؤول فرع الهيئة في أستراليا، فقد أكّد على ضرورة تجديد الفكر العربي من خلال تثقيف الشباب وتغيير لغة الحوار، من ديني إلى قومي عروبي، مع الاحتفاظ بالخصوصيّة الدينية وقدسيّتها دون أن تؤدي إلى مظاهر سلبية تؤثر على وحدة المجتمع وتماسكه.. كما يجب الابتعاد عن القطرية الضيقة والعودة إلى العروبة لنبذ الطائفية بين المذاهب، لأن بتزاوج الطائفية والتطرّف يولد الإرهاب، لذلك يجب الربط بين الواقع العربي المرير بالحاجة المُلحّة إلى نهضة قوميّة عروبية، وذلك من خلال خلق وعي جمعي وليس فردي، بأن الغاية الأسمى هي عودة المواطن العربي لعروبته وانتمائه لأمّته، ومتى ما تمكّنا من ترسيخ تلك الفكرة فسيرتفع صوت الجماهير مطالباً بالتغيير، وبالعودة إلى حلم تحقيق وحدتنا العربية عوضاً عن هذا التشتت والضياع الذي يعصف بالأمّة، فللأسف بات لدينا جيلٌ من الشباب يأنف حتى من لغته العربية، فكيف يمكننا أن ننهض بأمّتنا دون أن نجدّد الفكر العروبي القومي في عقول شبابنا الذين هم طليعة الأمة ومستقبلها.

بينما أكّد السيد جموعي مسعي، مسؤول العلاقات الخارجية في اتحاد الشباب العربي، على ضرورة بناء استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة التطرّف وتجفيف منابعه، من خلال بناء فكر الاعتدال والوسطية عند الشباب، ومثل هذه الأمور لا يمكن أن تقوم من خلال العمل الفردي بل إنها تحتاج جهد وطني مؤسسي، كما يجب أن تقوم المنابر الدينية والإعلامية والتربوية والثقافية بنشاط دؤوب في مخاطبة الشباب وتثقيفهم من خلال بث رسائل توعوية وحوارية تساهم في رفع درجة الوعي لدى الشباب، خاصة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي الأقرب إلى عقول الشباب في وقتنا الراهن.

وأضاف، بأنه يجب إعادة بناء الثقة بين المواطنين وحكوماتهم، وخاصة قطاع الشباب الذي يواجه مشكلات اقتصادية عديدة بسبب البطالة وعدم توفر فرص العمل.. كما يجب الرعاية بالأسرة، وحث الناس على الرجوع بأمور الفتوى الدينية إلى العلماء المختصين، والأخذ على يد أولئك الذين يتصدرون للفتوى من غير علم ومعاقبتهم أشد عقوبة ليرتدعوا ويكونوا عبرة لغيرهم ممن تسوّل لهم أنفسهم المتاجرة بإسم الدين .. وأخيراً لا بدّ أن نواجه التطرف الفكري بالفكر المثمر والحوار البناء الهادف إلى الإيضاح والإفصاح، ولنقف بحزم ضد مروجي الفتن، ولنتثبت من الأنباء والأخبار قبل الاتهام، وفي ذلك يقول الله سبحانه في سورة الحجرات : ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6].





السبت ١٩ ذو القعــدة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / أب / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب تحقيقٌ أجراه : سعد الرشيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة