شبكة ذي قار
عـاجـل










رغم الأزمات السياسية الحادة التي تعصف بلبنان وبلاد العرب والإقليم، خرجت "النهار" بعنوان صارخ لصفحتها الأولى يوم السبت 10/6/2017 "حقك رصاصة، كلفة العيش في دولة فاشلة"، لتعبرعن ألم المواطن ووجعه وانتهاك حرمانه وزهق حياته، وهو لا حول له ولا قوة، إلا انتظار أجل ليس قضاء ولا قدراً بل نتيجة رصاص طائش ومتلفت، لا يميز بين صغير وكبير ولا بين منطقة وأخرى .وأن كانت النسبة الأعلى هي من نصيب بعلبك، "مدينة الشمس" بالتعريف وأصبحت مدينة الظلام والأشباح بالواقع القائم حالياً.

إن البعض ينسب جرائم الفتل العشوائي والمقصود والمدفوع بمصالح شخصية وعادات ثأرية إلى ظاهرة انتشار السلاح بين الناس، لكن هل حيازة السلاح ظاهرة جديدة أو حديثة العهد عند اللبنانيين؟

إن ظاهرة حيازة اللبنانيين للسلاح ليست ظاهرة حديثة وأن كان قد اتسع مداها، إذ أنها موجودة قبل اندلاع الأحداث .لكن ما كان يميز بين نتائج حيازة السلاح قبل الأحداث وبعدها وصولاً إلى الوقت الراهن، ان استعمال السلاح كان يخضع لضوابط تحكمها منظومات قيمية، بعضها قانوني وآخر اجتماعي، وبالتالي لم تكن حيازة السلاح لتصل حال التفلت السائد حالياً.

ولذلك، فإن المشكلة ليست بحيازة السلاح ، بل بالحالة السائدة اليوم، وهي حالة انهيار النظام العام.

هذا النظام العام عندما ينهار، لا تعود هناك ضوابط وروادع قانونية ولا دينية ولا أخلاقية سائدة، وبالتالي فإن المجتمع يعود إلى ما مرحلة ما قبل قيام الانتظام الاجتماعي بدءاً بالنظام القبلي وانتهاء بالنظام الدولتي، وفي هذه الحالة تعود الغرائزية تتحكم بالسلوكية الإنسانية على مستوى الفرد والجماعة وهذا ما يؤدي إلى تحقق حالة الانكشاف الاجتماعي العام، وبالتالي استفحال الاستباحة للحقوق الاجتماعية العامة كما للحقوق الشخصية .

وإذا كان البعض يذهب لتحميل الأفراد مسؤولية الانتهاك لمنظومات الحقوق العامة والخاصة وما ينتج عن ذلك من تهديد للأمن الاجتماعي والحياتي فإن هذا التحمل لا يقارب الحقيقة كلياً، لأن هذا الانتهاك عندما يصح ظاهرة عامة لا يعود الأفراد يتحملون وحدهم مسؤولية ذلك وأن كان هذا لا يعفيهم من المسؤولية والمحاسبة، بل المسؤول عن ذلك، هو من أوصل الوضع في البلاد إلى هذه الحالة من الانكشاف الوطني وبالتالي تنامي ظاهرة الاستباحة للحقوق ومنها الحق الأغلى وهو حق الحياة.

إن المسؤولية تقع إذن على من غيب دور الناظم العام للاجتماع السياسي والمقصود بذلك الدولة بما هي هيئة اعتبارية مسؤولة عن إدارة الشأن العام بكافة مرافقه وتوفير مظلة الأمن والأمان للمواطنين.

إن غياب الدولة وبتعبير أدق تغيبها، بما هي سلطة ردع ومحاسبة وضبط عام، أحدث فراغاً بعيداً عن قواعد الضوابط القانونية والدستورية، ومع هذا الغياب والتغيب برزت ظاهرة التفلت، وباتت الحوادث الفردية تشكل ظاهرة عامة وتحصد أرواح الضحايا وتجعل المواطن يعيش تحت وطأة الخوف على حياته وأمواله في حلّه وترحاله.

من هنا فإن التصدي لا بل معالجة هذا التفلت لا يكون برفع الأصوات بتشديد العقوبة على مرتكبي جرائم القتل والاعتداء وفرض الخوات، وأن كان هذا ضرورياً عملاً بقاعدة الإسناد الشخصي للجرم، بل يوضع حد للحالة التي نشأت فيها ظاهرة التفلت وباتت تتغذى من معطياتها.

لذلك، فإن الحل، هو بإعادة الاعتبار للدولة ليس بوظائفها الأمنية وحسب، بل بوظائفها الإدارية والإنمائية والاجتماعية وهذا لا يحصل بالتنمي، بل بإقدام القوى التي تمسك بمفاصل السلطة، على الدخول الفعلي والالتزام الصادق بمشروع الدولة، وإلا عبثاً الحديث عن أمن سياسي وحياتي واجتماعي واستطراداً وطني. وإذا لم يحصل ذلك، فإن أغنية فيروز التي غنتها على أدراج بعلبك، يوم كانت مدينة شمس، قبل أن تتحول إلى مدينة ظلام وأشباح،"بعلبك أنا شمعة على أدراجك، أن نقطة زيت بسراجك، "ستصبح بعلبك أنا رصاصة على دراجك، أنا نقطة دم بسراجك"(الله يرحم بيار صادق). وهذا بالطبع لن يقتصر على بعلبك بل سيعم كل الربوع اللبنانية، وقد عم لأن هذا الفيروس القاتل، فيروس غياب الدولة وتغيبها لا يعالج بالمسكنات النفسية والشعارات، بل بالمضاد الحيوي، وهو إعادة الاعتبار للدولة التي تظلل الجميع بحضورها، وحسناً فعلت "النهار"، بأن أطلقت هذا العنوان لتحويل ظاهرة التفلت وخطره على الأمن الحياتي إلى قضية رأي عام كون القضية باتت أكثر من فلتان ... إنها استباحة .





الثلاثاء ١٨ رمضــان ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / حـزيران / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة