شبكة ذي قار
عـاجـل










الذين يطلقون صفة السذاجة، على الشخصيات أوالفئات اوالاحزاب التي تراهن على هذا الرئيس الامريكي او ذاك، على امل استعادة حق واحد من حقوق العراق المسلوبة، وليس جميعها، لا يجانبون الحقيقة فحسب، وانما يصيبون كبدها. حيث اثبتت التجارب فشل هذا النوع من المراهنات جملة وتفصيلا. ولدينا سجل اسود ومؤلم في هذا الخصوص. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد رفض الرئيس الديمقراطي بيل كلنتون رفع الحصار الظالم، الذي فرضه السلف الجمهوري بوش الاب، بل لم يكتف بذلك، حيث شن حربا على العراق تحت اسم ثعلب الصحراء، تيمنا بحرب سلفه عاصفة الصحراء ثم شرع قانون تحرير العراق وجمع حوله نفايات العراقيين وعقد لهم مؤتمرا في لندن ليكون واجهة لهذا القانون الجائر. وبعد الاحتلال حدث نفس الشيء مع باراك اوباما. فبدل تحقيق وعده بانهاء الاحتلال عمل على ترسيخه وتكريس مشروعه الغادر وحاول بكل ما لديه من امكانيات للحيلولة دون سقوطه.

اليوم، وعلى الرغم من تلك الخيبات، تعاد الكرة وبثقة اكبر مع الرئيس دونالد ترامب، حيث وصلت الى حد وصفه بالمخلص الذي سيملأ ارض العراق عدلا وقسطا بعد ان ملئها اسلافه ظلما وجورا. ليس هذا فحسب، وانما ذهب البعض الى ابعد من ذلك وبشروا بنهاية تواجد ايران في العراق وحل مليشياتها المسلحة وتحجيم مرجعياتها الدينية ومنع احزابها الطائفية من الهيمنة على الحكومة والبرلمان. حتى خيل لنا لبرهة من الزمن بان ترامب هذا ليس عضوا في الحزب الجمهوري ولا ملتزما بسياساته العدوانية، او صناع القرار داخله، وانما جاء بانقلاب عسكري يحمل في بيانه الاول منع امريكا، من الان فصاعدا، بالتدخل في شؤون الدول الاخرى، ويحمل في بيانه الثاني اعادة كافة الحقوق المسلوبة للشعوب التي تضررت من السياسية الامريكية الاستعمارية وحروبها العدوانية، وفي المقدمة منها الشعب العراقي.

ولترسيخ هذه الامال في عقول فئات واسعة من العراقيين، جرى تسريب معلومات كاذبة عن اقتراب تشكيل حكومة وطنية بعيدة عن المحاصصة الطائفية، وتشكيل برلمان جديد، وتعديل الدستور، بل وحددوا جداول زمنية لها الخ. ومن المؤسف حقا ان يساهم وطنيون عراقيون، دون دراية منهم، في نشر اخبار مشابه على لسان هذا المسؤول الامريكي او ذاك عززت مثل هذه الاوهام واضفت عليها قدرا من المصداقية.

نطرق هذا الباب جراء الخطورة التي تشكلها مثل هذه المراهنات الساذجة، ولا نريد وصفها بالمشبوهة، على النهوض الجماهيري الشامل والمتواصل ضد عملية الاحتلال السياسية، والذي وصل قمته باقتحام وكرها في المنطقة الخضراء، وهروب جلاوزتها بطريقة معيبة ومخجلة. فتعليق الامل على هذه المراهنات يشجع الناس على الدخول في قاعة الانتظار لحين قدوم الفرج، الامر الذي سيؤدي الى تراجع زخم الانتفاضات وانكسار حدتها. وبالتالي فالتصدي لها وفضحها وتعريتها واثبات سذاجتها، سواء فيما يخص العراق او ايران، يعد مهمة كل وطني عراقي يسعى ويشجع على استعادة حقوق العراق بالقوة، مثلما تم انتزاعها بالقوة. ولكي لا نطيل اكثر، او نعود للوراء لاستحضار الادلة والوقائع التي تثبت ما ذهبنا اليه، دعونا نتحدث بالجملة حول هذه المراهنات وليس بالمفرد.

فيما يخص المراهنة حول الاصلاحات في العراق، فكاتب هذه السطور لا يرى فيها سوى حجما هائلا من الاوهام والخيالات المريضة، فاحتلال العراق لم يكن، كما ادعى الامريكان، نتيجة لامتلاك العراق اسلحة دمار شامل، او تخليص العراقيين من دكتاتورية النظام السابق، ولا جراء تهديده لدول الجوار او غيرها من المبررات، حتى تنتهي بزوالها ويصبح لزاما على امريكا اصلاح ما دمره الاحتلال، وانما كان نتيجة مخطط اعدت له الولايات المتحدة منذ صعود بوش الابن للسلطة عام 2000. وكان عنوانه الرئيسي احتلال العراق والتعامل معه كمستعمرة امريكية بامتياز، ليشكل لاحقا الحلقة المركزية في مشروع بناء الامبراطورية الكونية التي ينتهي التاريخ عند ابوابها. ولتحقيق هذا الهدف، فان تدمير العراق دولة ومجتمع امر لابد منه، اذ من دون ذلك لا يمكن لامريكا الاحتفاظ به لعقود طويلة من الزمن. واذا كان الامر غير ذلك، بماذا نفسر اذن حرص امريكا الشديد على بناء عملية سياسية سداها المحاصصة الطائفية والعرقية ولحمتها عملاء اميركا وايران؟. ثم ماذا يعني وضع دستور ملغوم من اوله الى اخره يشرعن هذه العملية السياسية الطائفية ويحافظ على ديمومتها؟. اما الانتخابات وقانونها المعوج، فقد جرى تصميمها بما يضمن، مئة بالمئة، نجاح هؤلاء الحرامية في اية انتخابات تجري، سواء كانت بلدية او تشريعية. في حين كان السماح لايران بالتدخل السافر في شؤون العراق وتشكيل مليشياتها المسلحة، بمثابة الوقود النووي لاشعال الحروب الطائفية والاهلية، كونها تشكل اهم اسلحة الدمار الشامل لهدم اي بلد في العالم.

هل يعني ذلك بان ترامب، او اسلافه قد نزعوا من عقولهم اجراء اصلاحات في العراق، كونها تتعاكس مع مخطط تدميره؟ ام ان لكل قاعدة استثاء او لكل ضرورة احكامها؟.

خلال سنين الاحتلال العجاف كان الاستثاء والضرورة تفعل فعلهما بين فترة واخرى. حيث يجري ترميم العملية السياسية او اعادة صياغتها كلما لاح في الافق علامات سقوطها، جراء تزايد عمليات السرقة ونهب المال العام من قبل جلاوزتها، او افتضاح دورهم في جرائم القتل والاختطاف وعمليات التفجير الخ. ولكن ذلك يبقى شكليا ولا يتعدى تبديل حكومة بحكومة اخرى، او تغيير عدد من اعضاءها غير متهمين بارتكاب جرائم وسرقات، مثل اسامة النجيفي وعادل عبد المهدي وباقر صولاغ، أواتخاذ اجراءات او قرارات تؤمن قدرا محدودا من الخدمات الضرورية للحياة كالماء والكهرباء، او اقالة هذا المسؤول او ذاك. بمعنى اخر فان عملية الترميم او اعادة الصياغة لا تقترب اطلاقا من الاصلاحات الجوهرية التي يسعى الناس الى تحقيقها من قبيل اسقاط العملية السياسية بما تتضمنه من حكومة عميلة وبرلمان مرتزق ودستورملغوم وانتخابات مزورة وقضاء مرتشي ومؤسسات فاسدة الخ والاتيان بدلا عنها بعملية سياسية وطنية يقودها رجال مخلصين وذو كفائة عالية ومشهود لهم بالشرف والنزاهة ويحبون العراق ويدافعون عنه ويموتون من اجله.

واليوم فان ترامب يواجه مثل هذه الضرورات والاستثناءات، التي قد تحتم عليه رفع سقف هذه الاصلاحات الشكلية قليلا. فمن جهة لم تعد حكومة العبادي قادرة على اداء واجباتها المرسومة لها من قبل امريكا، ومن جهة اخرى الحالة المزرية التي وصلت اليها العملية السياسية، والسقوط الاخلاقي والاجتماعي لاطرافها، والعجز في تقديم الخدمات وتوفير الامن والاستقرار، مقابل ازدياد حجم الاستياء الشعبي العام ضدها، وتطوره من حالة الصمت والتململ والاحتجاجات الخجولة الى التعبير عنه بتظاهرات واعتصامات عمت العديد من المدن العراقية، وخاصة مدن الجنوب. ناهيك عن عجز هذه الحكومة وجيشها واجهزتها الامنية عن حماية نفسها وحتى عرينها في المنطقة الخضراء البالغة التحصين حيث وقفت عاجزة امام الجماهير المنتفضة عند اقتحامها من قبل الجموع المنتفضة، بل ولت هاربة امامهم بكافة وسائل النقل المتيسرة بما فيها الزوارق النهرية.

بمعنى اخر اكثر وضوحا وباختصار شديد، فان ترامب وادارته، رغم قصر مدة رئاسته، قد فقد الثقة بهذه العملية السياسية وبجلاوزتها، كاداة فعالة يمكن الاعتماد عليها لتكريس مشروع الاحتلال في العراق. وبالتالي لابد من صياغة جديدة تبعث الروح في هذه العملية السياسية المتداعية، على امل كسب ثقة الناس بها لتتمكن من تنفيذ الدور الموكول لها، وفي المقدمة منه منع قيام اية انتفاضة شعبية تهدد بسقوطها في المستقبل القريب او المنظور.

اما فيما يخص المراهنة حول ايران ومسالة طردها من العراق، سواء بطرق سلمية او باستخدام الخيار العسكري. فهذه ليست سوى اكذوبة كبيرة. فامريكا وايران، مهما اختلفا في كل الامور وفي كل مناطق العالم، فانهما حبايب فيما يخص احتلال العراق ومشروع تدميره. بل ان احدهما يكمل الاخر لانجاز هذه المهمة الغادرة. فمقابل المكاسب التي منحتها امريكا لايران، مثل نيل حصة كبيره في العملية السياسية وسرقة جزء من ثروات العراق، وحدود مفتوحة وتسويق بضائع فاسدة وموقع جغرافي الخ. قدمت ايران ما تفتقده امريكا من وسائل وادوات لتكريس مشروع احتلالها للعراق. ونقصد هنا دور المرجعيات الدينية في التستر على مشروع الاحتلال وتسويق عمليته السياسية وتمرير دستورها الملغوم ومباركتها لانتخاباتها المزورة. ناهيك عن الدور الكبير الذي لعبته ايران الى جانب قوات الاحتلال في كسر شوكة المقاومة العراقية.

نعم ليس هناك صداقات دائمة او عداوات دائمة، وانما هناك مصالح دائمة هذا الرد سيكون جاهزا بالنسبة للمبشرين بمكارم وبركات دونالد ترامب. وهم اذ يستندون الى هذه المقولة، وهي صحيحة تماما، يريدون القول بان مثل هذه المصالح لم تعد دائمة جراء تعرض المصالح الامريكية للخطر الامر الذي سيقود امريكا للدفاع عنها بكل الوسائل بما فيها استخدام القوة العسكرية. اما الدليل فهو جاهز ايضا حيث تجاوزت ايران حدودها حين بدات بالخطوات بتطبيق نظرية ملء الفراغ انسحاب معظم القوات الامريكية من العراق تمهيدا لابتلاعه بالكامل. لكن هذه المرافعة هزيلة وتفتقر للادلة والبراهين. فملالي طهران يدركون جيدا الحدود المرسومة لهم ومساحة تدخلهم وحجم تاثيرهم في العراق. مثلما يعلموا بان العصا الامريكية الغليضة جاهزة اذا تجاوزوا هذه الحدود. كما يعلموا ايضا علم اليقين بان امريكا التي قدمت عشرات الالوف من القتلى والجرحى وانفقت ما يزيد على الترليون دولار وفقدت هيبتها في العالم لم تات الى العراق لتقديمه هدية لايران لا على طبق من ذهب او فضة ولا على طبق من تنك. ناهيك عن ان امريكا لم تترك فراغ في العراق اصلا ليملئه احد، فالقواعد العسكرية الامريكية تملا العراق شرقا وغربا شمالا وجنوبا والاتفاقية الامنية سمحت لها باستخدام العراق كله كقاعدة متقدمة في المنطقة فهي تهيمن على ارضه وسمائه ومياهه ناهيك عن وجود سفارة تعد الاكبر بين سفارات امريكا في جميع العالم. اضافة الى قدرة قواتها العسكرية المنتشرة في بعض دول الجوار للوصول الى بغداد خلال يوم او يومين. او مسافة السكة كما يقول المصريون. بل ان امريكا لم تزل هي الحاكم الفعلي للعراق حتى في ظل هيمنتها على احزابها ومليشاتها المسلحة، بما فيها ما يسمى بالحشد الشعبي.

اذا كنا لم نف الامر حقه، فليس امامنا من خيار سوى التاكيد على ان امريكا دولة ارهابية ومجرمة وخارجة عن القانون، ولا يرتجى منها اي امل سواء كان رئيسها ترامب او اوباما او غيرهما وعملائها في المنطقة الخضراء تربوا في حضيرتها التي هي اوسخ من حضيرة الخنازير ولا يرجى منهم امل في الاصلاح او التنازل عن السلطة طواعية او بضغط سلمي مهما توسعت الانتفاضة. وبالتالي فان طردهم بالقوة واجب وطني وانساني، ولا طريق اخر غيره. بالمقابل فان ايران لا تقل اجراما من امريكا وان مهمة طردها من العراق مهمة وطنية عراقية بحتة، واي مراهنة على قيام امريكا بهذه المهمة نيابة عن العراقيين مراهنة فاشلة تماما.

ترى هل بامكان شعبنا في العراق انجاز هذه المهمات الصعبة

بكل تاكيد نعم طال الزمن ام قصر.





الاحد ٧ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة