شبكة ذي قار
عـاجـل










يجري تسويق خطاب حيدر ألعبادي الذي ألقاه الجمعة الماضية في مؤتمر ميونيخ بألمانيا وكأنه إعلان مدفوع الثمن قدم بصيغة خطاب لرئيس دولة أو حكومة. وشتان ما بين وقع وواقع تعالي أصوات الرصاص وتفجير المفخخات وإشاعة الإجرام وتنفيذ مخططات الفوضى الطائفية الخلاقة وحركة الاحتجاجات العارمة وبين غياب مسؤولية الدولة كليا عن حياة وهموم الشعب العراقي .

هناك في ميونخ أوهم حيدر ألعبادي نفسه مرة بأنه يخاطب العالم للتعاون معه كحكومة في العراق لتحقيق حزمة من المطالب العراقية التي وردت في خطابه.

الخطاب برمته لا يعدو تكرارا لثرثرة مقولات فارغة لإعلام عصابات المنطقة الخضراء وكواليسها عندما تحتسب الحكومة العراقية الحالية لنفسها دورا هاما في مكافحة الإرهاب الدولي، وان العراق بات في مقدمة دول العالم فاعلا ومؤثرا في مواجهة الإرهاب والقضاء على داعش؟ ؛ لذا يطلب حيدر ألعبادي من المجتمع الدولي المساعدة المادية لإبقاء الحكومة والاعتراف بها وحشدها ومليشياتها ضمن الجهد الدولي.

وضمن أضغاث أحلام مؤرقة، حاول حيدر ألعبادي رسم صورة من خيال مريض عندما تحدث حول وحدة الشعب العراقي ووقوفه خلف حكومته، مشيرا إلى فلول قواته الأمنية وجيشه المنهار تتعاون مع الشعب في المناطق التي سيطر عليها الدواعش بصفقة مفضوحة مع سلفه نوري المالكي، وها هو اليوم يتحالف مع البيشمركة الكردية بعد عقود من التقاتل وينقذ الملايين من النازحين من الجوع والفقر والتشرد... الخ. ويتمادي متناسيا ما يجري ببغداد ومحيطها من جرائم ومذابح دموية يومية بسبب صراع القوى في حكومته وخصومها فيدعي انه يمنع استمرار الدواعش من قطع الرؤوس ويختتم في انه يسعى إلى حصر السلاح من أيادي المسلحين المنفلتين ووضعه بيد الدولة ... الخ.

ما من متناقضات في العراق إلا واجتمعت في خطاب حيدر ألعبادي فباتت جميع فقراته وجمله منفرة فعلا ومن دون رابط فعلي بما يجري على ارض الواقع في العراق، فقوات البيشمركة الكردية التي تتقاتل جنبا إلى جنب مع الحشد الشعبي والقوات الأمنية ومعها جيش الحكومة ضد الدواعش باتت أمنية تغطي واقعا مريرا آخرا يوشك على انفصال الإقليم الشمالي، ومقولة ألعبادي في التعاون مع الأكراد تفضحها استحالة لقاء حيدر ألعبادي ومسعود البرزاني ببغداد آو اربيل بسبب تعمق الخلافات والشرخ القائم مع حكومة ورئاسة الإقليم؛ لذا لم يجدا سوى محطة مؤتمر ميونيخ كفرصة للقاء يجمع ألعبادي ومسعود البرزاني لمواجهة حلول المشاكل المستفحلة بين حكومتي الإقليم والحكومة المركزية ببغداد.

ويكفي وصف حالة الانقسام الحاد في العراق دولة ومجتمعا من خلال حضور وفدين مستقلين ومنفصلين من العراق في مؤتمر ميونيخ تمثلا في رئاسة وحكومة الإقليم والحكومة العراقية.

وغير بعيد عن مؤتمر ميونيخ وفي عواصم أوربية قريبة منها يحط الرحال إلى اجتماعات ومؤتمرات مشبوهة أخرى يجتمع بها دعاة الانقسام وتفتيت وحدة العراق في كل من موسكو، حيث اجتمع الأكراد لتدارس حالة انفصالهم وإقامة دولتهم، واجتمع سياسيو "سنة المالكي" في جنيف لبلورة مطالبهم في إقامة فيدرالية طائفية أو تعديل لشروط المحاصصة مع تحالف المالكي وغيره في محاصصة جديدة ما بعد داعش.

صوت المفخخات وتصاعد أعداد التفجيرات الدموية والمذابح الجماعية وسيادة وضع اللا دولة في بغداد تنسف تماما ما طرحه حيدر ألعبادي في ميونيخ، وهو يخاطب المجتمع الدولي مطالبا بمساعدات مالية والحصول على ديون جديدة ستذهب لإسكات جشع قادة المليشيات وحيتان العملية السياسية بعد أن أفرغوا خزائن العراق وبيع أرضه ومياهه الإقليمية للكويت وتركوا حقول بترول الفكه وآبار شرق محافظة ميسان وغيرها تسليما صاغرا للحكومة الفارسية بطهران ،.

كانت من اكبر السخريات ان يربط ويقارن حيدر ألعبادي بين أوضاع العراق في عهدة ويقارنها مع "العهد البائد" ،على حد قوله، والإشارة إليه انه : ( ... الذي كان يستخدم القوة العسكرية لقمع أبناء الشعب العراقي من الكورد والعرب والتركمان والشبك والقوميات الأخرى ).

ان جملة الوقائع على ارض العراق تكذب هذا الادعاء خصوصا ، بعد ان بدأ العراقيون بمختلف طوائفهم يحنون إلى عودة ذلك العهد الوطني الذي كان أمينا ومخلصا لوحدة العراق واحترام الدولة الوطنية التي حكمها رجال وطنيون شرفاء .

ان حيدر ألعبادي بات يخاف من حركة ظله بوجود أكثر من مصدر لقرار امني وسياسي في المنطقة الخضراء، عصابات الحشد تطوقه من كل جانب و تنتهب صلاحيات حكومته قرارات  رؤساء الكتل في لعبة الشد بين البرلمان والحكومة، وان نوري المالكي بات يتعامل معه وكأنه مجرد رئيس حكومة ظل يديرها بالوكالة تابعة لحزبه وتحالفه اللا وطني.

لم يعد العالم مستعداً ان يسمع أصوات أمثال حيدر ألعبادي مثلهم مثل الشحاذين المطالبين لتوفير الخبز والماء والدواء للملايين من النازحين الذين كانوا سببا في تعاستهم .

والكذابون المدعون في العراق أمثال حيدر ألعبادي يتناقضون تماما مع أفعالهم الجرمية كل يوم حين أنهم يريدون إعادة البناء للمدن المخربة التي نالها تعسفهم وقصفهم الأعمى في الرمادي والفلوجة وصلاح الدين والموصل ومناطق جرف الصخر ومناطق محيط حزام بغداد وبعقوبة والحويجة، وإنهم يسعون إلى توطين وإعادة النازحين إلى بيوتهم .

وتكفي شهادات موضوعية لمنظمات حقوق الإنسان ومنظمة هيومان رايتس وورلد : ان الجرائم المرتكبة من عصابات الحشد وقوات ألعبادي المتخصصة باتت تفوق جرائم داعش، وان عدد المساكن والمنشئات والمؤسسات التي يتم قصفها في الموصل وقبلها الانبار وصلاح الدين بدم بارد بالطيران والمدفعية الثقيلة والنسف الكلي بالمتفجرات من قبل قوات الحومة وحشدها المليشياوي تؤكد نية التخريب الشامل العمدي في مدن معينة في العراق .

لا يمكن للعالم المتحضر ان يدفع مرة مليارات أخرى من الدولارات من أموال المساعدات الإنسانية، ومنها أموال كبيرة تقدم، من صندوق النقد الدولي ، بصيغة قروض مستقبلية على الدولة العراقية، تذهب إلى جيوب وحسابات زعماء المليشيات والعصابات الحاكمة في العراق.

ان عودة حيدر ألعبادي بمجموعة مقاطع خبرية متلفزة عن لقاءات ومقابلات لبضعة دقائق أجراها مع رؤساء الحكومات الأخرى لا تمنحه بالمطلق صفة زعيم أو حتى رئيس حكومة لبلد عريق مثل العراق .

وما شاهده العالم من تجاهل له ولأمثاله باتت مشاهد مقززة رأيناه بها وهو يستجدي بنفاق لئيم تعاطف العالم معه، ولعل المشاهد التي نقلتها كامرات الإعلام العالمي المذلة السابقة أظهرت حيدر ألعبادي ووزير تخطيط حكومته تائهين في كواليس المؤتمر السابق وهما يدوران كالشحاذين على موائد اللئام حول مكان تواجد و جلوس باراك اوباما، المنشغل عنهما بقصد وذكاء وبإهمال متعمد ، في حين ظل ألعبادي خلفه عله يطمع بفرصة مصافحة عابرة، لا تقدم ولا تؤخر، أو بمجرد الإشارة إلى وجوده قريبا من اوباما أو غيره، ولم يخجل ألعبادي حينها من نفسه عندما ذهب إلى الجلوس خلف ظهر اوباما على أريكة خشبية خارجية في حديقة مقر الاجتماع السابق خلال فترة الاستراحة.

ان العراق المغيب دوليا على كل المستويات لا يمكن ان يحسب بحضور حيدر ألعبادي، كمجرد رقم تسلسلي في ذيل قوائم الحضور كونه يمثل فعلا حكومة معوقة وفاقدة للشرعية، وهي حكومة تفتقد لكل شروط التمثيل لها بين الدول، ولا تعبر عن وجود الدولة العراقية التي انتهبها الفساد والتزييف لإرادة الشعب وباتت رهينة لحسابات النفوذ الإيراني والتدخل الدولي بكل أشكاله.

ولا يمكن إعادة الاعتبار للعراق دولة ومجتمعا إلا بإنهاء كل مسببات الاحتلال والغزو وتصفية الأوضاع السياسية والمنية بشكل جذري وبإرادة وطنية عراقية ودعم دولي حقيقي نزيه ومخلص لقيم السلام والحرية ؛ كي يعود العراق ليحتل مكانته التي يستحقها بين الأمم شعب عريق بحضارته وبتمثيل رجاله وحضوره المطلوب على كل الأصعدة.

وان غدا لناظره قريب.

المقال الافتتاحي الأسبوعي لموقع الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية في العراق
هيئة تحرير الموقع
١٩ / شبــاط / ٢٠١٧





الاثنين ٢٣ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب هيئة تحرير الموقع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة