شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما ندعو للسلام والتعايش الاجتماعي الحقيقي والوصول إلى تحقيق المصالحة الوطنية ونبذ الإقصاء الاجتماعي أو الاجتثاث السياسي، تلكم من مبادئنا وفي مقدمة برنامجنا السياسي ، وما عاهدنا به شعبنا، ولأننا نحب شعبنا فعلا، قولا وعملا، نعمل كمناضلين بإيمان راسخ من أجل الحفاظ على وحدة شعبنا الوطنية وننشد العيش كعراقيين معا بكرامة وحرية تحت سيادة دولة وطنية عراقية مستقلة على أساس الإقرار بالمواطنة المتساوية الحقوق وضمان التكافل الاجتماعي بين الدولة والمجتمع.

منذ الاحتلال الأمريكي 2003 والعراق يعيش فوضى المصطلحات السياسية التي يطرحها البعض دون إدراك لمضامينها وأهدافها الدقيقة. ومنها مصطلح المصالحة الوطنية والمصالحة المجتمعية، والمصالحة السياسية .. الخ.

يبدو أن الكثيرين باتوا مهووسين بالسياسة في معناها الضيق والبرجماتي، وبعضهم مسكونين بالسلطة وكل ما يتعلق بها، لذا تجاهلوا مطالب المجتمع، متناسين أنه هو الأصل، وهو الأساس للسياسة والسلطة والوجود كله، وكل هؤلاء لهم مصلحة في تغييب وتراجع ثقافة المصالحة في العراق حفاظا على امتيازاتهم أو التغطية على حقيقة إخفاقاتهم السياسية والاجتماعية معا.

وفي مستهل هذه المقالة لا بد من الاعتراف بغياب ثقافة المصالحة وأسسها في العراق، وقلة التجارب الناجحة فيها، رغم كثرة الكوارث السياسية والاجتماعية التي عاشها العراقيون منذ عقود طويلة. من هنا لا بد أن نتعرف أولاً على معنى مصطلح المصالحة، فقد ورد في معجم المعاني الجامع أن المصالحة : تعني المسالمة والمصافاة وإزالة كل أسباب الخصام .أما قاموس المعاني فذكر أن المصالحة : هي عملية جعل طرفين أو أكثر يقبلون بحل يرضي جميع الأطراف بوساطة طرف آخر ليس طرفاً في النزاع .

ذلك ما جاء في المعنى الاصطلاحي لثقافة المصالحة، أما تعريف المصالحة بشكل واضح وحسب تعريف العديد من الباحثين : ( أنها السعي المشترك لإلغاء مواقف الماضي وتصحيح ما ترتب عليها من غبن ومآسي وأخطاء وانتهاكات وجرائم مع الامتناع عن القيام بالحلول العنيفة في معالجة الملفات والقضايا المختلف عليها والنظر بتفاؤل إلى المستقبل من خلال التأسيس للحاضر بعيداً عن الزيف والكذب في الحياة السياسية والنظام الديمقراطي والمشاركة في الحكم ) .

وعرفها آخرون : ( ... بأنها مشروع مجتمعي تعني إيجاد توافق وطني بين المكونات الأساسية للمجتمع حول خطة سياسية شمولية متكاملة ومحددة ودقيقة تسترشد بالمبادئ الأساسية المستخلصة من فض النزاعات بالطرق الهادئة والسلمية والتي تخضع للقانون المحلي والدولي وإجراءاتهما الملزمة للدولة والحكومة ) .

لكن يبقى هناك أمر في غاية الأهمية للتذكير به، لكي تأخذ المصالحة الوطنية مداها الأبعد وهدفها الأوسع وعنوانها الأسمى وهو أن نجعل من هذه المصالحة ثقافة دائمة للسياسيين والمسئولين في إدارة الدولة والمجتمع، ولجميع الأحزاب والكتل والفرق السياسية الممثلة للمشهد السياسي للبلد بشكل خاص ولأبناء المجتمع العراقي بشكل عام، ولتحل هذه الثقافة محل ثقافة الإقصاء والتهميش والاجتثاث وإلغاء الآخر ومنع تكريس ثقافة العداوة والدعوة إلى الثأر والانتقام وثقافة الاغتيال والخطف والابتزاز وتصعيد الصراعات الدموية وإشاعة ثقافة عدم الثقة وكيل الاتهامات المستمرة لأي فكر أو تيار فكري وسياسي واجتماعي .

وحسب الكاتب سامي الزبيدي : الذي يرى في المصالحة عراقيا، وعلى ضوء الأحداث السياسية والاجتماعية والصراعات الطائفية التي يعيشها بلدنا، وهو التعريف الأقرب لحالتنا العراقية فإنها : ( خطة شاملة، وآليات واضحة ومقبولة، تضمن تحقيق مطالب وحقوق جميع مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية والفئوية والحزبية ووضع حل شامل وعقلاني وسلمي، متوافق عليه، ينهي حالة الخلاف والخصام والعداوة وعدم الثقة بين هذه المكونات، ينفذ عن طريق الحوار والتفاهم، دون استخدام العنف والقوة والثأر والانتقام والإقصاء والتهميش وإلغاء الآخر باستغلال النفوذ السلطة الممنوحة أو بتسييس القوانين والقضاء ) .

وفى ظل غياب تعريف موحد وشامل وجامع للمصالحة، غالبا ما يكون موقف القطاع الأكبر من العراقيين من المصالحة مستندا على مفهوم خاص؛ وقد يكون ضيقاً؛ إن لم يكن غامضا حتى لدى بعض الساسة، وكثيرا ما يكون منحازا لوجهة نظر البعض منهم، وهذه إحدى المعضلات الرئيسية التي تواجه تحقيق المصالحة الوطنية في العراق بمفهومها الواسع، فهي مهمة تحتاج إلى انجازات ملموسة منها انتقالية وسريعة وتكون واضحة الأهداف تقوم بها الحكومة تجاه مجتمعها وشعبها كله دون تفريق بين المعارضة والحلفاء.

كما تتوجب تحديد عناوين ومسميات الأطراف السياسية والمجتمعية المتعددة الداخلة في سياق المصالحة، ومعرفة مدى استعداد الأطراف المتنازعة ( الحكومة المتشاركة بأطرافها من جهة، وقوى المعارضة للعملية السياسية من جهة أخرى ) للدخول في إجراءات المصالحة الوطنية، شرط قبول الجميع واستعدادهم في تقديم التنازلات والتضحيات من أجل إنجاحها، والابتعاد عن وضع شروط تعجيزية للاندماج والقبول في المصالحة الوطنية بعد الاتفاق عليها، وخاصة في إلغاء تشريعات وقوانين ظالمة عبرت عن نوايا بعض المنتمين للنظام الجديد بعد الاحتلال ودوافعهم للثأر والانتقام من النخب السياسية والاجتماعية العراقية التي كانت محسوبة على النظام الوطني السابق أو تلك التي وضعت في خانة التمييز والاستهداف الطائفي والقومي والمذهبي من قبل مجموعات أخرى تمركزت بحكم ظروف تحالفات المحتلين فوضعتهم في أعلى هرم السلطة، وباتت تعمل جاهدة على إجهاض أي مشروع وطني للإصلاح السياسي ولتصفية تركة الغزو والاحتلال .
 





الاحد ٢٩ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة