شبكة ذي قار
عـاجـل










تـوجه الرحالة العربي الـمـعـروف ابـن جُـبـيـر أبـو الـحـسـن مـحـمّـد بـن أحـمـد نـحـو الـمـشـرق لـيـحـج إلى مـكّـة، مغادراً مـديـنـة قـرطـبـة في الأنـدلـس ( في إسـبـانـيـا الـحـالـيـة ) أواخـر شـبـاط مـن العـام 1183م، وبـعـد أن أكـمـل مـراسـيـم الـحـج اسـتـمـر في سـفـرتـه لـيـزور الـعـراق وسـوريـا وفـلـسـطـيـن قـبـل أن يـعـود إلى الأنـدلـس عـن طـريـق الـبـحـر.

وما يهمنا أنه وصل إلى العراق في العـام 1184، ابان خـلافـة الـنّـاصـر لـدّيـن الله أحـمـد بـن الـحـسـن الـمـسـتـضئ بـأمـر الله، مـن الـمـديـنـة إلى الـكـوفـة الّـتي وجـد “خـرابـهـا أكـثـر مـن عـمـرانـهـا”، ثـمّ مـرّ بـالـحـلّـة الّـتي وجـدهـا “قـويـة الـعـمـارة، كـثـيـرة الـخـلـق، مـتـصـلـة حـدائـق الـنّـخـيـل داخـلاً وخـارجـاً”. وذاق مـاء الـفـرات فـوجـد الـنّـهـر “كـاسـمـه فـرات. هـو مـن أعـذب الـمـيـاه وأخـفّـهـا. وهـو نـهـر كـبـيـر زخّـار، تـصـعـد فـيـه الـسّـفـن وتـنـحـدر”. ووجـد “الـطّـريـق مـن الـحـلّـة إلى بـغـداد أحـسـن طـريـق وأجـمـلـهـا، في بـسـائـط مـن الأرض وعـمـائـر، تـتّـصـل بـهـا الـقـرى يـمـيـنـاً وشـمـالاً والأمـن فـيـهـا مـتّـصـل”.

لكن ابن جبير أصدر أحكاماً سريعة على أهل بغداد ظلمهم بها فهو لم يمكث بينهم إلا 13 يوماً وهذه مدة ليست مديدة وليست كافية لإصدار حكم على مجتمع، كما أنها لم تسنح له الاختلاط بهم ومعرفتهم عن قرب، فهو يقول في بغداد واصفاً: "وأمّـا أهـلـهـا فـلا تـكـاد تـلـقى مـنـهـم إلّا مـن يـتـصـنّـع بـالـتّـواضـع ريـاء، ويـذهـب بـنـفـسـه عـجـبـاً وكـبـريـاء.. يـزدرون الـغـربـاء، ويـظـهـرون لـمـن دونـهـم الأنـفـة والإبـاء، ويـسـتـصـغـرون عـمّـن سـواهـم الأحـاديـث والأنـبـاء.. قـد تـصـوّر كـلّ مـنـهـم في مـعـتـقَـده وخـلـده أنّ الـوجـود كـلّـه يـصـغـر بـالإضـافـة إلى بـلـده، فـهـم لا يـسـتـكـرمـون في مـعـمـور الـبـسـيـطـة مـثـوى غـيـر مـثـواهـم، كـأنّـهـم لا يـعـتـقـدون أنّ لله بـلاداً أو عـبـاداً سـواهـم.. يـسـحـبـون أذيـالـهـم أشـراً وبـطـراً، ولا يـغـيّـرون في ذات الله مـنـكـراً. يـظـنـون أنّ أسـنى الـفـخـار في سـحـب الإزار، ولا يـعـلـمـون أنّ فـضـلـه، بـمـقـتـضى الـحـديـث الـمـأثـور، في الـنّـار.. يـتـبـايـعـون بـيـنـهـم بـالـذّهـب قـرضـاً، ومـا مـنـهـم مـن يـحـسـن لله فـرضـاً، فـلا نـفـقـة فـيـهـا إلّا مـن ديـنـار تـقـرضـه وعـلى يـدي مُـخـسِـر لـلـمـيـزان تـعـرضـه.. لا تـكـاد تـظـفـر مـن خـواصّ أهـلـهـا بـالـورع الـعـفـيـف، ولا تـقـع مـن أهـل مـوازيـنـهـا ومـكـايـيـلـهـا إلّا عـلى مـن ثـبـت لـه الـويـل في سـورة الـتّـطـفـيـف. لا يـبـالـون في ذلـك بـعـيـب، كـأنّـهـم مـن بـقـايـا مـديـن قـوم الـنّـبي شُـعـيـب. فـالـغـريـب فـيـهـم مـعـدوم الإرفـاق، مـتـضـاعـف الإنـفـاق. لا يـجـد مـن أهـلـهـا إلّا مـن يـعـامـلـه بـنـفـاق، أو يـهـشّ إلـيـه هـشـاشـة انـتـفـاع واسـتـرزاق .. كـأنّـهـم مـن الـتـزام هـذه الـخـلّـة الـقـبـيـحـة عـلى شـرط اصـطـلاح بـيـنـهـم واتّـفـاق. فـسـوء مـعـاشـرة أبـنـائـهـا يـغـلـب عـلى طـبـع هـوائـهـا ومـائـهـا، ويـعـلـل حـسـن الـمـسـمـوع مـن أحـاديـثـهـا وأنـبـائـهـا. أسـتـغـفـر الله إلّا فـقـهـاءهـم الـمُـحـدّثـيـن ووعـاظـهـم الـمـذكّـريـن".

وأنت ترى مبلغ الظلم الذي أوقعه ابن جبير على البغداديين، الذين ربما صدف أن تعامل مع أحدهم فحكم بالقطع عليهم جميعاً، وفاته أن بغداد عندما زارها كانت حضارة ومدنية وقبلة العالم وأهلها يتصرفون على وفق استحقاق مدينتهم من التقدم والرقي في ذلك الزمان.

والحمد لله أن ابن جبير زار بغداد في العـام 1184، وحاكمها كان النّاصر لـدّيـن الله أحـمـد بـن الـحـسـن الـمـسـتـضئ بـأمـر الله، وإلا لا ندري ماذا كان سيقول لو زارها في العام 2016 وحاكمها هو الظالم لدين الله حيدر العبادي العاصي لأمر الله ومعه قطيع من أشباهه وأمثاله ونظرائه.





الخميس ٢٣ شــوال ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / تمــوز / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة