شبكة ذي قار
عـاجـل










لن ينكر أحد أن الشعب التركي أعطى دروساً لشعوب العالم بوقفته الباهرة إلى جانب نظامه السياسي، ولم يهتف أحد بحياة اردوغان ولا سواه، ولا ( بالروح بالدم ) ولا ( هيهات منا الذلة ) ولا ( سلمية سلمية ) ولا ( علي وياك علي )، وإنما هتفوا بحياة تركيا، ولا حملوا صورة اي كان معمماً كان أم سياسياً، بل رفعوا العلم التركي على بيوتهم وفي الشوارع، فالجميع شعر أن الانقلاب لم يستهدف اردوغان، وإنما استهدف بلدهم وحياته الديمقراطية والمنجزات التي تحققت في ظل هذه الحياة، وأن الانقلاب يمكن أن يجرّ تركيا إلى الخراب، ومنها حياتها الاقتصادية التي غاب منها الجزء الأعظم من الفساد، ولذلك وقفت المعارضة إلى جانب الحكومة، في بادرة نادرة في تاريخ الشعوب.

إن الأتراك شعروا أن نجاح العسكر في انقلابهم سيعيدهم القهقرى إلى عهود ساد فيها التسلط والفساد، وأنه سيسلمهم إلى احتراب أهلي لا يعلم إلا الله مداه.

ولكن تركيا قبل المحاولة الانقلابية لن تكون تركيا بعدها، كما أن أحداث تركيا ستلقي ظلالها على الدول الإقليمية وخصوصاً المجاورة، وستتلقف شعوب المنطقة وخصوصاً في العراق وإيران الدرس الأكبر من الشعب التركي وهي أن لا قوة في الكون تستطيع التغلب على إرادة شعب غير قوة الله.

الدرس الآخر الذي أعطته الأحداث التركية الأخيرة هي نبذ الانتقام مع الانقلابيين الذين عاملتهم القوات الأمنية بأعلى درجة من الاحترام ومنعت الجماهير الغاضبة من الاعتداء عليهم، والمحاكم هي التي ستحكم على المسيئين.

والملاحظة الأبرز هي أن القائد الذي يعمل من أجل الشعب ويلتجئ إليه ويستقوي به وقت الملمات لن يخيب، ولو أن أردوغان ارتكن إلى قوة غير الشعب لحقق الانقلابيون مآربهم، فقبل ظهوره عبر مستنجداً بشعبه عبر مكالمة هاتفية مجانية مصورة كان الشعب يتفرج ولم يكن ثمة وجود لأحد في الشارع غير العسكر، لكن ما جرح كبرياء الشعب التركي هو أنهم رأوا رئيسهم يتحدث إليهم من هاتف نقال ويصارحهم بالأزمة ويوجههم إلى ما ينبغي عليهم أن يعملوه ويطالبهم بالنزول إلى الشوارع، التي امتلأت بهم وعرقلت حركة الآليات العسكرية وأربكتها، فانقلب الانقلاب على الانقلابيين أنفسهم.

وعلى الرغم من أن الشعب التركي كان موحد الهدف، إلا أن أنظمة مجاورة لتركيا استغلت الأوضاع المرتبكة وذهبت من فورها إلى النفخ في الجثة الطائفية الهامدة، وهي مهمة لا تجيد بعض الأنظمة في المنطقة سواها، بل طبل الطائفيون لوهم أن تركيا حامية للسنة وأن إيران تحمي الشيعة، والواقع أن إيران – خدمة لمصالحها القومية الكبرى – انتهجت سياسة طائفية منذ قرون، وبلغت هذه السياسة أوجها بمجيء الخميني بجمهوريته "الإسلامية" وبثه الطائفية بين شعوب المنطقة تحت عنوان براق هو ( تصدير الثورة )، فيما انتهجت تركيا منهجاً سياسياً واقتصادياً بحتاً، فتعاملت مع الدول والشعوب في انحاء العالم على أساس مصالحها المشتركة.

إن الحكومة التركية تتصرف مع دول العالم على وفق المصلحة الدولية ولا تنظر إلى دين من تتعامل معه أو مذهبه أو عرقه، فثقافة المجتمع التركي علمانية بامتياز لا طائفية، وإذا أرادت أي حكومة تركية أن تؤسس لثقافة طائفية فيتطلب ذلك منها عقوداً طويلة من السنين وقد تفشل أمام مقاومة المجتمع العلماني.

وقد رأينا كيف صفق الأتراك جميعاً لأردوغان عندما وقع مع إيران عقوداً لصفقات اقتصادية كبرى، قبل نحو سنة، ولم يقل أحد في تركيا ولا أحزاب المعارضة فيها أن ايران تضطهد السنة في المنطقة، إنما عدوا ذلك إنجازاً اقتصادياً حققه الرجل.. وذلك ما يظهر لك الفارق بين السياستين بأوضح صورة.

وما لوحظ أيضاً، وهو درس آخر يعطيه الأتراك إلى شعوب المنطقة، أن السلوكيات العدوانية من سرقات وعمليات نهب وتخريب للمرافق العامة لم يظهر لها أثر البتة على الرغم من غياب مؤسسات الدولة، علماً أن شوارع تركيا امتلأت بالملايين، ونزل إلى شوارع اسطنبول وحدها 3 ملايين مواطن.

ويبقى أكبر الدروس التي قدمها الأتراك للعالم هو خروجهم، عن بكرة أبيهم، إلى الشوارع، بعد ساعة من النداء التليفوني الذي أجراه أردوغان وإفشالهم محاولة انقلابية عسكرية ضخمة خلال خمس ساعات فقط على الرغم من سيطرة الانقلابيين على وسائل الإعلام الحكومية وأغلب المواقع الحساسة والحيوية في تركيا





الثلاثاء ١٤ شــوال ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / تمــوز / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة