شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل أن يحط ملك السعودية رحاله في تركيا لحضور "القمة الإسلامية"، أمضى بضعة أيام في مصر في زيارة اكتسبت أكثر من دلالة.

في الدلالة الأولى ، إنها جاءت في وقت بلغ الصراع على الأمة وفيها أوجه ،خاصة بما يجري في الساحات المتلهبة في العراق وسوريا واليمن وليبيا، والتي أبرزت سياقات الأحداث تقدم الأدوار الدولية والإقليمية على حساب الدور العربي.

في الدلالة الثانية ، أن الزيارة جاءت في وقت بدأت ترتسم فيه معالم ترتيبات وحلول سياسية للأزمات البنيوية التي عصفت بالساحات الملتهبة سواء كانت هذه الأزمات ناتجة عن تداعيات عدوان خارجي بعناوينه الدولية أو الإقليمية أو عن تداعيات الانفجار ( السياسي – الاجتماعي ) الداخلي وما طرأ عليه من عوامل تدخل خارجي.

في الدلالة الثالثة : ان المحاولات السابقة لإعادة تأسيس مركز عربي جاذب لم يكتب لها النجاح وبما جعل دور دول الإقليم تكبر وتنتفخ على حساب الدور العربي، وبما انعكس سلباً على الواقع العربي الذي أصبح مهدداً تهديداً فعلياً بالانسلاخات الوطنية والتشظي المجتمعي.

الدلالة الرابعة : ان القوى الطائفية والمذهبية على اختلاف مرجعياتها السياسية والفقهية، باتت تشكل خطراً فعلياً على البنى المجتمعية في الوطن العربي، وهي بما تقوم به من أدوار في سياق الصراع المفتوح، باتت تؤدي وظيفة في خدمة مشروع أضعاف الأمة والذي كان وما يزال هدفاً مركزياً لقوى التحالف الصهيو-استعماري والمفتوح على أدوار دول الإقليم التي تتربص شراً بالأمة وتسعى للنفاد إلى القلب العربي على حامل الإثارة المذهبية والطائفية والذي يصب في صلب المشروع الصهيوني الذي لا يرى أمناً استراتيجياً متحققاً له إلا بالنزول بالواقع العربي تقسيماً وتفتيتاً دون ما هو قائم حالياً، وإعادة رسم الحدود للمكونات السياسية بحدود تموضع المذاهب المطيفة سياسياً.

في ظل هذا الواقع العربي كان لا بد من عمل وقائي ينطلق من الغريزة الإنسانية للدفاع عن الوجود وحماية حق الحياة للأفراد كما للجمعات والشعوب. والعمل الوقائي المطلوب، هو السعي بخطى جدية وبرؤية استراتيجية لمنع تمادي الفراغ في الطبيعة السياسية والمجتمعية العربية. فالطبيعة التي تأبى الفراغ لا بد أن تملأ بشيء آخر وهذا يعنى أن الفراغ العربي وغياب وتغييب المركز الجاذب هو الذي سهل وأغوى القوى الدولية والإقليمية لأن تتقدم وتعمل لتطويع الواقع العربي بما يخدم أهدافها وأجنداتها السياسية وكثيرة هي الشواهد والأكثر نفوراً فيها هو الدور الإيراني المنتفخ والذي لم يتردد مسؤولو النظام لأن يقولوا بأن إيران باتت تسيطر على أربعة عواصم عربية.

لقد حصل الفراغ العربي، لأن مصر انكفأت إلى داخلها، وتمادي هذا الفراغ بعد احتلال العراق وتقويض بنيانه الوطني، ووصل هذا الفراغ إلى امداءته القصوى بعد الزلزال الذي ضرب البنية الوطنية والمجتمعية السورية. هذه المواقع الثلاث كانت تشكل أضلع الهرم العربي، وبتصدع هذا الهرم القومي ارتسم اتجاه آخر لتأسيس هرم إقليمي بأضلع غير عربية تمهيداً لصياغة نظام إقليمي ليس للعرب موقعاً مؤثراً فيه.

هذا الاتجاه العام لمسار النظام الإقليمي الجديد والذي سمته أميركا بالشرق الأوسط الجديد، لم يقدر بعض العرب خطورته بداية، وظن بعضهم وخاصة من النظام الرسمي العربي أنهم سيكونون بمنأى من تأثيراته السلبية، إلى أن تبين بالحس والملموس بأن الهوية القومية العربية عندما تكون مهددة، فالتهديد إنما يتسمم بالشمولية، والاستهداف المعادي يتجاوز النظم السياسية ذات الطبيعة التقدمية إلى كل المنظومة القومية بكل شخوصاتها.

وأن يدرك من كان لا يدرك أو يتعامى عن هذه الحقيقة ولو متأخراً، فهذا مؤشر إيجابي يجب التأسيس عليه وإطلاق حركة سياسية ببعديها الرسمي والشعبي، لأجل وضع الأخطار المحدقة بالمكونات الوطنية العربية في الإطار القومي الشامل والنظر لكل فعل سياسي يندرج في إطار التصدي للأخطار المهددة للأمن العربي الوطني والمجتمعي، بأنه الفعل الذي يجب أن تتوفر له كل عوامل التأييد والدعم والإسناد.

وضمن هذا السياق يندرج كل فعل عربي وطني مقاوم للاحتلال كما هي حال مقاومة شعب العراق ومقاومة شعب فلسطين، وضمنه يندرج التصدي لكل أشكال التخريب الوطني والمجتمعي المحمول على رافعات التدخل الدولي والإقليمي والذي يوظف قوى ومتكئات داخلية لتحقيق أهدافه كما هي حال اليمن وسوريا وليبيا وفي العديد من الأقطار العربية.

أن تراكم الفعل المقاوم للاحتلال والتخريب، يدفع باتجاه تحقيق امتلاء نضالي لجماهير الأمة وعبر المشروع الوطني الذي تحمل لواءة قوى المقاومة والتغيير لكنه غير كاف إذ يجب ان يردف بمبادرة جدية تعيد الاعتبار للموقع العربي الجاذب بغية توفير الأرضية اللازمة لبناء الهرم السياسي العربي الذي بقدر ما يكبر على مستوى الحضور والقدرة على اتخاذ القرار وتوفير الحماية له بقدر ما تضمر أدوار القوى الأخرى وخاصة الدولية والإقليمية منها.

وأنه في ظل في معطى الوضع العربي الراهن، فإن اللقاء المصري السعودي وبغض النظر عن طبيعة النظامين السياسيين القائمين إنما يشكل خطوة شديدة الأهمية لإعادة الاعتبار لدور عربي في التصدي لمخاطر الخارج والمساعدة في وضع الحلول السياسية للأزمات البنيوية.

هذا اللقاء المصري السعودي ننظر إليه بإيجابية، أولاً، لأنه حاجة عربية عامة، وثانياً، لأنه يفتح المجال للعمل العربي المشترك بين مكونين محوريين في الأمة، مصر بثقلها السياسي والاجتماعي والبشري والعسكري والسعودية بثقلها الاقتصادي. وأن تثمر معطيات اللقاء عن توفير دعم اقتصادي واستثماري لمصر للحد من التأثيرات السلبية التي تمارس عليها من هذا الباب انما يساعد على تحرير قرارها السياسي من الاحتواء والرضوخ لابتزاز فتات المساعدات الدولية، ويدفعها للخروج عن انكفائيتها إلى رحاب العمل العربي، وهذا هو المطلوب. وأن يسجل لهذا اللقاء الاتفاق على خطوات تعيد شد البلدين ليس فقط بعناوين الموقف السياسي العام، بل أيضاً بشبكة من المشاريع ذات الطبيعة الاستراتيجية المؤثرة في بنية الاقتصاد المصري والتنمية البشرية المستدامة، وفي المشاريع ذات البعد الوحدوي عبر ربط البلدين بجسر بري، فهذا إنجاز لو قيض له التحقق فإنما يرتقي إلى مستوى الأهداف الاستراتيجية التي يرد من خلالها على مشاريع فصل مواقع الجغرافيا العربية عن بعضها البعض.

فالكيان الصهيوني، لم يقم على أرض فلسطين، إلا ليكون بأحد استهدافاته الأساسية عازلاً اصطناعياً على البر العربي ما بين بلاد النيل والمشرق العربي، والجسر الذي اتفق على تشييده والذي يربط ما بين مصر والجزيرة العربية هو بجانب منه رد على توظيف العوازل الاصطناعية والطبيعية في اضعاف الموقع العربي. وأن تكون "تيران" و"صنافير" تحت السيادة الوطنية المصرية، أو تحت السيادة الوطنية السعودية فالأمر سيان لأنهما في كلتا الحالتين هما تحت سيادة عربية. وأن تغتاظ دولة العدو الصهيوني من هذا المشروع، فلأنها تدرك جيداً الأبعاد الاستراتيجية التي تنطوي عليها هكذا مشاريع وعبر ربط أرض العرب بشبكة من خطوط التواصل والاتصال التي لا تقرب المسافات بين العرب في حلهم وترحالهم وحسب، بل تربطهم بشبكة المصالح الاقتصادية المشتركة والتي تكوّن قاعدة مادية لتقوية الموقع السياسي العربي في خضم الصراعات المحتدمة. أليس هذا هو المطلوب هذه الأيام من أجل استعادة المبادرة للدور العربي وحيث يتعرض الأمن القومي للخطر في فلسطين والعراق خاصة واليمن وليبيا وسوريا؟

إن اللقاء المصري السعودي يجب ترجمته على مستوى الموقف السياسي، باحتضان للموقف الوطني الفلسطيني وبإسناد المقاومة الوطنية العراقية، ودعماً للشرعية الوطنية في اليمن وفق مخرجات الحوار الوطني والقرار الدولي، والمساعدة على تظهير الحل السياسي في سوريا على قاعدة إنتاج نظام جديد يلبي الحاجة والتوق الشعبي للتغيير وإعادة هيكلة الحياة السياسية على قاعدة التعددية السياسية والديموقراطية وبما يحفظ وحدة سوريا وأرضاً وشعباً ومؤسسات والأمر نفسه ينطبق على ليبيا. ان اللقاء مهم ولهذا يجب حمايته لأنه سيكون ومنذ الآن عرضة للهجوم المضاد والانقضاض عليه من كل الذين يضمرون شراً بهذه الأمة، وهم كثر وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها أي لقاء عربي ولو كان ثنائياً للحملات المعادية المتعددة العناوين فكيف إذا كانت أبعاده الاستراتيجية ذات مضمون وحدوي!!

لذا يجب التنبه والعمل لحماية هذه المبادرة وعلى مستوى الموقف وهذا أضعف الإيمان لأنه خطوة هامة نحو ملء الفراغ العربي.
 





الاربعاء ٦ رجــب ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / نيســان / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كلمة المحرر الاسبوعي لموقع طليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة