شبكة ذي قار
عـاجـل










قلنا في مقال سابق، أن النفط سلعة إستراتيجية ذات أهمية تحدد مسارات السياسة في منعطفات معينة .. ولكنها في الوقت ذاته، سلعة شأنها في ذلك شأن أي بضاعة خاضعة لقانون العرض والطلب .. بمعنى، كلما غرقت السوق العالمية بالنفط كلما انخفضت أسعار النفط . وهذا الأمر يرتبط بالأنتاج وكلفه والتسويق والتأمين وعوامل أخرى وخاصة ما تفعله التأزمات والأحتقانات والصراعات والحروب ، التي هي إمتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى، كما قال ( كونفوشيوس ) حكيم الصين وبعده المفكران الأستراتيجيان الألمانيان ( هالفر ماكندر ) و ( كارل هاوسهوفر ) .!!

لمحة بسيطة ومركزة لتشابك خطوط النفط في واقع الدول المنتجة والدول المستهلكة ، يمكن إجمالها على نحوٍ ريثما يتم الحديث تفصيليًا عن واقع السياسات النفطية، التي غالبًا ما تشتغل وراء الكواليس فيما يعلو أزيز الطائرات الحربية النفاذة في الأجواء الملبدة بغيوم السياسة على تصريحات السياسيين من كل حدب وصوب :

- بعض الدول في منظمة الأوبك وخارجها تعتزم ( تجميد إنتاج النفط ) لكي يقل العرض على الطلب فترتفع الأسعار .

- التجميد ، يغيير من معادلة ( العرض والطلب ) ، والمتضرر الدول المنتجة، لأنها ستوقف انتاجها زمنًا محددًا ومعينًا، وهي تستفيد من نتائج التجميد برفع الأسعار .. فالعملية إذن هي معادلة قد تكون مدروسة ومحسومة وخاصة فعل السياسة الذي قد يدخل على الخط فيبعثر القرارات ويدفع إلى إضطراب السوق النفطية العالمية.

- المتضرر من تجميد الأنتاج هي الدول المستهلكة للنفط، على الرغم من أن ارتفاع اسعار النفط سيدفع الى ارتفاع اسعار البضائع الرأسمالية الأستهلاكية بشكل مضاعف.. والمتضرر المباشر هنا هو المواطن المستهلك .. وهذا عبئ جديد يضاف على عاتق شعوب العالم الثالث والرابع .

- تستفيد من هذه الخطوة روسيا، التي تعاني من مشكلات اقتصادية ومالية بفعل العقوبات وتمويل فعالياتها الباهظة في ( أوكرانيا ) وما استنزفه واقع تدخلها العسكري باهظ الثمن في ( سوريا ) ، ولكن .. تجميد إنتاج النفط يحرم روسيا من موارد نفوطها في وقت هي بأمس الحاجة إليها رغم أنها سترفع الأسعار لحين وبالتالي ستزداد معاناتها .. فاخطوة أشبه بسيف ذو حدين.!!

- إيران تريد زيادة إنتاجها من النفط إلى نحو ( 4 ) ملايين برميل .. وهذا الأمر سيزيد الطين بله في السوق النفط العالمية .. وهي سوق غارقة أصًلا وأسعار النفط في هبوط وستهبط إلى مستويات مقلقة لعواصم الأنتاج قد تصل إلى ( 9 ) دولارات للبرميل الواحد، علمًا بـ ( أن كلفة إنتاج البرميل الواحد في السعودية 9.9 دولار – وإيران 12.6 – والعراق 10.7 – والجزائر 20.4 – وأمريكا 36.3- والبرازيل 48.8 ) .. فكيف يمكن معالجة واقع الأسعار في ضوء واقع الكلف فضلاً عن واقع السياسات.؟!

- إيران ستنتج الكمية التي تراها مناسبة لها وهي ( 4 ) ملايين برميل، وحسبما دعا إليه المرشد الأعلى مطلق الصلاحيات ( علي خامنئي ) لمناسبة عيد نوروز، السنة الفارسية الجديدة، ( وهو عيد عَبَدَة النار، الذي لا يمت للأسلام والمسلمين بصلة ) : للعمل من أجل بناء الأقتصاد الإيراني وإنهاء المشكلات التي يعانيها الشعب، وبتوصيف إقتصاد مقاوم - وهو تخريف واضح لا يريد خامنئي أن يغادر مفهوم تصدير الثورة الذي تصدع ولم تعد له أي أهمية تذكر- ، وستضخ هذه الكمية إلى سوق متخمة أصلاً .. والمهم عندها الوارد النفطي، بغض النظر ما إذا كانت الاسعار هابطة تلامس كلف الانتاج، نظرًا لحاجتها الماسة جدًا للعملة الصعبة من أجل إدامة تمويل كلف تمددها العسكري والأيفاء بالتزاماتها العسكرية الخارجية دون أي إعتبار لحاجات الشعوب الايرانية، التي تعاني من اضطهاد الطغمة المذهبية في قم وطهران .. ويبدو أن إيران كمنتج للنفط ستتضرر في كل الأحوال.

- من مصلحة روسيا ( تجميد إنتاج النفط ) ، لكي تحصد معدلاً معقولاً من الاسعار في الوقت الذي يتم الاتفاق عليه هو حجم الانتاج بالمعدلات التي تشترطها سياسات الدول المنتجة أولاً وحاجات السوق الدولية ثانيًا ، وإرساء حالة من التوازن النسبي أو التقريبي بين العرض والطلب .. ولكن ( أداة النفط ) يبدو باتت جزءًا من استراتيجيات الدول، من الصعب اخراجها نحو أطر ذات طابع وظيفي- فني محض والذي لا يصمد امام اختلال التوازن الذي تعكسه السوق النفطية العالمية، وهي الدول التي تتمتع اقتصاداتها بالمرونة والقوة والمطاولة، فيما تجنح دول اخرى الى الافتراض المهين الخطر لتمشية أمورها الحياتية العادية وفي مقدمة هذه الدول العراق.. بلد نفطي كبير بعثر ثروته النفطية وسهل نهبها وأسرف في تبذيرها نهبًا واختلاسًا على المستويين الداخلي ( مليشيات الحكومة ) أولاً والخارجي ( الشركات الأجنبية ) ثانيًا، التي لا رقيب عليها ولا على آلياتها وشروط عملها.!!

السياسات النفطية تعمل على التوصل الى اتفاق لـ ( تجميد الأنتاج ) ، والهدف هو لدعم استقرار أسواق النفط العالمية .. وقد أجمعت معظم الدول المنتجة للنفط في الأوبك وخارجها على اعترافها بحث موضوع تجميد الانتاج والتوقيع على الاتفاقيات التي تحكم هذه السياسات، وقد شكلت اربع دول منتجة للنفط ( السعودية وروسيا وقطر وفنزويلا ) القاعدة الاساسية التي تستند عليها الاتفاقية، فيما يبقى الباب مفتوحة لأنضمام باقي الدول المنتجة للنفط، فضلاً عن الدول التي تؤيد الاتفاق ، حتى يدخل الاتفاق حيز التنفيذ .

ويبدو ان حيز المشاركة بات في حدود ( 15-20 ) دولة منتجة للنفط في أوبك وخارجها، تساهم بنحو 63% من حجم الأنتاج العالمي .

- إيران لن تنضم إلى إتفاقية التجميد .. والسبب قد يكون في الأساس تهربها من قيود سقف الأنتاج، لأن وضعها تعتبره إستثنائيًا ولا تطاله إشتراطات الأوبك .. ولكنها لا تدرك إن انتاجها سيخل بمعدلات العرض وتبقى الأسعار دون حدودها المطلوبة، وإن الدول المنتجة الأخرى ستتضرر من إصرار إيران على ضخ هذه الكمية الكبيرة ، فيما تجمد باقي الدول النفطية انتاجها بهدف إعادة التوازن السعري إلى هذه السوق، بينما إيران ستجعل هذه السوق مضطربة .. الأمر الذي يعكس حالة من الأضطراب الداخلي الإيراني أولاً وحالة من تدهور الوضع الأقتصادي والمالي والنقدي الذي يعاني منه اقتصادها المتردي أصلاً ثانيًا ، والمشكلات السياسية والأجتماعية التي تعصف بقيادة المرشد الذي فقد البوصلة وغابت عنه الهيبة منذ عام 2009 وتكشفت عن واقعه المأزوم حقائق ديمقراطية الشورى الكاذبة التي تفرضها المادة ( 57 ) من الدستور الإيراني، التي تشهر موضوع - أن المرشد الأعلى يمسك بصورة مطلقة بمجالس الحكم الفارسية في البلد بدون إعتراض أو نقاش - .

ثلاث حقائق تحكم واقع النظام الفارسي :
أولاً- انه نظام متبجح ومتغطرس وجبان يراوغ في تعامله .
ثانيًا- نظام يخاتل بالتقية ليستخدم ( عضلات ) غيره من الدول القوية في سبيل الوصول الى اهدافه .

ثالثًا- نظام يهدد باستخدام القوة وهو غير قادر على تنفيذ تهديداته ويحاول ان ينتطي ظهور الآخرين ( طائفيًا ) من اجل الوصول الى اهدافه التوسعية .

إذن .. واردات النفط يريد النظام الفارسي الحصول عليها بصورة مستعجلة لأدامة زخم فعاليات النظام الإيراني العدوانية في المحيط العربي .. في العراق وسوريا وجنوب لبنان واليمن ويمول خلاياه المليشياوية النائمة في الأقطار العربية .. الحقبة أو العقد القادم في اطار ما بعد الأنتخابات الرئاسية الأمريكية تعول عليه الطغمة الفارسية بما ينسجم ورغبة أوباما - المغادر للبيت الأبيض- تغيير اتجاه سياساته من المنطقة صوب آسيا .. وهذا إيهام يدفع إلى التصعيد على أساس من يملْ الفراغ أولاً .. أما أمريكا فأنها ترى دخان الحرائق يتصاعد من بعيد، لأن الأمن الأسرائيلي مضمون باستمرار تداعيات الوضع العربي في المنطقة .!!





الثلاثاء ١٣ جمادي الثانية ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / أذار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة