شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يختلف عاقلان حول المظلمة التّاريخيّة الأكبر التي تعرّضت لها فلسطين والوطن العربيّ كاملا بعد القرارات الجائرة والمؤامرات المتلاحقة التي حاكتها الدّوائر الاستعماريّة والصّهيونيّة ضدّهما، وجاء اختيار فلسطين لتكون مجالا للوطن القوميّ لليهود أو أرض الميعاد المزعومة ذروة الإجحاف والتّسلّط على العرب حيث مثّل زرع الكيان الصّهيونيّ في قلب الجسد العربيّ ليفصل بين شطريه الغربيّ والشّرقيّ منطلقا لسلسلة من الدّسائس المتجدّدة السّاعية لضرب أيّ أمل عربيّ في النّهوض مجدّدا والتّعافي خصوصا من مخلّفات الاستعمار الغاشم ولتجهض أيّ فرصة حقيقيّة لتشكّل أرضيّة عربيّة صلبة يمكن عبرها الإسهام في الفعل الحضاريّ والثّقافيّ الكونيّ كبقيّة الأمم دون وصاية أو إقصاء.

ومنذ ذلك التّأريخ أغرقت تلك الدّوائر المتنفّذة والمجرمة العرب في دوّامة من المتاهات لا تنتهي ويصعب فكّ طلاسمها، حيث نصّبت رجعيّات عميلة متآمرة ومعادية للمصالح العربيّة وقسّمت الوطن الواحد لأقطار متناثرة كما حرصت على إذكاء كلّ نوازع الفتن والصّراعات. ولقد كان معلوما أنّ كلّ المشاكل التي عرفها العرب إنّما هي في الحقيقة خطّة ممنهجة ومدروسة للحفاظ على أمن الكيان الصّهيونيّ ومصالحه وتكريس تفوّقه على العرب ليسهل له ولرعاته وحماته شفط الثّروات العربيّة واستغلالها بأبخس الأثمان.

إلا أنه ورغم تنبيه كثير من القوى العربيّة الحيّة النّابضة سواء كانت أحزابا أو شخصيّات من هذا الخطر، ورغم تعرية المرامي الحقيقيّة للقوى المتنفّذة في العالم، فلم تفلح تلك الأصوات في خلق قوّة ردع كفيلة بدحر تلك المؤامرات.

واستمرّ المشروع الامبرياليّ الصّهيونيّ التّوسّعي والعنصريّ يحصد النّجاح تلو النّجاح، ويتقدّم على الأرض؛ وكان غزو العراق – خطيئة الامبرياليّة الأشدّ بشاعة – وإسقاط نظامه الوطنيّ وحلّ جيشه الباسل عصارة تلك النّجاحات. حيث انخرط العرب الرّسمّيون والموالون لهم في سوادهم الأعظم في تلك الحملة الشعواء التي عصفت بخيمة العرب الأقوى والأشدّ متانة بما كان يمثّله العراق من ثقل سياسيّ وعسكريّ وتقنيّ مهمّ قادر على خلق بعض توازن يضمن للعرب تجاوز المحن والتّقليل من آثاراها.

كان منطقيّا إذن أن يستتبع تدمير العراق حلول الدّمار ببقيّة الأقطار العربيّة الأخرى وهي ما تنصّ عليه الخطط الاستراتيجيّة في كٌبريات العواصم الغربيّة، فوقع الدّور على سوريّة وليبيا خاصّة بعد التدخّلات المسلّحة المدمّرة فيهما، وترسف بقيّة الأقطار الأخرى تحت تهديدات شتّى ليس أقلّها الإرهاب الذي استشرى في الرّقعة العربيّة وسرى بين أوصالها سريان النّار في الهشيم، ولا أعلاها شبح التّقسيم والتّفتيت.

ومن نافلة القول إنّ مثل ما تعيشه الأمّة العربيّة من قتامة الأوضاع منح الصّهاينة فرصة ثمينة وتاريخيّة للاستفراد بشعبنا العربيّ المرابط في فلسطين، فانطلقت جحافل المغتصبين المجرمين تعيث في الأرض فسادا لم يسبق له مثيل. وها هم الصّهاينة يوغلون في نكئ جراحات الفلسطينيّين في كلّ شبر من فلسطين، فلم يسلم من بطشهم الأطفال والنّساء والشّيوخ، وأمعنوا في تقتيل الفلسطينيّين بدماء باردة وبساديّة وعنصريّة فريدة ، كما ضاعفوا من سياسات انتهاك حرمات المسجد الأقصى وغيره من دور العبادة والأماكن المقدّسة لدى الفلسطينيّين وعموم العرب والمسلمين ، وتنامت وتيرة الحفريّات على درب إنشاء هيكل سليمان المزعوم، لتغدو حقيقة تهويد كلّ فلسطين – لا القدس كما كان مخطّطا سابقا – ثابتة وقابلة على الإنجاز بأقلّ الأثمان ودونما عناء يذكر.

إنّ استفراد الصّهاينة بالفلسطينيّين نتيجة منطقيّة لانكفاء كلّ قسم من جماهير أمّتننا داخل أقطارها المتفجّرة، انكفاء شبه كلّي على أنفسها. حيث سجن اليمنيّ داخل ما يعانيه اليمن من فوضى، وأٌسر اللّيبيّون بين براثن الحرب الأهليّة والإرهاب الجاثم على صدورهم، ويتوه السّوريّون بين دوّامة القتل اليوميّ والحرب الهوجاء المحتدمة بل ويفرّ من كلّ أرض العرب أملا في اللّجوء للقارّة العجوز، ويغرق العراقيّ في المأساة المفتوحة منذ ثلاثة عشر عاما كاملا، ويتمزّق السّودانيّ بين بطش النّظام وشبح التّقسيم، وتعاني جماهير مصر وتونس والجزائر ما تعانيه بفعل الهزّات المتكررة سواء نتيجة الإرهاب أو التّأثّر بالمتغيرات الإقليميّة أو الدّوليّة. فهذه الجماهير باتت مقصيّة قسرا من دائرة الاهتمام والنّضال في سبيل نصرة فلسطين قضيّة العرب المركزيّة الأولى، ليغدو العراق قضيّة مركزّية أخرى لا تحتمل التّهاون أو التّخاذل، وكذا سوريّة واليمن وغيرهما، وهي الجماهير التي لطالما غذّت النّضال الفلسطينيّ ودعمت ثبات شعب الجبّارين وخاضت معه الاشتباك المسلّح او المدنيّ في مقارعة الإرهاب الصّهيونيّ.

هذا ولا يعتبر تحييد العراق وبقيّة الأقطار – وإن بدرجات أقلّ – عن الصّراع العربيّ الصّهيونيّ لينحصر في دائرة أضيق وهي دائرة مشوّهة – الصّراع الفلسطينيّ الصّهيونيّ – الوجه الأوحد لمبرّرات استفراد الصّهيونيّة بشعب الجبّارين، بل إنّ الظّاهرة الإرهابية المجدّدة المتلوّنة بأكثر من رداء وهي صنيعة استخباراتيّة أمريكو صهيو امبرياليّة بامتياز وبمساهمات فارسية صفويّة جليلة، شغلت العالم انسجاما مع هدف إنشائها، وصارت تتصدّر بل وتستحوذ على كلّ المتابعة الإعلاميّة العالميّة لتقليل الحرج والضّغوط على الكيان الصّهيونيّ الغاشم المجرم.

فلقد أصبحت سلسلة جرائم بني صهيون بحقّ العرب والفلسطينيّين خصوصا أمرا ليس ذا بال مقارنة بالجرائم التي تخطّها التّنظيمات الإرهابيّة وعلى رأسها داعش المتدثّرة بعباءة الدّين، وهي – أي تلك التنظيمات – مكلّفة بأكثر من دور استراتيجيّ خطير أهمّها الدّفع باتّجاه معاودة تقسيم الوطن العربيّ وتقنين استباحة العرب وتبريرها وتشويه معتقداتهم بعد أن يلبسوا لباس الإرهاب الإسلاميّ.

في الحقيقة، لم يتنفّل الكيان الصّهيونيّ المجرم لوحده من كل المؤامرات العالميّة ضدّ العرب، بل إنّ الاحتلال الفارسيّ الصّفويّ للأحواز العربيّة استفاد بدوره من تلك الأوضاع فأوغل متماهيا مع حليفه التّقليديّ في ارتكاب شتّى ألوان الجرائم بحقّ شعبنا العربيّ في الأحواز العربيّة المحتلّة وفي العراق واليمن وسوريّة.

إنّه ما من مخرج للعرب من كلّ هذا النّفق المظلم، إلاّ أن يستعيدوا وحدة النّضال ببعديه المسلّح والمدنيّ من أجل تحرير أراضيهم وطرد الغزاة ومن ثمّة يستجمعون كلّ قواهم لتحرير فلسطين وما ذلك بعزيز عليهم فقط متى استمسكوا بالوحدة.





الجمعة ٩ جمادي الثانية ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أذار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة